نسعى لبناء علاقات شراكة استراتيجية مع المملكة ورفع وارداتنا من الطاقة إلى 40 %
كشف السفير الهندي في المملكة تلميذ أحمد لـ «الاقتصادية» أن بلاده ساعية لإقامة شراكة اقتصادية متميزة مع المملكة في مختلف المجالات، مشيرا إلى أن زيارة الأمير سلمان الأخيرة إلى الهند كانت استكمالا للزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين عام 2006 التي عدت بنظره زيارة تاريخية ومفصلية جديدة في العلاقات بين البلدين.
وأكد تلميذ أحمد أن الهند تتطلع لرفع حجم تجارتها مع السعودية أسوة ببقية دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى أن العلاقات أفضل مما سبق, وأن هناك تنسيقا سياسيا وأمنيا عاليا بين البلدين، موضحا في الوقت نفسه أن الهند تعد أكبر شريك اقتصادي لدول الخليج، وأن حجم التبادل التجاري وصل إلى 90 مليار دولار، فإلى التفاصيل:
#2#
كيف تقيمون العلاقات السعودية ـ الهندية في ضوء الزيارة الأخيرة للأمير سلمان إلى الهند؟
جاءت زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى الهند بدعوة كريمة من نائب رئيس الهند محمد حامد أنصاري، وهي تأتي في إطار تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، خاصة بعد الزيارة الملكية التي كانت في عام 2006 والتي تعد الزيارة المفصلية في تطوير هذه العلاقات.
وزيارة الأمير سلمان بالطبع شملت عدة جوانب رسمية وأساسية شملت لقاء رئيسة الجمهورية براتيبا باتيل، ولقاءات عدة مع وزراء وشخصيات رسمية هندية كبيرة، ومنها مع رحمان خان نائب رئيس مجلس النواب الهندي، جرى خلالها التفاهم على تعزيز العلاقات الاستراتيجية والتعاون في المجالات التعليمية والاقتصادية.
وجاءت هذه الزيارة عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج وعدد كبير من رجال المال والأعمال الهنود نهاية شباط (فبراير) الماضي للمملكة, التقوا بعدد كبير من رجال المال والأعمال السعوديين، وجرى خلالها أيضا توقيع عديد من اتفاقيات التعاون الفنية والتقنية وخاصة مع معهد العلوم في جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية والهدف من هذه الاتفاقيات زيادة رقعة التعاون الثنائي على صعد اقتصادية واستثمارية مختلفة.
كما نال الأمير سلمان خلال هذه الزيارة شهادة الدكتوراه الفخرية التي قدمت له من الجامعة الملية الإسلامية، وزار أيضا مدينة أجرا وتاج محل ومدينة مومباي التجارية والتقى عددا كبيرا من رجال المال والأعمال الهنود، ونحن نعتبرها زيارة مهمة كونها تترجم هذه العلاقات, ومثل هذه الزيارات تؤسس لعلاقة قوية بين الدولتين.
هناك علاقات وثيقة تربط الهند والخليج وعلاقات تاريخية وثقافية تمتد لعقود, كيف يمكن استثمار هذا التاريخ لتعزيز هذه العلاقات؟
علاقات الهند والمحيط العربي والإسلامي علاقة تاريخية وذات أبعاد ثقافية واقتصادية ودينية، وهي ممتدة منذ خمسة آلاف عام تقريبا، عندما كانت هناك طريق الحرير ولم تكن هناك وسائل اتصال كما هي اليوم، ومع ذلك كانت حاجات المنطقة تأتي وتلبى من الهند، وكانت السعودية بلاد الحرمين الشريفين طريقا للتواصل الحضاري والديني والتجاري، وبذلك هناك أرضية تاريخية لهذه العلاقة، فهي ليست وليدة الساعة، وإنما لها جذور تاريخية، ونحن مرتاحون اليوم لتنامي هذه العلاقات وساعون نحو تطويرها وتعزيز هذه الشراكة لتشمل قضايا استثمارية كبرى سواء كانت في السعودية أو في الهند، لكن احتياجات دول الخليج اختلفت وتنوعت وتوجهت منذ السبعينيات الميلادية نحو الغرب.
