جدة تطبع قبلة حارة .. على جبين مليكها المفدى
ما أصاب جدة من مصاب جلل يستحق أن نقف عنده طويلاً، فالدولة لم تبخل على جدة بالمال والرجال، واعتمدت لها أموالاً طائلة لتنفيذ مجموعة كبيرة من المشاريع التنموية الرائدة، ولكن - مع هذا - تعرضت المدينة الجميلة الناعمة لكارثة السيول والفيضانات التي جرفت الشجر والحجر والبشر.
وواضح أن المليك المفدى بحسه المرهف وإحساسه العالي وحبه الجارف لأبنائه مواطني هذه المملكة الفتية أحس بأن المصاب جلل، وأن الكارثة مدمرة، وأنه يجب اتخاذ الإجراءات الحازمة والحاسمة لعلاج الإهمال الذي تسبب في وقوع هذه الكارثة التي وقع ضحيتها أبرياء.
إن أهالي جدة ومعهم إخوانهم أهالي المملكة العربية السعودية يطبعون قبلة حارة مخلصة على جبين مليكهم وقائدهم المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي بادر وأصدر أمراً ملكياً تاريخياً مفصلاً يريد من خلاله أن يعالج صورة من صور الإهمال والفساد الذي راح ضحيته مواطنون أبرياء.
إن المليك المفدى استند في تحركه إلى كافة الأنظمة المرعية، وبالذات على النظام الأساسي للحكم وهو دستور البلاد الذي كفل لمواطني المملكة حق الحياة الكريمة وكفل لهم حق الاحتماء بقوى الحكومة ضد الأخطار والكوارث والإهمال.
لقد قال خادم الحرمين في الأمر الملكي العاجل الذي أصدره أمس الأول للوقوف على أسباب هذه الكارثة: «بعد أن تابعنا ببالغ الحزن والألم الأحداث المأساوية التي نتجت عن هطول الأمطار على محافظة جدة وما أدت إليه من وفيات تجاوزت المائة شهيد وإصابة الكثيرين، إضافة إلى عديد من التلفيات والأضرار البالغة على المنشآت العامة والممتلكات الخاصة، وبعد أن قمنا بواجبنا في حينه بتوجيه الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك وبشكل عاجل جداً، وكنا على اتصال مع المسؤولين المعنيين بمتابعة هذا الأمر أولاً بأول واتخاذ ما يلزم من إجراءات في حينه، وإنه ليحز في نفسي ويؤلمها أن هذه الفاجعة لم تأت تبعاً لكارثة غير معتادة على نحو ما نتابعه ونشاهده كالأعاصير والفيضانات الخارجية وتداعياتها عن نطاق الإرادة والسيطرة، في حين أن هذه الفاجعة نتجت عن أمطار لا يمكن وصفها بالكارثية»، ومضى خادم الحرمين الشريفين يقول: «وإن من المؤسف له إن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على عديد من الدول المتقدمة وغيرها ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات ولا ينتج عنها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شاهدناه في محافظة جدة وهو ما آلمنا أشد الألم». واستطرد المليك المفدى في أمره الملكي قائلاً: «واضطلاعاً بما يلزمنا واجب الأمانة والمسؤولية التي عاهدنا الله تعالى على القيام بها والحرص عليها تجاه الدين ثم الوطن والمواطن وكل مقيم على أرضنا، فإنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه -جهات وأشخاص - ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المنوطة به، أخذاً في الاعتبار مسؤولية الجهات المعنية كل فيما يخصه أمام الله تعالى ثم أمامنا عن حسن أدائها لمهماتها ومسؤولياتها والوفاء بواجباتها». وأنهى الأمر الملكي بتشكيل لجنة سداسية برئاسة سمو أمير مكة المكرمة للتحقيق في الكارثة ورفع نتائج التحقيق بأسرع وقت ممكن حتى يتخذ المليك المفدى القرارات اللازمة حتى يكون في ذلك عبرة لمن يعتبر.
وإذا كان البعض يقول إن هذه السيول هي من باب القضاء والقدر، فإننا نقول إن الكارثة تندرج فيما يسمى بالكوارث الطبيعية، ولكن الشيء غير الطبيعي هو أن المشاريع التي اعتمدت لمدينة جدة والتي تم تنفيذها لم تصمد وتصد عن جدة هذه الكارثة التي أودت بحياة الأبرياء من سكان شرق جدة، والسؤال الذي نرجو أن تجيب عنه التحقيقات التي سوف تقوم بها اللجنة هو: هل مشاريع السيول ومشاريع المجارى التي أنفقت عليها الدولة دم قلبها وتم تنفيذها بمليارات الريالات لم تكن بالمتانة والقوة التي تستطيع بها رد السيول واحتواء الفيضانات، أم أن الفساد قد طال هذه المشاريع وتم تنفيذها وتسلمها وهي مخالفة للاشتراطات الفنية والموضوعية.
إن المسؤولية الآن تقع على اللجنة الملكية، وإن المطلوب من اللجنة السداسية توظيف كامل قدراتها للوصول إلى المتسببين في الكارثة حتى ينالوا جزاءهم كاملاً.
ونرجو أن تكون نتائج التحقيق درساً قوياً ونافذاً لعلاج كل أشكال وألوان الفساد الذي انتشر في شرايين المؤسسات الحكومية حتى أصبحت هذه المؤسسات تئن وتشكو من أمراض الغش والتدليس والرشا.