«كاوست» تحدٍ غير مسبوق يخوضه خادم الحرمين في منطقة تأخرت علميا
وصف الدكتور إلياس زرهوني مبعوث الرئيس الأمريكي بارك أوباما للعلوم والتكنولوجيا، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ''كاوست'' بأنها تكاد تكون الجامعة الوحيدة في العالم التي حصدت شهرة دولية قبل أن تنطلق، بدعم من الرؤية الثاقبة لمؤسسها وراعيها الأول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقال الدكتور زرهوني في حوار خاص مع '' الاقتصادية'' إن ''كاوست'' باتت جامعة مشهورة جدا رغم أن عمرها صغير، وحصدت سمعة عالمية ممتازة لم تتحقق للعشرات من الجامعات العالمية إلا بعد سنوات من عمرها، بمعنى آخر استطاعت أن تضع قدما عريضة بين الكبار رغم أنها لا تزال جامعة وليدة كما قلت. وأشار زرهوني وهو أحد المبعوثين الأمريكيين الثلاثة للعلوم والتكنولوجيا إلى العالم الإسلامي، إلى أن ''كاوست'' شرعت على الفور في بناء خطوط تعاون وأبحاث مشتركة مع أهم جامعات العالم بغية البدء من حيث انتهى الآخرون، كما أنها خلقت منافسة ''شرسة'' ولكنها حميدة بين الجامعات داخل المملكة وخارجها.
وتناول المبعوث الرئاسي خلال اللقاء أسباب الزيارة التي يقوم بها للمملكة، موضحا أنها تنطلق من رغبة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تجسيد رؤيته التي طرحها في مؤتمر القاهرة على الواقع، من خلال مد جسور التعاون مع العالمين العربي والإسلامي في كل المجالات التي منها العلوم والتكنولوجيا.
وأضاف: ''أتيت دون خطة عمل محددة، ولكن للاطلاع عن قرب على التطور الذي يحدث داخل المملكة والحصول على تصور كامل عن مسار هذا التطور ومن ثم نقل الصورة الصحيحة والنصيحة المثالية لأوباما''. الحوار تناول جوانب كثيرة مهمة متعلقة بالأبحاث والعلوم في مجالات الطاقة، وتأثير الأزمة المالية العالمية عليها، إلى جانب محاور أخرى متنوعة.. وإليكم تفاصيل الحوار:
في البداية نود الترحيب بك سيد زرهوني في المملكة.. والاطلاع على الهدف من الزيارة التي تقومون بها للمملكة؟
الحقيقة ليس هناك خطة عمل موحدة، إنما تأتي زيارتي في إطار سعي الرئيس الأمريكي باراك أوباما لترجمة ما قاله في مصر من رغبة في مد جسور التعاون والتواصل مع العالمين العربي والإسلامي، والمملكة بالطبع من أهم تلك الدول.. كما أننا جئنا للاستماع أيضا.. فالعالم اليوم أصبح قرية واحدة بالفعل.. عقدنا عدة اجتماعات وزيارات لجامعة الملك سعود في الرياض وجامعة كاوست ومدينة الملك عبد العزيز وعدد آخر من الجهات.. ولدينا رغبة حقيقية في الاستماع للاحتياجات السعودية في مجال التعاون العلمي على جميع الأصعدة.. وهنا أود التأكيد أن الرئيس الأمريكي مهتم بالتطور العلمي الذي تقوده المملكة في المنطقة.
#2#
العالم الإسلامي يعاني كثيرا من المشكلات الداخلية التي لا علاقة لها بقضايا السياسة والسلام في المنطقة، وتحتاج إلى شراكة بين الطرفين لتجاوزها.. من هنا تم تحديد عدد من الأولويات التي سيتم العمل عليها خلال المرحلة المقبلة بالتعاون مع دول المنطقة والسعودية على رأسها، وهي توفير الوظائف للعاطلين وقضايا المياه، والطاقة والصحة، والتغير المناخي، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا والسياسة التعليمية، منطلقين من رؤية أوباما التي أعلنها خلال زيارته تركيا ومصر عقب تسلمه منصبه التي يعبر فيها عن رغبته في مرحلة جديدة للعلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي التي توترت خلال السنوات العشر الأخيرة.
رؤية أوباما هي الفصل بين القضايا السياسية الشائكة والقضايا الأخرى الاقتصادية، والتكنولوجية، والعلمية، ويرفض القطيعة التامة بين الجانبين لأي سبب كان.. الرئيس أوباما يريد إعادة الازدهار الحضاري والعلمي للمنطقة التي كانت في يوم ما مصدر العلم والمعرفة، ومركزا حضاريا وعلميا، وذلك من خلال خلق مجتمع المعرفة.