لكن التبادل التجاري بين الهند والخليج والسعودية على الخصوص يؤكد أن هناك حصة كبيرة للهند؟
هذا صحيح ففي الوقت السابق كانت التجارة مع الهند أولا لكنها بعد السبعينيات تغيرت، باتت هناك أسواق وسلع غربية، وهناك صناعات محلية، وهناك نفط وإمكانات وقدرات شرائية انعكست جميعها على التوجهات الاقتصادية لدول الخليج، وعليه تراجعت الصادرات الهندية للخليج، كما أن الهند أيضا تطورت في السنوات الأخيرة، وأصبح لديها مصانع عدة في مجالات مختلفة تلبي حاجة السوق الخليجية، وهي صناعات متطورة وذات مواصفات عالية، ولدى الهند اليوم عمالة فنية مدربة ورخيصة مقارنة بالأخرى، ولكن مع موجة التنمية الاقتصادية عقب الحقبة النفطية تطورت هذه العلاقات شيئا فشيئا مع دول الخليج لكنها كانت في مستوى أدنى من المأمول مع المملكة.
إذا هناك علاقات متميزة ومتطورة مع دول الخليج وهي تمثل شراكة استراتيجية مع الهند وهذا يعكس التصور الخليجي لأهمية هذه العلاقات؟
علاقاتنا مع دول الخليج متطورة وأن أعظم تبادل تجاري بين هذه الدول ودول العالم الخارجي مع الهند ويقدر حجم التبادل التجاري بـ 90 مليار دولار وهي شريك استراتيجي معنا وهي تبادلات تمثل أكبر حجم تبادل تجاري بين مجموعتين، وهناك ما يعادل ستة ملايين عامل هندي في الخليج يعملون في الإنشاءات والبنى التحتية، وفي نظم المعلومات والتقنية.
#3#
كما أننا جيران وشركاء في عالم واحد، فاحتياجات الهند من الطاقة توفر من دول الخليج ومن إيران، فواردات الهند من دول الخليج وحدها تمثل 50 في المائة منها 20 في المائة من السعودية وطموحاتنا المستقبلية بمضاعفة هذا الرقم ليصبح 40 في المائة، لكننا نطمح أيضا إلى أن نتوسع في الجانب الاستثماري، وخاصة مع السعودية باعتبارها القوة السياسية والاقتصادية في المنطقة، ولديها جوانب استثمارية كبيرة، وتمتلك ثروات هائلة، وهناك توسع كبير في الخدمات والمنشآت، لكن رغم ذلك هناك 550 مشروعا اقتصاديا هنديا في السعودية، لكنها مشاريع صغيرة وقيمتها في المحصلة لا تزيد على 2.5 مليار دولار، ونحن نتطلع إلى مزيد من الشراكة في القطاع الصناعي والاقتصادي والاستثماري بين الشركات الهندية والسعودية، وأن تترجم الاتفاقيات والتفاهمات إلى واقع عملي، كما تقوم به الشركات الهندية في الإمارات وعمان، حيث هناك شركات هندية في هذين البلدين مثلما هناك شركات إماراتية تعمل في الهند وكذلك الشركات العمانية.
ما أود قوله إن هناك علاقة وثيقة بين الاقتصاد والسياسة، كلاهما يخدم بعضه بعضا، ويزيد من قوة الآخر، ويرتفع بدرجات التنسيق إلى مستويات أعلى ويسهم أيضا في توحيد الرؤى المشتركة حيال قضايا عدة ذات اهتمام مشترك.
رغم أن السعودية نوعت في علاقاتها الدولية واختطت سياسة التوجه شرقا على اليابان والصين والهند بشكل رئيس؟
قبل هذه الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين كانت العلاقات الاقتصادية اعتيادية، وليست بذلك الاهتمام الكبير الذي نتطلع له ونتمناه، لكن هذه الزيارة، كانت متغيرا مهما في العلاقات بين البلدين وعكست توجها سعوديا حقيقيا للاستثمار في المستقبل، ومع القوى الاقتصادية الصاعدة مثل الصين والهند، وإن كانت الزيارة ذات طابع سياسي، إلا أنها أسست لمرحلة جديدة نقطف ثمارها اليوم، في التعاون الكبير في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، في مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف وفي قضايا الدفاع.
وتعلمون كي تتجذر العلاقات السياسية تحتاج لأن تبنى على قواعد أساسية ومادية، واقتصادية، ونحن من طرفنا أبدينا استعدادا كبيرا لتطوير هذه العلاقات في مختلف المجالات، وهناك تنسيق على أعلى المستويات، لكنها قياسا بدول الخليج الأخرى ما زالت علاقة الهند مع المملكة دون مستوى الطموح، المملكة بالطبع سوق كبير وقارة كبيرة وعدد سكانها كبير يصل إلى 24 مليون نسمة، وهناك توسع هائل في البنى التحتية والخدمية والطاقة، وهناك مرافق اقتصادية عملاقة وهناك نفط وغاز وفوسفات وبتروكيماويات، وهذا يحتاج إلى شراكة في البناء والإعمار والإنشاء، وعندما جاء رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج والوفد الاقتصادي المرافق له إلى المملكة حرص على اللقاء برجال المال والأعمال السعوديين، في مجلس الغرف السعودية، والغرفة التجارية والصناعية بهدف كسر الحواجز وتشجيع المشاريع المشتركة بين رجال المال والأعمال السعوديين والهنود.
