سفيرة التمويل الإسلامي للشرق الأدنى
تتسابق عواصم وبلدان في القارات المختلفة نحو أدوار ريادية في تمثيل صناعة المال الإسلامية، ففي أوروبا يحتدم السباق على تمثيل التمويل الإسلامي عبر بوابة بريطانية أو بوابة فرنسية، وفي الشرق الأوسط سباق على التمثيل ولكن بتخصصية أكبر، فالبحرين تحتضن الهيئات الدولية الممثلة للتنظيمات المالية الإسلامية، وبالنظر إلى المعطيات الحالية فإن السعودية ستتخصص في المرحلة القادمة بالصكوك وإصداراتها ، أما شرق آسيا فإن ماليزيا تتصدر التمويل الإسلامي، بل هي بوابة هذه صناعة نحو الشرق والغرب بعديد من الميزات، وأهمها أنها تتقن تمثيل التمويل الإسلامي بلغة العصر.
عندما يتحدث البنك المركزي الماليزي يستمع الآخرون لأفكار منفتحة لا تسلم من القدح الفقهي في أغلبية الأحوال ولكن لا شك أن الصدارة لأدوات التمويل الإسلامي في ماليزيا بين المسلمين وغير المسلمين تجعل للتمويل الإسلامي نكهة الممارسة الناجحة التي تستقطب الزبائن من كافة الملل سواء في قطاعات التأمين (التكافل) أو البنوك الإسلامية أو الصكوك.
ومع انفتاحها على الشرق الأوسط ممثلا تحديدا بدول الخليج العربي التي تعتبر مطمحا لتوجيه الدعاية الاستثمارية نحو مؤسساتها المالية، وانفتاحها أيضا على دول الجوار ونقل الخبرات وتبني الأفكار، تَبرز ماليزيا بسياساتها المالية المختلطة لتُجيّر أفضل ما في النظام المالي التقليدي من أنظمة إدارية وتشريعات لمصلحة النظام المالي الإسلامي سعيا للارتقاء به وبشرط التميز.
خلال الشهر الماضي تم الإعلان عن توقيع البنك المركزي الماليزي والخزانة الأسترالية على مذكرة تفاهم لتسهيل المعاملات المالية بين البلدين والتشريعات المرتبطة بذلك، بما في ذلك أيضا المنتجات المالية الإسلامية والصناعة المالية ككل، وذلك تبعا لاتفاقية سابقة تم التوقيع عليها بين وزراء التجارة من كلا البلدين في عام 2009. إن المجالات الرئيسية التي شملتها مذكرة التفاهم الحالية تهدف إلى: تعزيز التعاون المشترك في سبيل بناء القدرات وتنمية رأس المال البشري في صناعة الخدمات المالية، إضافة إلى العمل على تبادل المعلومات والخبرات في مجال الأطر القانونية والتنظيمية والرقابية، وتسهيل وتشجيع تطوير البنية التحتية سعيا لسوق مالية تؤدي دورها بفاعلية، إضافة إلى تعزيز الأنشطة المالية عبر الحدود بما في ذلك البحث في المسائل الشرعية المتعلقة بالمنتجات والخدمات المالية الإسلامية لتعزيز التطبيق المتناسق للمعاملات عبر الحدود بين البلدين والمنطقة.
هذه المذكرة التي تسعى لتعزيز وتطوير الأعمال الاستراتيجية فيما يتعلق بالتمويل عموما والتمويل الإسلامي على وجه الخصوص تشير إلى التفات أستراليا لأهمية الدور الماليزي في المنطقة والسعي لتطوير الخدمات المالية الإسلامية فيها لتوفير منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية لأكثر من 300.000 مسلم فيها وفي حين تبدو مصطلحات التمويل الإسلامي كالمرابحة والمضاربة أمرا متعارفا عليه في ماليزيا وإندونيسيا فإنها في الوقت ذاته تعتبر مصطلحات مبهمة وينقصها كثير من التفسير للجارة الأسترالية. وقد صرح وزير التجارة الأسترالي في وقت سابق من هذا العام بوجوب أن تبذل المؤسسات المالية الأسترالية جهدها لاجتذاب المسلمين من خلال تطوير منتجات مبتكرة تتوافق مع الشريعة الإسلامية، ومن أجل دراسة ذلك عن قُرب دشّن دراسة تهدف إلى تحديد الفرص المتاحة لقطاع الخدمات المالية للاستفادة من الاستثمارات الإسلامية الواعدة، كل ذلك ترافق أخيرا مع لجنة وزارية لدراسة الضرائب والتشريعات، ما يدعم تسهيل استقطاب الاستثمارات والأدوات المالية الإسلامية .
