الأربعاء, 14 مايو 2025 | 16 ذو القَعْدةِ 1446


هل تكون رؤيتنا المستقبلية دولة الطاقة؟

أخيرا بدأ النفط والطاقة يظهران على السطح, وهي خطوة مهمة للاعتراف بالجميل لهذه الثروة التي عشنا من خيرها سنوات وسنعيش ــ إن شاء الله. ومع انتهاء فعاليات الندوة الدولية للطاقة في الأسبوع الماضي، وعزم المملكة على إنشاء مركز وطني لترشيد الطاقة خلال احتفال ''أوبك'' بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيسها, وقبلها منتدى الطاقة ومنتدى تنافسية الاستثمار, أعود إلى تساؤلي القديم قبل سنوات عن مدى جاهزيتنا لنكون مركزا للمؤتمرات التخصصية, خاصة الطاقة والنفط، ومدى ربطنا لها برؤيتنا المستقبلية لنكون دولة الطاقة؟ موضوع يذكرني بما سبق أن أشرت إليه وهو موضوع الرؤية المستقبلية للوطن، وإمكانية أن تكون رؤيتنا المستقبلية دولة تقنية الطاقة. فنحن حبانا الله ليس فقط بطاقة النفط, بل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وما تحتويه التمور من طاقات عضوية والخير قادم وكثير. موضوع الرؤية المستقبلية موضوع مصيري, لكن الجميع يستسهله، ويعتقدون أن رؤيتنا المستقبلية أن نكون ما وضعته وزارة الاقتصاد والتخطيط من جملة عابرة وعامة شكلية أو ديباجة يكررها الجميع، حيث وضعتها الوزارة ''سيكون الاقتصاد السعودي بحلول عام 2025 متنوعاً ومزدهراً يقوده القطاع الخاص، ويوفر فرص عمل مجزية وتعليما عالي الجودة، وعناية صحية فائقة, إضافة إلى المهارات اللازمة لرفاهية جميع المواطنين، وحماية القيم الإسلامية، وتراث المملكة الثقافي'', فما الجديد؟ اقتصادنا اليوم متنوع ومزدهر ويقوده القطاع الخاص..!
من المستحيل أن تكون هذه فقط رؤيتنا المستقبلية, ولا أدري لماذا أتعبت الوزارة نفسها بالدراسات، فهي جملة عامة ومعروفة وتقولها كل دولة. وأعتقد أن الرؤية المستقبلية يجب أن تكون أكثر تخصصا، ومبنية على ما لدينا من ثروات وموارد مالية ومدخرات لتتناسب مع قدراتنا البشرية وتأهيلها. لقد نجحت أيرلندا في أن تكون متقدمة ومتميزة في مجال الاتصالات ويشهد لها العالم بذلك, والهند القريبة منا أصبحت متميزة في مجال تقنية المعلومات والحاسوب، وأصبحوا لا يتنازلون للقدوم للعمل لدينا بعد أن أصبحت تتسابق عليهم أوروبا وأمريكا. ودبي جارتنا أصبحت متميزة بالسياحة وخدمات التجارة لتسيطر شركة موانئ دبي على أكبر موانئ العالم.
وضع الرؤية المستقبلية يجب أن يكون أدق, فنحن لدينا فرص كثيرة كأن نكون مركزا حضاريا للإسلام. وهي فرصة سانحة وآمل ألا نضيعها بعد أن هدانا الله، وأن نكون مع ذلك دولة النفط (الطاقة) وتقنياته فقد حبانا الله بنعمة النفط وصناعة البتروكيماويات، ومع ذلك لم نجهز أنفسنا لتعليم أبنائنا تلك الصنعة، ولدينا الجامعة اليتيمة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن التي لو لم تكن الشركات الأمريكية سببا لها لما حلمنا بها.
أنا كمواطن لا أعرف عدد خبراء النفط والطاقة لدينا, أو ما هي مراكز أبحاث الطاقة التي بنيناها خلال الـ50 سنة الماضية، وأخرجت خبرات سعودية! حتى صحفنا لا يوجد فيها إلا خبير أو صحافي واحد فقط يكتب عن النفط. هل معقول أننا ليس لدينا مخزون من الخبراء يوازي حجم مخزوننا من النفط؟ إننا نجهل الكثير عن ثروتنا.
جامعة الملك عبد الله أول توجه وحجر أساس رأيته منذ بدأت أكتب مقالاتي ودعواتي لنكون دولة الطاقة، لكن آمل أن تستمر المسيرة لنرى غيرها في كل مدينة للتشجيع على تحويلنا إلى خبراء الطاقة. إذا أردنا أن تكون لدينا نظرة مستقبلية، فإننا يجب أن نفصل مستقبلنا على هذا الأساس، وأن نبدأ في السعودة والتأهيل للسعودة في المهن والمجالات التي تخدم هذه النظرة المستقبلية. فإذا أردنا أن نتميز في خدمات التنقيب عن النفط أو صناعاته أو تقنياته أو... فإن التعليم والتدريب يجب أن يكونا مكثفين في هذا المجال مع المحافظة على كفايتنا المعقولة من التخصصات والمهن الأخرى. فإذا أردنا أن نكون دولة تقنية الطاقة أو النفط، فإننا يجب أن نكون مركزا لها ولأكبر مؤتمر عالمي للطاقة نعرف به، وأن تتبع ذلك معارض ومؤتمرات متعددة يخصص كل منها لنوع معين من الطاقة وتقنياتها، سواء البترولية أو النووية، وأن تقام شهريا وبتناوب علمي ومحلي، وأن تتنوع مواضيعها ومحاورها. جميل أن نتميز ونختص بأن نكون أهل الطاقة، وأن يشار إلينا عالميا بذلك. وهذا وحده بالطبع لا يكفي، حيث لا بد لنا من التخطيط المسبق، ومن الآن لتنمية وتوعية المجتمع السعودي للسير في خطى واضحة ومنحى مدروس، لنصبح خبراء الطاقة وتقنيتها، ويشار إلينا بالبنان في هذا المجال، وأن تصبح جامعاتنا ومؤسساتنا وشركاتنا مقصدا للأجانب ليتعلموا منا!
فهل يعقل أن نكون أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم ولا يشار إلينا أو ندعى كخبراء لمشكلات البترول عالميا؟ إن الطفرة الأخيرة للنفط تحتم علينا أن نتحسب لبناء الصناعة والمعرفية التقنية كمهنة نعرف بها حتى ولو نضب النفط, فالنفط يذهب والمال يذهب لكن المهنة تبقى.
نحن أهم الدول المصدّرة للنفط في العالم، ومع ذلك فإننا لا نملك معرفة بالنفط ومشتقاته من البنزين المرصص أو الخالي منه وأنواعه من الخفيف إلى الثقيل.. فهل هذا من المعقول؟ دولة النفط التي من المفروض أن يشار إلى شعبها بالخبرة والسبق في البحث والتنقيب عن البترول وتكريره, التي يجب أن يكون لديها من القدرات والمهارات والتأهيل لمواطنيها في هذا المجال ما يسد حاجة العالم.
وهل معقول أننا لا نملك إلا شركة واحدة للبترول، التي يجب أن تخصص وتطرح غيرها شركات أخرى في هندسة الطاقة والنفط وتكريره وتصنيعه وتحويله إلى المنتجات الطرفية، مثل زيوت المحركات وأنواع الوقود المختلفة وتسويقه ونقله وتكوين شركات تُدار بكوادر سعودية للبحث عن البترول والتنقيب وغيره.
وأن يكون لدينا أكثر من مركز ومعهد وجامعة بترول ومعادن وموزعة على أنحاء المملكة، وأن تصبح جامعاتنا مركزا يبتعث العالم طلابه إلينا للدراسة والتدريب والحصول على الشهادات العليا، وهو أقل من المطلوب منا لخدمة مصدر رزقنا وثروتنا الأساسية.
هل غاب عنا آخر التجارب العالمية للدول التي حولنا وما تصيغه من الأسماء للرؤية المستقبلية, بدأت سنغافورة باسم ''الفريدة'' Uniqely Singapore لجذب الاستثمارات الأجنبية، مثل شركات تكنولوجيا الحاسوب وشبه الموصلات. ثم برزت المنافسة من ماليزيا باسم ''آسيا الحقيقة Truly Asia. بينما رأت تايلاند أنها مختلفة، وأن مقوماتها للتنافس الصناعي صعبة لكن لديها السياحة، فحاولت أن تكمل الحلقة لتسمي نفسها ''السعادة على الأرض''Happyiness on Earth، حيث أصبح سكان سنغافورة وماليزيا يهربون إليها في الأعياد والإجازات كما نهرب نحن إلى دبي التي تحلم أن تكون سنغافورة الشرق الأوسط!
وما يستفاد من تلك التجارب هو أن صياغة الرؤية المستقبلية لدينا غير واضحة أو مرتبطة بالتنمية الإقليمية والاستراتيجية والتنمية المتزنة والمستدامة. وأن نجاحها لن يتم إلا بتوعية المواطن وبعض المسؤولين حضارياً لوضع رؤية مستقبلية مبنية على أسس وخطط وبدائل استراتيجية للنمو المستقبلي لكل حقبة زمنية قادمة، يكون لكل منها اسم نصبو إليه يعكس الأهداف المرجوة لتلك الحقبة، وأنه من الأفضل أن نقترح ما نحلم أن تكون رؤيتنا المستقبلية ثم نحاول أن نصل إليها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي