دعوة الحكومات الخليجية إلى تشجيع الشركات العائلية على تبني قواعد الحوكمة
يدعو الخبراء في الوقت الحاضر إلى إدخال مبادئ الحوكمة ومعاييرها لإطالة عمر الشركات العائلية المهددة بالفناء، حيث تشير الإحصائيات التي أجراها معهد حوكمة الشركات "حوكمة" التابع لمركز دبي المالي العالمي ومعهد التمويل الدولي أن عمر الشركات العائلية الخليجية لا يتجاوز 23 عاما.
وتختلف حوكمة الشركات العائلية بصورة جوهرية عن حوكمة الشركات العامة التي يملكها عدد كبير من المساهمين. فامتلاك عائلة ما لشركة يركز السلطة في يدها فيسهل اتخاذ القرارات، الأمر الذي يُخفّض التكاليف الإدارية، كما يسمح باتخاذ قرارات غير تقليدية ولكنها مؤاتية استراتيجيا.
ويساعد نظام الشركة الناجح على بناء الثقة داخل العائلة، في حين تصبح الحيوية العائلية بدورها مصدر قوة للمؤسسة، لأنها تسمح لكل قسم منفصل من أقسام الحوكمة بالعمل بصورة أفضل، وإضافة قيمة أكبر مع البقاء متناغما مع المُكّونات الأخرى لنظام الحوكمة. ويمكن لفوائد الحوكمة هذه أن تعود بفوائد اقتصادية واضحة.
وبينما تقوم الحوكمة في الشركات المساهمة العامة على أساس نموذج يرتبط مباشرة بطبيعة الملكية الممتلكة على نطاق واسع. فأصحاب الأسهم في شركة عامة يستطيعون أن يقترعوا عن طريق بيع أسهمهم (والابتعاد عن الشركة) عندما يكون الأداء دون التوقعات. ويكاد لا يوجد سبيل يمكن أصحاب الأسهم الأفراد في مثل هذه الشركات من التأثير في قرارات مجالس الإدارة أو المديرين. وهم يقومون، بدلا من ذلك، بالانضمام إلى أفراد آخرين في السوق فيخلقون ضغطا من أجل أداء أفضل عن طريق قراراتهم الجماعية القصيرة الأمد بشراء أو بيع الأسهم. وتعكس حوكمة الشركات العامة الملكية هذا النموذج من حملة أسهم غير نشطين، ولكن متنقلين (من شركة إلى أخرى) يخلقون الضغوط من أجل تحقيق أداء أفضل.
وللشركات العامة التي يملكها عدد كبير من المساهمين مجالس إدارة مستقلة تعمل في الأساس كهيئات مؤتمنة، أو وكيلة، لمصالح حملة الأسهم المتنقلين من شركة إلى أخرى. وتعمل هذه المجالس وفق نموذج رفع قيمة الأسهم إلى أقصى حد ممكن على المدى القريب لأجل المحافظة على دائرة حملة الأسهم وتوسيعها. ويشكل طلب السوق على أسهم الشركة المقياس الرئيس لنجاحها، وتتقلب هذه السوق يوميا بناء على العلاقات المرنة بين العديد من العوامل الاقتصادية، داخل الشركة وخارجها. ولهذه الأسباب، يكون مجلس الإدارة هو مركز السلطة في حوكمة الشركات التي يملكها عدد كبير من المساهمين. ويُكلف مجلس الإدارة بمهمة الإشراف على الإدارة، وعليه أن يتأكد من أن الإدارة تخلق القيمة التي سيتم الاعتراف بها في السوق.
وفي الشركات العامة الممتلكة على نطاق واسع يُنظر إلى الإدارة أحيانا كثيرة، على أنها تهتم بمصلحتها الذاتية. ويُنظر إلى الحوكمة النشطة على أنها ضرورية لكبح مخالفات الإدارة المحتملة، ولضمان التناغم الفعال بين مصالح الإدارة ومصالح حملة الأسهم. وتصرف مجالس إدارة الشركات العامة وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً في تصميم الأنظمة لكبح ورصد نشاطات مديري الشركة والأجور الممنوحة لهم، معززين بذلك احتمال قيام علاقة خصامية بين الطرفين. وعلاوة على ذلك، باتت مجالس الإدارة وممارساتها اليوم تحت رقابة دقيقة متزايدة.
ومع ازدياد قوة واستقلالية مجالس إدارة الشركات العامة، يزداد التوقع بأن عليها أن تقدم أكثر من مُجرد المراقبة، كما يزداد التوقع بأن عليها أن توجه الإدارة بنشاط بالنيابة عن مصالح المالكين. غير أن مجالس الإدارة التي تصب اهتمامها على أداء الشركات وقيمة الأسهم قد تتحول إلى هيئة تكره خوض مجازفات قد يكون لها تأثير كبير في المدى القصير. وقد تصبح هذه المجالس أسيرة اتباع قواعد السوق التقليدية المألوفة وتمتنع عن اعتماد استراتيجيات غير تقليدية ربما فازت بقيمة أكبر على المدى الطويل في جزئها الفريد في السوق. وغالبا ما تكون الإدارة في موقع أفضل لملاحظة كيفية خلق الاستراتيجيات الجديدة الديناميكية القيمة لزبائنها وتحسينها أداء الشركات. لكن من المؤسف أن نموذج حوكمة الشركات العامة لا يُتيح دائما السعي إلى استراتيجيات مبتكرة جديدة في الشركات.
