جدة .. مائة في خمسة

عندما ندعو للملك عبد الله بإطالة عمره وتوفيق الله له في أعماله وقراراته فهذا أقل ما نقدمه له لأنه دائما يفوقنا في توقعاتنا وتحقيق أمانينا في جميع أنحاء الوطن دون استثناء، والأمر الملكي الصادر في 13/12/1430هـ كان أمرا نادرا فلم يترك لنا بمقدمته المفصلة أي موضوع في بالنا لم يتطرق إليه، وكم يسعدنا أن خادم الحرمين الشريفين صدق وعده «ستجدونني معكم في السراء والضراء أخا وأبا وصديقا صادقا» يفرح لفرحنا ويتألم أشد الألم لألمنا لأنه ملك الإنسانية تحكم في قلوب المواطنين والمقيمين بحبه لهم وإخلاصه في خدمتهم فأسر قلوبهم.
إن إعطاء الحرية للصحفيين والإعلاميين بالبحث في مشكلات الناس ومتابعة التقصير من أي جهة حكومية أعطى القيادة خيارا واضحا لمعرفة الحقائق دون تزويق بيروقراطي يخفي عن المسؤولين سوء الحال وكبر الفواجع. إن إعطاء الأمراء ومجالس المناطق والمحافظات والبلدية صلاحيات رقابية سيساعد على تنفيذ المشاريع وتخفيض الفساد الإداري.
إن خادم الحرمين الشريفين لم يستثن المقيمين من الإعانات وهذا ما يوجبه علينا إسلامنا وإنسانيتنا، ونأمل من وزراء الحكومة وموظفيها أن يكونوا في مستوى القيادة التي تخاف الله وتحقق العدل دون مراعاة للقرابة أو المحسوبية أو المصلحة الخاصة.
وكما تعودنا فإن ما في قلب أبو متعب فهو على لسانه الكريم فلم يخلق الأعذار بل وضح أن «هذه الفاجعة نتجت عن أمطار لا يمكن وصفها بالكارثية - كما حاول البعض وصفها لتبرير عجزهم -، وأن هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانيات والقدرات ولا ينتج عنها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدناه في محافظة جدة وهو ما آلمنا أشد الألم». والأمر السامي فيه أمور كثيرة ولكن التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه، جهات وأشخاص، ومحاسبة كل مقصر ومتهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم. إن هذا الأمر سيكون أساس محاسبة كل موظف حكومي مقصر أو متهاون أو مخل بالأمانة والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المنوطة به. وصدق خادم الحرمين الشريفين في أن دولا تقل عنا إمكانيات، لديها بنية تحتية أفضل بكثير مما في جدة، فما سبب ذلك! وعلينا مطالبة أمراء المناطق ليقدموا ما يحتاجون لتطبيق هذا البند في الأمر السامي. ومع وجود جهات مختلفة لمراقبة ومحاسبة موظفي الدولة المقصرين لكننا نرى خبرة بعضهم في التخفي وشروحاتهم للأنظمة ليتستروا على أخطائهم أو زلاتهم أو فسادهم ويخرجون منها مثل الشعرة من العجين.
إن تعويض أسرة كل غريق بمليون ريال سيواسي هذه الأسر ولن يعوضهم أحباءهم، وليت اللجان تدرس تحويل جميع هذه المنازل في الأودية وتزيلها وتعوض ملاكها بسخاء لبناء البديل وكذلك تحدد من أصدر أوامر المنح أو المخططات ومن طبقها في الأودية ومن سمح بتخطيطها ومن صرح بالبناء عليها، والأهم من هذا كله، هو وقف القائم وعدم تكرار ذلك في أي منطقة في المملكة وصدق الله العظيم القائل «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم» إن هذه الفاجعة أظهرت المخفي وكشفت المستور ووجود الأمير خالد الفيصل رئيسا لهذه اللجان يجعلنا نتفاءل خيرا لأنه مخلص وصادق وقيادي حازم ولا يبحث عن حلول مؤقتة وإن كلفت الكثير، وصدق سموه عندما قال، علينا أن نفتح الطريق لهذه السيول لتصل إلى البحر مباشرة - إن شاء الله، وأضيف أو يستفاد من بعضها، إذا أمكن.