وشدد على أنه ستكون هناك برامج عملية لمساعدة دول المنطقة في تجاوز هذه الإشكالات، كما سيتم خلق شراكات لمساعدة الدول الفقيرة عديمة الإمكانات. وأكد أن تعزيز هذه الشراكة في المجالات العلمية والتقنية لا يعني تجاهل القضايا السياسية التي تدخل كمحددات في مسار العلاقة، ومنها قضية الشرق الأوسط، فالرئيس أوباما شدد على ضرورة إعطاء أولوية لقضية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ما الذي لمستموه حتى الآن من خلال تلك اللقاءات والزيارات التي قمتم بها.. وما الانطباع الذي ستنقلونه للرئيس الأمريكي عن مهمتكم الحالية؟
الحقيقة أنني زرت السعودية في عام 2004.. وكنت أتوقع تطورا ولكن لم أتوقعه بهذا الحجم والسرعة.. الواقع أن هناك تغييرا كبيرا يقوده الملك عبد الله لجعل السعودية منافسا حقيقيا في مجال العلوم والتقنية، لاحظت قفزة كبيرة في مجال الاستثمار في التعليم برز مع نمو عدد الطلاب في الداخل والمبتعثين وعدد الجامعات ونوعياتها.. باختصار يمكنني التأكيد أن هناك تلاقيا كبيرا بين رؤية الملك عبد الله لتطوير التعليم والجامعات ورؤية الرئيس أوباما عندما أطلق خطة لإعادة تأهيل الجامعات الأمريكية..ويمكنني التأكيد أيضا أن السعودية تسير في الطريق الصحيح وتحتاج فقط إلى بعض الوقت.
#3#
تحدثتم عن زيارتكم لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.. كيف تقيمونها.. وما الصورة التي تعرفونها عنها قبل القدوم إلى السعودية؟
الواقع أن جامعة كاوست أصبحت مشهورة قبل أن تبدأ حتى.. لديها سمعة جيدة في الأوساط الدولية.. رغم أنها لا تزال وليدة.. لقد وضعت قدما عريضة بين الكبار.. وحصدت سمعة ممتازة منذ انطلاقتها، كما أنها خلقت منافسة شرسة ولكن حميدة في الداخل والخارج.. والسبب في اعتقادي يعود إلى ثلاثة أسباب، أولها أنها لعبة تحد يخوضها خادم الحرمين في منطقة متأخرة عن الركب العلمي.. كما أنها طريقة جديدة لتحقيق النمو والتقدم الذي تنشده المملكة، إلى جانب أنه ليس في مقدور كل الدول تأسيس جامعة بهذا المستوى وهذه التكاليف.. خصوصا في المنطقة.
هل هناك أي برامج أو مشاريع ضخمة تقوم بها الجامعات والشركات الأمريكية مع جامعة كاوست؟
نعم منذ البداية مدت كاوست جسورا من التواصل والتعاون مع أهم الجامعات وأكبر الشركات الأمريكية ..وهناك المزيد.. في مجالات مختلفة من أبحاث الطاقة والأبحاث الطبية..هذا بخلاف التعاون في مجال تقنيات النانو والتي تتم مع جامعة الملك سعود..نحن ندير الفرص البحثية بالطريقة الملائمة فأمريكا لديها ميزانية ضخمة للإنفاق على البحوث تبلغ 3 في المائة من الناتج الإجمالي للولايات المتحدة.
والأمر لم يتوقف عند حدود ذلك فهناك تعاون في مجال إنتاج الطاقة الحرارية وتطوير تكنولوجيا استخراج النفط وهي برامج تتعاون فيها الجامعات والشركات السعودية مثل أرامكو منذ زمن ولا تزال مستمرة وتنمو بطريقة مرضية.
ما الفرص التي تعتقد أن المملكة تتمتع بها ويمكن الاستفادة منها في مجال العلوم والأبحاث؟
المملكة والمنطقة عموما غنية بالموارد والفرص أهمها الطاقة طبعا.. وأنا لا أتحدث عن الطاقة النفطية فقط بل الطاقات الجديدة ،ومنها الطاقة الشمسية التي أعتقد أنها باتت ميزة جديدة على السعودية التركيز عليها وتطوير الأبحاث في مجال تحويل الإشعاع الشمسي إلى طاقة بأقل التكاليف وطرق تخزينه.. هناك تركيز كبير من الشمس على المنطقة وهي الأكثر عالميا.. ولكنها صناعة تحتاج إلى تركيز.. وهذه الطاقة لن تنتج الكهرباء فقط بل ستساعد على تحلية المياه، ما يعني تحقيق معادلة صعبة هي الأمن الغذائي والمائي للمملكة والمنطقة. تكنولوجيا النانو أيضا هي فرصة أرى أن المملكة متهمة بتطويره وقادرة على فعل ذلك من خلال توظيفها بالطرق الصحيحة لخدمة المجتمع المحلي والعالم.
هل تأثرت الأبحاث في مجالي العلوم والتكنولوجيا بالأزمة العالمية سواء داخل الولايات المتحدة أو على الصعيد الدولي؟
التأثير انحصر في الشركات الصغيرة في أمريكا والتي كانت تعتمد على تمويلات البنوك في إجراء البحوث والابتكارات، حيث أسهم نقص التمويل في بطء أعمالها، أما على الصعيد الحكومي والشركات الضخمة والجامعات فإن البحث لم يتوقف، بل إن الإنفاق الحكومي على الأبحاث نما أكثر من ذي قبل.. وعلى الصعيد الدولي إن الأبحاث لا تزال تسير على وتيرتها رغم التأثرات الطفيفة.
يتحدث بعض الخبراء والمهتمين عن انهيار محتمل للإنترنت نتيجة للاستخدام الكبير له.. هل تشعرون بهذا الخطر وكيف يمكن مواجهته؟
هذا غير صحيح.. رغم أن هناك قلقا من التوسع الهائل في استخدامات الإنترنت.. ولكن، واعتمادا على قدرة الإنسان في تطويع التكنولوجيا.. كما حدث في تجارب سابقة فإنه يمكنني القول إن التكنولوجيا ستحل مشكلاتها بالتكنولوجيا.. وهناك أمثلة كثير لتأكيد ذلك.. ومن هنا فإنني لا أتفق مع القول إن شبكة الإنترنت ستنهار أو تتوقف عن العمل، رغم أنها تحظى بضغط كبير.. هناك العشرات من الشركات العملاقة التي شرعت في أبحاث متقدمة لتطوير وعاء الإنترنت بعد أن بات مكانا لكل الأعمال.. وهناك مبالغ مالية ضخمة مرصودة لتجنب مثل هذا الخطر.
أسهمت التكنولوجيا أخيرا في التأثير في علاقة الولايات المتحدة بالصين على خلفية قضية ''جوجل''.. كما أحدثت تسريبا لمعلومات ملايين البطاقات الائتمانية في أمريكا.. هل من تعليق؟
التكنولوجيا سلاح ذو حدين.. وهو حال كل الأشياء.. ''يمكنني أن استخدم القنبلة لقتل أحدهم''.. ويمكنني أن استخدمها لتفجير طريق يسلكه الناس.. واستخدامات التكنولوجيا تخضع للبيئات الاجتماعية التي تنطلق منها.. والمعلومة اليوم أصبحت ركيزة مهمة يمكن أن تتسبب في حدوث أزمات.. رغم أن القضية سياسية هنا.. ولكنني أود التأكيد أن المسألة هنا لا علاقة لها بـ ''جوجل'' التي تعد وعاء لنقل المعلومات فقط.. وليست مسؤولة عن ماهية وطبيعة تلك المعلومات التي يحددها المستخدمون أنفسهم.
تنامت في السنوات الأخيرة الكوارث الطبيعية التي تعصف بمقدرات وأرواح الدول.. والبعض يقول إن التكنولوجيا لم تقم بدورها في هذا الجانب.. كيف ترد؟
هذا غير صحيح .. فعلى الرغم من تسارع وتيرة الكوارث وتعاظم تأثيرها والعائد في المقام الأول للتغير المناخي الذي أحدثه الإنسان على طبيعة الأرض إلا أن الأبحاث والتكنولوجيا أسهمت وستظل في التخفيف من حدة تأثير الكوارث إلى جانب تطوير وسائل توقعها.. التكنولوجيا اليوم أسهمت في تحديد المناطق الأقل عرضة للكوارث والظواهر الطبيعية كالزلازل والبراكين.. كما أسهمت في توفير ابتكارات في مجال البناء المتلائم مع بعض الأماكن المعرضة للأخطار، وقد حدث ذلك بصورة جميلة في اليابان.. كما أن التكنولوجيا أسهمت في زيادة مساحة التوقع للأخطار ورصدها وتتبعها على مدار الساعة والتحذير منها وفي أي مكان من المعمورة.
سؤال أخير: هل أنتم من قدم النصيحة للرئيس الأمريكي باعتماد التكنولوجيا ومواقع الإنترنت في الانتخابات وإجراء أول حوار رئاسي على ''اليوتيوب''؟
لا لم أقم بذلك.. والواقع أن التكنولوجيا من اهتمامات الرئيس أوباما منذ أن كان طالبا في الثانوية العامة.. كما أنه يعشق توظيفها في كل مناحي حياته، وقد كان لها خير تأثير في مسار الانتخابات الأخيرة.. والرئيس مؤمن بأن التكنولوجيا والإنترنت هي لغة القرن الجديد.. وعندما جاء للرئاسة هو من طلب الحصول على جهاز بلاك بيري ليتمكن من الحديث مع مستشاريه وأعوانه في البيت الأبيض. إيمانا منه بقوة التواصل الإلكتروني.