أما في الشركات العائلية، فإن أنظمة الحوكمة تتناسب بشكل أكثر مع اتباع الاستراتيجيات غير التقليدية. فالشركات العائلية هذه قادرة أكثر على تجاوز نموذج الخصمين (بين الإدارة وأصحاب الأسهم) للإدارة التقليدية لشركات الأعمال. وبإمكان أصحاب الملكية فيها التأثير والاهتمام في مستويات متعددة، مما يجعل العائلة وسيلة اتخاذ قرارات أكثر فعالية في الإدارة وفي مجلس الإدارة وبين المالكين. وبدلا من العمل كنظام مُكلف من الرقابة والتوازنات، تعمل حوكمة الشركات العائلية أحياناً كثيرة كوسيلة لتسهيل الشفافية والشراكة عبر النظام. ويمكن لهذا، بدوره أن يسهّل اتباع استراتيجيات يحتمل أن تكون أكثر إنتاجية على المدى البعيد على الرغم من التكاليف أو المخاطر على المدى القصير.
وتُركّز الحوكمة التقليدية للأعمال التجارية أحيانا كثيرة على إقامة الحدود وعلى تحديد الفصل بين سلطات صنع القرار. وعلى العكس من ذلك، تُركّز حوكمة الشركات العائلية، أحياناً كثيرة، على إقامة انخراط إنتاجي وإجرائي عبر النظام. وتسمح الممارسات التي تؤمن استشارات بين المالكين وأعضاء مجلس الإدارة والمديرين في وقت واحد بتدفق أكثر حرية للأفكار وباتخاذ القرارات بصورة أسرع. وتسهم أيضا في تحقيق تناغم متواصل بين المصالح والأهداف عبر فترة طويلة. وتشكل مشاركة المالكين النشطة مفتاح الحوكمة الفعالة للشركات العائلية. فالملكية العائلية تحدّد قيم ورؤية وأهداف الشركة. كما تبين الأهداف المالية وتوقعات الأداء التي ترشد قرارات مجلس الإدارة والإدارة. ويقدم المالكون أيضا رؤية شاملة تُحدّد بشكل عام استراتيجية الشركة. وهذا يوضح ويُركّز الأهداف عبر النظام ويساعد على وضع الضوابط الاستراتيجية المناسبة على قرارات مجلس الإدارة والإدارة.
وفي حين أن الاشتراك المباشر للعائلة على مستويات مُتعددة يعقد النظام، إلا أنه يؤمن أيضا حلقة وصل مهمة تربط بين مختلف مجالات الحوكمة. ويمكن لحلقة الوصل هذه المتأصلة في الشركات العائلية، إضافة إلى التطور الإيجابي للروابط والعلاقات العائلية، أن تحدث تغييرا أساسيا في ديناميكية الثقة التي تعمّ نظام الحوكمة. ويساعد النظام الذي يؤدي مهمته بنجاح على بناء الثقة بين أفراد العائلة، وتصبح العلاقات الجيدة بينهم، بدورها، مصدر قوة بالنسبة للشركة لأنها تتيح لكل قسم منفصل من الإدارة العمل بصورة أفضل وإضافة مزيد من القيمة للشركة، مع البقاء متناغما مع المُكّونات الأخرى لنظام الحوكمة.
ويرى خبراء أن تحقيق التوازن بين مصالح العائلة ومصالح الشركة يتطلب وضع استراتيجيات تساعد على تحليل قضايا العائلة والشركة، ومن ثم معالجتها بشكل مباشر لضمان درجة من التوازن الصحيح بين النظامين، نظام العائلة ونظام الشركة. إن أحد المكونات الرئيسة لهذه الاستراتيجية هو استخدام مبدأ "الحماية الوقائية"، أي اتخاذ إجراءات مسبقة لتجنب نشوب المشكلات التي يمكن أن تلحق الأذى بالشركة العائلية قبل أن تنشأ أو تتفاقم.
وتضمن هذه الإجراءات، التي باتت تلقى شيوعا كبيرا في الوقت الحاضر، تبني مبدأ وآليات الحوكمة العائلية. إن الحوكمة العائلية، من جملة ما تعنيه، إدخال مساهمين من غير أعضاء العائلة يمتلكون الخبرة الكافية في مجلس الإدارة واللجان التابعة له، مما يساعد على فصل مصالح العائلة عن مصالح الشركة، وبالتالي، المساهمة في الحد من تأثير الجوانب العائلية البحتة في أعمال الشركة. كما تتضمن آليات الحوكمة إدخال عناصر أكفاء من غير أعضاء العائلة في المناصب العليا في الشركة، كذلك وضع لوائح مكتوبة لقياس الأداء والصلاحيات والمسؤوليات، والشفافية في إدارة اتخاذ القرارات المهمة في الشركة. وبالنظر إلى هذه التأثيرات كافة، يطالب هؤلاء الحكومات الخليجية بتشجيع الشركات العائلية على تبني قواعد الحوكمة من خلال توفير أجهزة حكومية أكثر كفاءة ومساعدين لتقديم الخدمات الاستشارية الخاصة بالحوكمة لهذه الشركات، علاوة على وضع اللوائح الواضحة والمبسطة لذلك.