قفزة نوعية في علاقات الرياض ودمشق خاصة في السياسة والاستثمار
خلال زيارته التي جال فيها على مرافق صحيفة «الاقتصادية»، كان ضيفنا الذي دشن انطلاقة الصحافة الخاصة في بلده يطرح أفكارا متعددة حول التعاون الإعلامي والاستثمار في الصناعة الصحفية، كان يؤكد أن المتغيرات الحديثة قد غيرت الأدوار التقليدية للأجهزة الإعلامية الرسمية، في حين كانت آراؤه حاسمة في كثير من القضايا المطروحة سواء ما تعلق منها بالتشريعات القانونية وواقع الصحافة العالمية في ظل الواقع الإلكتروني، أو ما يتصل بأثر الانفتاح الاقتصادي في دعم السوق الإعلانية للصحف وأهمية دور المبادرات غير الرسمية في تأسيس منظومات للتعاون والتبادل الإعلامي العربي. كل هذه الآراء وغيرها ضمــــها حوار «الاقتصـــــاديـــة» مع وضـــــاح عبد ربه رئيس تحرير صحيفة «الوطن» السورية، الذي يزور المملكة حاليا بدعوة من وزارة الثقافة والإعلام.
دعنا نسأل بداية عن الصحافة السورية.. كيف هو واقعها الحالي من حيث التوزيع والتحرير والمشاريع التطويرية؟
الصحافة لدينا على شقين، رسمي وخاص، «الوطن» صحيفة مستقلة، والإعلام الخاص بدأ في 2001 كان من القرارات المهمة التي اتخذها الرئيس بشار الأسد هو السماح بالإعلام الخاص. كان آخر قانون بهذا الشأن في عام 1948م إلى أن صدر قانون خاص جديد للمطبوعات لتنظيم التراخيص وخلال تسع سنوات أصبح هناك 160 ترخيصا لمطبوعة سورية منها ما هو فني واجتماعي وما هو مختص بمجالات متنوعة كان المجال الاقتصادي حاضرا فيها بوضوح من خلال عدد من المطبوعات الشهرية والأسبوعية.
في عام 2006م كان تأسيس أول صحيفة سياسية خاصة وهي «الوطن»، المشوار ما زال في بدايته لكن هذا لا يلغي أن ما حدث خلال السنوات التسع الماضية في سورية يمكن وصفه بالثورة الإعلامية الحقيقية، فقد صارت لدينا اختصاصات متعددة. كما أن هناك بعض الصعوبات مثل ندرة الصحفي المتخصص في مجالات كالاقتصاد، كما نحتاج إلى تغيير ثقافة مجتمع كامل، وبالتالي تغيير ثقافة الصحفيين وتعليمهم واختصاصهم للانتقال من مرحلة لأخرى، ففي المرحلة الحالية مثلا لا يتجاوز عدد الصحفيين المختصين بأسواق المال في سورية واحدا أو اثنين، وهذه مسألة تحتاج إلى معالجة ووقت وتدريب.
ما أبرز العوائق التي تواجه حركة النهوض بالحركة الصحفية في سورية في تقديرك؟
هناك عوائق مختلفة لكن كثيرا منها دخل مرحلة التغيير، مثلا مؤسسة التوزيع في سورية محتكرة، وقد صدر مرسوم بإنهاء هذا الاحتكار مع بداية عام 2012م، هناك احتكار للإعلانات وهناك مرسوم سيصدر قريبا بإنهائه أيضا، توجد ثورة تشريعية متكاملة استغرقت وقتا لكنها ستلعب دورا في تذليل العقبات لتصبح الأمور مهيأة ليصبح الإعلام مستقرا ويتمتع بالحرية الكاملة من حيث التوزيع والإعلان وغيرها، اليوم نبحث مع وزارة المالية السورية حول التعامل مع الإعلام وإعفاء بعض المؤسسات الجديدة من بعض الرسوم والضرائب، حيث لا يمكن مساواتها مثلا بشركات رابحة، ولا سيما أن معظم الإعلام المكتوب في سورية ما زال يواجه خسائر كبيرة، نحن لا نطالب بدعم ولكن بالتسهيلات فقط.
مع هذه الثورة والانفتاح الإعلامي لديكم، هل نتوقع زيادة في عدد الصحف اليومية خلال الفترة القريبة المقبلة؟
اليومي صعب لأنه يتطلب استثمارا كبيرا، خصوصا أن سوق الإعلان ضعيفة، الآن توجد ثلاث صحف رسمية هي «تشرين» و«الثورة» و «البعث» وجاءت «الوطن» إضافة إليهما، الصحف الثلاث خاسرة وجئنا نحن وخسرنا أيضا، السوق الإعلانية لدينا لا تغطي أربع صحف كما أن الإنفاق على هذا المجال في سورية لا يزال في حدوده الدنيا، هذا طبعا مرتبط بالانفتاح الاقتصادي فهو المعني بدخول ميزانيات إعلانية للشركات العالمية إلى السوق المحلية، نحتاج إلى وقت للنهوض بهذا الواقع ولكننا متفائلين، عندما بنينا دراستنا الاقتصادية للوطن وضعنا في اعتبارنا ثلاث إلى أربع سنوات من الخسائر، وصلنا تقريبا للسنة الرابعة وسنرى ما يمكن أن يحدث.
كيف هي فرص الاستثمار الأجنبي في الإعلام السوري، وهل هناك فرص لاندماج مؤسسات إعلامية سورية؟
الاستثمار الأجنبي غير ممكن قانونيا في الوقت الحالي نظرا لأن الإعلام يمثل منتجا محليا يجب أن يقوم به السوريون، أما الاندماج فهو ممكن من أجل خلق مجموعات إعلامية قوية وإن كان هذا يتطلب إعلانات وقدرات مادية كبيرة.
عقدت اللجنة السعودية – السورية المشتركة أخيرا اجتماعا لتعزيز التعاون بين البلدين، كيف تنظر إلى ما تمخضت عنه هذه اللقاءات وما ستسفر عنه من نتائج تعود بفوائد كبيرة على البلدين الشقيقين؟
تابعت الاجتماعات التي جرت برئاسة وزيري المالية في البلدين، ودعني أقول إن ما حصل في هذه الاجتماعات لا يعكس إلا جزءا بسيطا من الدعم السعودي القوي لسورية في جميع المجالات، وفي هذا السياق أعلن عن صرف 170 مليون دولار من المملكة لتوسيع محطة كهرباء، توجد توجهات للاستثمار السعودي في سورية، خصوصا أن أغلب الاستثمارات الخليجية التي شهدتها سورية، خلال السنوات الخمس الماضية كانت إماراتية وقطرية، اليوم وقد عادت الأمور أفضل مما كانت عليه في أي وقت، توجد فرصة كبيرة للاستثمار السعودي في سورية التي تعد بلدا خاما يحتاج إلى بنى تحتية ومشاريع سياحية وسكنية وغيرها، حضر عدد من رجال الأعمال السعوديين في ملتقى مشترك، العلاقات بين البلدين خلال السنتين المقبلتين ستشهد قفزة نوعية خاصة بالاستثمارات والعلاقات السياسية.
قلت إن صحيفة «الوطن» تحتاج إلى ثلاث سنوات بعد تأسيسها كي تتجاوز مرحلة الخسارة في حين تغيرت معادلة الربح والخسارة الصحفية بعد الأزمة العالمية لدرجة أن صحفا عالمية عريقة خسرت لدرجة أنها بدأت في فرض رسوم على زوار مواقعها الإلكترونية.. ما تعليقك؟
أي صحيفة تحتاج إلى ثلاث سنوات لتبني اسما وموقعا في السوق، الأزمة المالية أثرت في الكل، لكنهم تضرروا في أمريكا بشكل مباشر بسبب اختفاء الإعلان بينما تراجع لدينا في الدول العربية بنسب تتفاوت بين 40 و60 في المائة، في سورية مثلا لم نشعر بكثير من الفرق مع الأزمة المالية لأن الإعلان لدينا منخفض أصلا، وإجمالا تأثرت كل دولة بطريقة مختلفة بهذه الأزمة.
مبدئيا متى ما بدأت مطبوعة أو شركة بفرض رسوم على موقعها الإلكتروني فهذه في نظري بداية نهايتها، اليوم لا يوجد أحد في العالم مستعد أن يدفع لكي يحصل على الخبر ولا سيما أنه متاح مجانا في كل مكان. أي مطبوعة أو أي موقع يحمِّل القارئ رسوما فسيخسر لا محالة.
كيف ترى دور الإعلام في اجتذاب
في ظل خسائر الصحف السورية، هل تدعم فكرة اندماج الصحف والشراكات بين المؤسسات الإعلامية العربية؟
أنا أدعم الفكرة سواء كانت في توجه واحد أو مختلف، اليوم أصبح لدينا خصوصية في الخبر ولاسيما في الإعلام المكتوب، إذا استطعت أن أعطي أخبارا خاصة لصحف دول أخرى والحصول على أخبار خاصة منها فهذا سيزيد القيمة بالنسبة للصحيفتين، أؤمن بهذه الفكرة التي مازالت غائبة على المستوى العربي، لكن يجب أن نبدأ في العمل عليه، يمكنني مثلا أن أوفر مراسلا لصحيفة أخرى لدي وأحصل على مراسل لديها وهو ماسيزيد من قوة الشراكة الإعلامية والمهنية كما قد يكون فيه توفير نسبي للتكاليف على الطرفين.
ما نظرتك للإعلام الثقافي السوري حاليا؟ وما صحة مايثار حول أزمة تواجه تقديم هذا النوع من الصحافة عبر الإعلام؟
سأكون صريحا معك، الصحافة الثقافية بدأت تختفي عربيا وليس سورية فقط، خذ لديك مثلا تجربتنا في هذا المجال، كان لدينا صفحتان يوميتان للثقافة بدأنا في تحويلها إلى الفن والدراما لاكتساب جمهور أكبر لأن بقاءها في الثقافة البحتة يعني محدودية القراء والجمهور، هذه الشريحة طالما ستظل صغيرة فلن يكون ممكنا أن نؤسس لها مشاريع خاصة لانك لن تجد معلنا ينجذب إليها ولا دخلا كافيا من بيعها، مع الأسف هذا الواقع، ونحن لا نريد أن تنحسر هذه الشريحة في مجرد كتب وإصدارات ولكن يهمنا أن يكون لها مكان في الإعلام، ولكن يوجد صعوبة خصوصا أنهم لا يساعدونا بحيث يغيروا من أدبياتهم ونوعية منتجهم الثقافي لكي نستطيع نشر مادة تحدث شعبية وجماهيرية، وربما يكون هناك تقصير منا أيضا.
أخيرا.. كيف ترى فرصة قيام منظومات مشتركة تجمع الإعلاميين العرب من أجل التنسيق المؤسسي للنهوض بهذا المجال في المرحلة المقبلة؟
يجب أن نبادر ولا نعتمد فقط على جامعة الدول العربية أو الحكومات، نبادر بعمل رابطة صحف أو مطبوعات عربية، نحتاج فعلا إلى مؤسسة أو مظلة تجمعنا مرة أو مرتين سنويا فنتبادل الأفكار والخبرات، ونعرف مواطن النجاح والإخفاق في تجارب كل منا وندرسها، علينا أن نفكر مع بعضنا ما الذي يمكننا فعله لإنجاح هذه الفكرة ولكن مبدئيا علينا أن نلتقي ويكون هناك حوار، أنا أشكر وزارة الثقافة والإعلام لأنها أتاحت لنا فرصة زيارة المؤسسات الصحفية في المملكة، والالتقاء بالزملاء الإعلاميين، من الضروري أن تستمر هذه المبادرات، نحن لسنا بحاجة إلى ندوات أو محاضرات بقدر حاجتنا إلى اللقاء والتحدث فيما بيننا، فمع الحديث تولد الأفكار.