إن ماليزيا تقوم بتأدية دورها الترويجي للخدمات المالية الإسلامية والصناعة ككل، ليس من ناحية الترويج للمنتجات المالية الإسلامية فحسب، بل للتحدث بالصورة الرسمية عن التمويل الإسلامي بلغة العالم المعاصر اليوم من خلال تكامل الهيئات والمؤسسات التي تخدم هذا القطاع، وتبنيها نظاما ماليا مختلطا يتناسب مع الأنظمة المالية المتعارف عليها في العالم ككل مع التركيز على البنية التحتية للنظام المالي الإسلامي، ولم يكن تميزها في هذا الاتجاه مقتصرا على حسابات كمية لعدد المصارف أو شركات التكافل كما هي الزاوية التي ينظر إليها بعض المحللين في تقييم الصناعة المالية الإسلامية، بل تميزت أيضا بعدد المراكز البحثية ومنتجاتها النوعية، ولعل افتقار المحيط الشرق آسيوي في مناطق من مثل اليابان، أستراليا، وسنغافورة إلى البنية الأساسية الميسرة لهذه الصناعة من تشريعات ووعي متكامل بها لفت نظر القائمين على هذه الصناعة في ماليزيا للدور المحوري الذي من الممكن أن تضطلع به بذكاء واستغلال للإمكانات وتوجيهها، إضافة إلى نظرة مستقبلية تهدف لتوفير أساسيات الوعي بهذه الصناعة وصولا إلى المنتجات المركبة والأكثر تعقيدا.
أعلن البنك المركزي الماليزي أخيرا عن جائزة عالمية بقيادة المركز المالي الإسلامي الدولي MIFC لأفضل مساهم متميز واستثنائي في تشكيل صناعة التمويل الإسلامي، ويترأس رئيس هيئة الأوراق المالية الماليزية فريق العمل الخاص بهذه الجائزة، التي يتم التحكيم بين المرشحين لها من قبل نخبة من الشخصيات البارزة، وعلماء الشريعة، والأكاديميين، والممارسين في قطاع التمويل الإسلامي من آسيا وأوروبا والشرق الأوسط والولايات المتحدة، وتروج ماليزيا لهذه الجائزة العالمية على أمل اعتبارها معيارا عالميا لتحديد الأفراد الاستثنائيين في مجال صناعة المال الإسلامية.
إن سعي ماليزيا للعب دور متميز في صناعة المال الإسلامية مدعوما بالدور السياسي للدولة والذراع الحكومية لتنفيذه ممثلا بالبنك المركزي الذي يتبنى الأدوات المالية الإسلامية كجزء من السياسات النقدية قصيرة وطويلة الأجل، إضافة إلى وعي ماليزيا بأهمية البنية التحتية لصناعة المال الإسلامية المتمثلة في المراكز البحثية والتخصصات الدقيقة في الجامعات. كل ذلك أثّر في الصورة النهائية لمنتجات الصناعة المالية الإسلامية بالختم الماليزي، لذلك ليس من المستغرب أن تتبنى ماليزيا أفكارا وممارسات في بنوك مركزية من مثل السودان أو غيره في المنطقة العربية لتخرجه منتجا عالميا وبلغة العالم مع بعض التعديلات التي تحتفظ بها للنكهة الشرق آسيوية.