الأمر الملكي بداية التصحيح
أكد الملك عبد الله بن عبد العزيز بشجاعة - قلما نجدها بين قادة الدول متقدمة كانت أم نامية - أن الحكومة بمؤسساتها في محافظة جدة هي مسؤولة عن الكارثة التي حدثت في مدينة جدة. فبدأ بتعويض الغرقى بمليون ريال لكل غريق، ناهيك عن التعويضات التي قد تطول جميع المتضررين من السيول، مما سيكلف خزانة الحكومة مئات الملايين من الريالات، وإذا أضيف لها المليارات التي اندثرت في مشاريع وهمية في مدينة جدة - انكشفت منذ فترة ليست بعيدة جراء تعاقب الأمطار السنوية على مدينة جدة - فإن العقاب الذي ننتظره يجب أن يكون أمثولة ورادعاً لمن لم يوف الأمانة وينهي المهمة لخدمة الوطن والمواطن على أكمل وجه.
العبارات السابقة هي أيضا مدلول الأمر الملكي كما فهمته. فهو أولاً استند إلى نظام مجلس الوزراء الذي يعطي قوة وزارية وملكية وشرعية للجنة لممارسة مهامها بسلطة خولها لها الملك، واستند الأمر الملكي ثانيا إلى نظام تأديب الموظفين لأن ما حدث هو أخطاء موظفين تابعين للدولة ومعينين في وظائفهم لخدمة المواطن والمقيم وكل من تطأ قدمه أرض المملكة، وهو يستند ثالثا إلى نظام المراقبة العامة الذي من مهامه الكشف عن القصور ومحاسبة المتسبب في المؤسسات الحكومية، ويستند رابعا إلى نظام البلديات والقرى المعني بتخطيط المدن والقرى وطرح المشاريع البلدية والخدمية، وهو يستند خامسا إلى نظام حماية المرافق العامة والذي يهتم بحماية المرافق العامة من السرقة والإتلاف، وأخيراً يستند إلى نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الذي يطرح المشاريع الحكومية ومشترياتها بنظام المنافسة والمناقصات العامة. مما يشير إلى أن كل هذه الأنظمة ستبحث في التفصيل عند إجراء اللجنة لتحقيقاتها مع أي كائن من كان، وأن من يخالف أيا من موادها سيكون عرضة للعقاب.
وحتى يضمن الأمر الملكي حسن التطبيق وصرامة المساءلة وسرعة التنفيذ نقل الملك للجنة كامل المسؤولية من ذمته إلى ذمة أعضائها ليحملهم مسؤولية هو معني بها أولاً أمام الله سبحانه وتعالى قبل أن تكون أمام الناس، وليستشعر أعضاء اللجنة عظم الأمانة والمسؤولية أمام ربهم سبحانه وتعالى ومليكهم ومواطني ومقيمي هذه البلاد. كما أن الأمر الملكي اختار الأعضاء بعناية فائقة ومن قطاعات مختلفة تتكامل بينها المهام والمسؤوليات. فحاكم جدة يمثل الإرادة الملكية في طلب أي بيانات أو معلومات أو أي مسؤول كائنا من كان، ورئيس هيئة الرقابة والتحقيق عرفت عنه حياديته وصرامته وغيرته على موارد الوطن ووجوب أن توجه فيما حددت له. كما أن مدير عام المباحث الإدارية ومسؤول الاستخبارات ستكون لديهما القدرة على جلب كائن من كان وإعطاء كامل التفاصيل عنه، مع قدرتهما على المساءلة والتحقيق للوصول إلى المطلوب. ولم يكن ضمن أعضاء هذه اللجنة أي من المسؤولين أو الموظفين في الأمانة أو البلديات لأنهم قد يكونون هم ضمن حزمة المتهمين بالتقصير.
كل هذه المعطيات تخلق الارتياح إلى أن اللجنة قد وفرت لها سبل النجاح في تحقيق ما يصبو إليه المليك والمواطن والمقيم. وأصبحت مهمتها واضحة لا لبس فيها وهي البحث عن المتسبب في هذه الكارثة ومحاسبته. ويجب أن تكون كل هذه الإجراءات بصفة عاجلة، ذلك أن هذه الكارثة لم تكن المرة الأولى التي تطول جدة. ففي سنوات سابقة تعرضت جدة لمثل هذه الكارثة في تصريف السيول، إذ غرقت شوارع جدة في شبر من الماء، ولم يحرك لها ساكن حينئذ. وسمعنا بوعود لم توف، لنستيقظ على فاجعة أودت بحياة أكثر من 100 شخص، وشردت الآلاف من البشر، وهدمت المنازل، وأتلفت الآلاف من السيارات والممتلكات. لذا فإن من مهام هذه اللجنة ليس معرفة الأسباب والمسببين لها، بل إيجاد الحلول الناجعة حتى لا تتكرر مثل هذه المآسي.