إن مشكلات جدة لا تنحصر في مصارف السيول ولقد قدم المهندس زكي فارسي عرضا للأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في بيت التجارة، ولن أدخل في تفاصيله، فقد نشر في حينه وامتعض بعض موظفي الدولة لأن ما قدم كان خارجا عن المألوف، ولا أعلم إذا لم نقدم الحقائق لولاة أمرنا فكيف ستتخذ القرارات الصائبة.
فعندما ذكر المهندس زكي فارسي أن مساحة المنطقة المغطاة بشبكة الصرف الصحي قبل 20 عاما كانت 8 في المائة من مساحة مدينة جدة وأنها كذلك اليوم فإنها حقيقة، وأن شبكة كبيرة من أنابيب الصرف على الطرقات الرئيسية أنشئت واتضح أن مشروعا فقط لتخفيض منسوب مياه المجاري الناتجة عن البيارات تحت مباني المدينة، وللأسف لتصب في البحر دون معالجة مما يعني تدمير البيئة البحرية، وبدلا من نمو شبكة الصرف الصحي تنمو بحيرة المجاري في شرق جدة التي أصبحت أكبر من خليج أبحر. واعتمد المقام السامي 95 مليون ريال لمعالجة مخاطر بحيرة الصرف ولا أعلم ماذا لو أمطرت علينا السماء مرة أخرى لمدة ثلاث أو ست ساعات، هل تتحمل البحيرة أم سنغرق وتنتشر الأوبئة أكثر. وماذا لو غمرت هذه المياه الملوثة، لا قدر الله، خزانات المياه السفلية لكل مبنى، فمن أين سنشرب؟ وماذا عن الأوبئة؟ نعم هذا تصور مخيف ننام عليه كل ليلة ويأتينا كلما رأينا سحابة. وأقول أكثر لأن شواطئ جدة كرمت في أكثر من تقرير دولي بأنها تتنافس مع أكثر الشواطئ تلوثا في العالم، وحذروا من تفاقم المشكلة وينذروا بكارثة صحية، وعلينا أن نصدقهم والدليل «أن الشؤون الصحية في محافظة جدة اعتمدت تطعيم 30 غواصا بلقاحات مضادة قبل نزولهم إلى الشاطئ للبحث عن الجثة المفقودة، نظرا لتلوث الشاطئ بمياه الصرف الصحي» («الاقتصادية» 19/7/1430هـ).
وأما تصريف مياه الأمطار والسيول فقد تم تنفيذ 30 في المائة فقط من شبكة تصريف مياه الأمطار والمياه السطحية التي تحتاج إليها المدينة. هل نلوم الأمانة لأنها لم تطلب ما يلزمها من اعتمادات؟ فلنرجع لعرض الفارسي لنرى أنه في عام 2006 طلبت الأمانة 3.191 مليون ريال واعتمد 22 في المائة منه وفي عام 2007 طلبت 4.008 مليون ريال واعتمد 17 في المائة منه وفي عام 2008 طلبت 11.154 مليون ريال واعتمد 10 في المائة منه، حتى ميزانية الدراسات طلب لعام 2009، 273 مليون ريال واعتمد 22 في المائة منه. فلماذا نلوم وزارة الشؤون البلدية والقروية أو الأمانة، ونترك من يحدد لهم الإنفاق. وطالب الفارسي «بتبني خطة وطنية لإنقاذ مدينة جدة تبدأ بتبني الصرف المادي اللازم على المخطط الاستراتيجي والصرف الصحي والبنية التحتية وباقي الخدمات» وهذا ما نطالب به.