لكن هذا يتطلب مزيدا من التسهيلات لرجال المال والأعمال الهنود للاستثمار في المملكة، أو الاستثمار المشترك مع مؤسسات وشركات سعودية، ففي السابق كان رجال المال والأعمال الهنود يشكون من وجود بيروقراطية في الحصول على التأشيرات، وخاصة مع رجال المال والأعمال الهنود، إلا أن هذه النظرة تغيرت كثيرا منذ تلك الزيارة وبدأت الأمور تتجه نحو الأفضل وتتطلع نحو المستقبل، حيث من الممكن أن يستثمر المستثمر الهندي دون الحاجة لشريك تجاري محلي، لكن إذا ما سألتني عن رغبتي ورؤيتي لقلت لك إني أفضل الشراكة أولا.
لكن هذا يدفعنا للسؤال عن الأطر المشتركة الاقتصادية والثقافية السعودية والهندية، كيف تنفتح الهند على المستثمر السعودي؟ وكيف ينفتح المستثمر السعودي على الهند؟
نتطلع إلى أن تستكمل الأطر لتصبح متعددة ثقافية وسياسية واقتصادية وأمنية، وتعليم وجامعات وسياحة، فهذه الأطر تعمل على تسهيل الحراك ونشوء قاعدة المصالح المشتركة، ونحن نعمل على تعزيز هذه الأواصر مثل اللقاء العربي ــ الهندي والخليجي، فنحن أمتان متجاورتان، وبيننا علاقات جغرافية وثقافية مشتركة، وهذا من الممكن التأسيس عليه بالارتقاء في العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية، فهناك تعاون متميز بيننا وبين المملكة على الصعيدين السياسي والأمني، وهذا ما يدعونا أيضا إلى ترجمة هذه العلاقات اقتصاديا وثقافيا، فهناك حاجات مشتركة.
لهذا نحن مع تشجيع وجود مستثمرين خليجيين وسعوديين على الخصوص في الهند كما هي الاستثمارات في بلدان آسيوية عدة، وكما هي استثماراتهم في دول غربية.
وعموما العلاقات الثنائية شهدت تغيرا نوعيا في الآونة الأخيرة، فهناك كثير من الآليات المنظمة والمؤسساتية لهذا للتعاون الاقتصادي الثنائي، وهذه الآليات تشمل مجلس الأعمال الهندي – السعودي المشترك، واجتماعات اللجنة الهندية - السعودية المشتركة، وإعلان دلهي، واتفاقية حماية الاستثمارات الثنائية، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، والمجموعة العاملة المشتركة في مجال الهيدروكربونات، والمجموعة العاملة المشتركة حول الأسمدة، والبرنامج التنفيذي في الصحة، وبرنامج حول التعاون الزراعي.
قلت إن الهند أكبر شريك اقتصادي عالمي لدول الخليج، كيف تنظر الهند لعوامل زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحديدا في فلسطين والملف النووي الإيراني؟
بلا شك أن الأمن والاستقرار والسلام عوامل أساسية للازدهار والتنمية، وأن تعزيز الشراكات الاقتصادية يسهم في تقريب وجهات النظر السياسية ويخدمها، ومع ذلك دعني أقول لك إن هناك الآن حكايتين الأولى حكاية النجاح القائم على الطاقة والتجارة والاستثمار والبنى التحتية، وهناك استثمارات سعودية وخليجية وآسيوية مشتركة، وهذه كلها تحتاج إلى الأمن لاستمرارها وتطورها، وهي حكاية تمثل قصة نجاح أي دولة أو أي مجتمع، فالمجتمعات التي تنخفض فيها نسب التطرف والعنف والفوضى مجتمعات ودول مستقرة ومتطورة، والعكس صحيح.
أما الحكاية الثانية، فإنه على الرغم من سعى هذه الدول لتعزيز أمنها واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلا أنها دول تعاني من الإرهاب والعنف والتطرف، ولهذه الحكاية ضريبة تدفعها الدول والمجتمعات، تدفعها ثمنا من تقدمها وتطورها عندما تضطر إلى أن تخصص جزءا من مواردها لمعالجة هذه القضايا، فهي تؤثر بلا شك في مستقبلها التنموي.
ولا شك أن القضية الفلسطينية تشكل أهم المشكلات ولب القضايا في المنطقة، ولها تفاعلاتها الممتدة وذات الصلة بالإقليم، والأمن اليوم حالة معولمة، ليس هناك أمن منفصل عن الآخر، كله على علاقة مترابطة، وعليه ما يحدث في فلسطين ستجد صداه في آسيا، وهناك ثورة إعلامية مهولة, بمستطاع الناس متابعة جميع القضايا والتفاعل معها بسرعة، مرة يكون التفاعل إيجابيا وإنسانيا كما في الكوارث المختلفة، والمناسبات الثقافية والرياضية العالمية، ومرة يكون مأساويا عبر دوائر الإرهاب والعنف.
وعلينا القول إن الوجود الأجنبي في العراق، والعنف في العراق، له امتداداته وتأثيراته الإقليمية، وتواصله وتفاعله مع قضايا إقليمية في فلسطين وأفغانستان، يزيد من حالة عدم الاستقرار، يضاف إلى ذلك ما تشهده باكستان من صراعات قوى داخلية قد تهدد السلطة المركزية فيها، أما الحكاية الثانية، حكاية الأمن تشكل التحدي الأبرز للتنمية والسلام في المنطقة، ونحن في الهند والخليج والسعودية متضررون من هذه الحكاية، نحن متأثرون بما جرى في أفغانستان وندفع ثمنا لذلك، وكذلك السعودية وما جرى أخيرا في اليمن، وكذلك مصر والمغرب وعديد من دول العالم، ونحن متأثرون أيضا من طالبان وبمن يدعمها من خلايا إرهابية، وخاصة ما حدث أخيرا في مومباي.
إذا الجهد الهندي ــ السعودي في محاربة الإرهاب والتطرف ضروري، ضروري لأنه يعني منع هذه القوى من النيل من عوامل الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، لأنها قوى لا تنظر للمستقبل ولا تراه، لكن علينا أن نعترف بأن التنمية والشراكة الاقتصادية والازدهار والتقدم العلمي والمعرفي من الأدوات الضرورية لمحاربة الجهل والتخلف، وأيضا العنف والإرهاب.
كيف تقيس درجات التنسيق السياسي والأمني مع المملكة؟
السعودية دولة رئيسة في المنطقة، وتتسم سياساتها بالحكمة والعقلانية، وهي دولة حيوية، فهي زعيمة العالم الإسلامي والعالم العربي، وزعيمة الطاقة العالمية، وهذا يجعل التنسيق الاقتصادي والسياسي والأمني معها ضروريا وأساسيا، وهذا بالنسبة لنا له سببه وخصوصيته التاريخية والجغرافية، كون السعودية قريبة من الهند، ولكون هناك علاقات ممتدة، وأيضا لكون الإرهاب لا حدود ولا هوية له، والأمن اليوم عبارة عن شراكة بين السياسة والاقتصاد والمجتمعات الراغبة في الاستقرار، ولهذا هناك تنسيق سياسي عال بين البلدين في موضوعات مختلفة، والهند دعمت المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها المملكة، كما أن الهند تشجب السياسات الإسرائيلية ومواقف إسرائيل العدوانية، ونحن مؤيدون لاستعادة العراق أمنه واستقراره وسيادته.
ماذا عن موقف الهند من الملف النووي الإيراني؟
موقفنا واضح جدا لا لأسلحة الدمار الشامل في المنطقة، ونحن مع المطالبين بإزالتها، وجعل المنطقة تعيش مرحلة من الاستقرار والتنمية، والملف النووي الإيراني بيد الوكالة الدولية للطاقة، وهي التي تتابع موضوع الملف النووي الإيراني.
أما نحن فنرى أنه لا مانع من الاستخدام السلمي للطاقة، فهذا الاستخدام يجب ألا يكون محصورا بأحد، لكن على أن يكون تحت إشراف ورقابة دولية، والهند مع حل أزمة الملف النووي الإيراني بالحوار وبالطرق الدبلوماسية، والابتعاد عن الحلول العسكرية، خاصة أن هناك مجالا لهذه الحلول، والابتعاد عن التعامل معه حسب النموذج العراقي، ودفع المنطقة إلى مزيد من العنف والتطرف والإرهاب.