واعتبر معالي أمين مدينة جدة، المهندس عادل فقيه تصوير جدة بشكل قاتم والإيحاء بأنها تحتضر «ظلما للواقع الجديد القائم - الوطن 3264 - وأنه كان من المناسب أن يتم رصد أعمال التطوير القائمة من جهة، والتحديات على أرض الواقع من جهة أخرى وبشكل عادل ومتوازن». ومن قرأ المقابلة يدرك أن معاليه بين المستنكر لطريقة عرض المهندس الفارسي وبين المؤيد لمطالبه «إن محافظة جدة تعيش الآن مرحلة تنموية جديدة تتطلب الصبر والعمل الجاد والاستفادة من الأساليب الإدارية والعلمية الحديثة، وكذلك توفير الموارد المالية لها، لردم الفجوة والتراكمات التي استمرت نحو 20 عاما مضت». نعم توفير الموارد المالية هذا ما طالبنا به، أما الصبر فماذا بعد 20 و30 عاما من الصبر. ألم يحن الوقت لتخصيص متطلبات محافظة جدة كما عرض بعضها أمام صاحب السمو؟!
وحول ما تحتاج إليه جدة لكي تحقق أحلامها، يقول معاليه «لا شك أنها تحتاج إلى الكثير ..»، وقال أيضا «إن وزارة المالية مشكورة تقوم بدورها في تأمين الاحتياجات المعتمدة ضمن سلم أولويات وطنية متعددة تتزامن والمرحلة التنموية التي تعيشها بلادنا الغالية ..» ولا أعلم على ماذا يشكر معاليه وزارة المالية إذا كانت لا تعتمد إلا الخمس أو العشر مما تطالب به أمانة محافظة جدة سنويا، وأية أولويات وطنية تجعل جدة نكرة في احتياجاتها الأساسية والمالية تزيد من احتياطنا الوطني؟ إن هذه الأمطار التي هطلت مسحت صبرنا بالكلام المعسول، ويكفينا ما أصاب الناس من حزن وضرر، ويكفينا أيضا فضيحة أن مدينتنا على الفضائيات حول العالم مع أنها مدينة جميلة ونحبها حتى من دون هواء نقي يتنفسه أبناؤنا أو مجار أو طرق محفورة أو غيرها، ولكن إلى متى سنصبر على مجاملة موظفي الدولة لبعضهم وأن ننتظر نحن وأبناؤنا الغرق في بحيرة الصرف الصحي. ولنعد إلى الأمانة، فقد صرح وكيل أمانة جدة المهندس إبراهيم كتبخانة - عكاظ 15800- «أن الأحياء المنكوبة بحاجة إلى مشاريع تصريف الأمطار وفي الإجمال نحتاج إلى 7 مليارات ريال لبناء شبكة تصريف بمواصفات عالمية». ويقول معالي أمين جدة («الاقتصادية» 5792) «إن أولويات الأمانة كثيرة وتحدياتها كبيرة وتحتاج إلى أكثر من 10 مليارات ريال سنويا كميزانية لتنفيذ ما نطمح إليه من مشاريع».
إن تخصيص مائة مليار ريال لتنفيذ بعض المخطط الاستراتيجي لمحافظة جدة توزع على خمس سنوات ليست بعيدا عن اقتراح الأمين بـ 10 مليارات للأمانة سنويا لبناء الكباري والأنفاق وشبكة تصريف مياه الأمطار وتنظيف شواطئنا ، كذلك تقوم شركة الكهرباء بتغيير الكوابل الأساسية التي تحتاج إلى تغيير لانتهاء عمرها الافتراضي، والمياه لإنشاء شبكة مياه كاملة وجديدة بدل نسبة هدر 30 في المائة والمجاري بإنشاء شبكة الصرف الصحي ونرجو ألا يستخدموا أنابيب حجم مصاصات العصير كما في بعض المناطق، وبناء مونوريل كإحدى الوسائل للنقل العام في المحافظة، أي بنية تحتية جديدة ومتكاملة في خمس سنوات على أن تعمل جميع الجهات في المواقع نفسها. نعم نستطيع أن نحلم ما دام أميرنا سيكون مسؤولاً عن متابعة تنفيذ هذه المشاريع وستتم قبل أوقاتها المحددة - بإذن الله.
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وأمد في عمره وجعلها في ميزان حسناته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي