الأهمية التنموية للقطاع الثالث
تنقسم القطاعات الفاعلة في الاقتصاد التي تسعى مجتمعة لتحقيق التنمية الشاملة في الاقتصاد إلى ثلاثة قطاعات تتفاعل مع بعضها بعضا لتحقيق أهداف المجتمع في الوصول للتنمية المستدامة. وهذه القطاعات هي القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الثالث هو القطاع الخيري أو غير الربحي NGO (القطاع الثالث) بكل أشكاله. والقطاع الثالث، الذي هو محور نقاشنا، يعتبر من أهم أعمدة الاقتصاديات المعاصرة، حيث يعتمد المجتمع على هذا القطاع لتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي المنشود والعدالة في توزيع الثروة. فالهدف الأساسي لهذا القطاع هو تعظيم خدمة المجتمع وتحقيق الأهداف التنموية في المجالات التي تعجز آليات السوق عن القيام بها؛ لأنها لا تحقق تعظيم الأرباح التي هي هدف آليات السوق، بينما القطاع الخاص يهدف إلى تعظيم الأرباح من خلال آليات السوق، ويأتي دور الحكومة في وضع الأنظمة والتشريعات التي تسهم في تحقيق الأهداف التنموية من خلال القطاع الربحي والخيري لتعظيم رفاه المجتمع وسد عجز القطاعات السابقة لما يحقق الأهداف التنموية. فالقطاعات الثلاثة تعتبر ضرورية لتحقيق الأهداف التنموية ويكمل بعضها بعضا، وغياب أي قطاع من هذه القطاعات أو عدم القيام بدوره الحقيقي يشكل خللا تنمويا يجب أن تسعى مؤسسات المجتمع المدنية والحكومية لسده. فكل قطاع من القطاعات السابق ذكرها تسعى لتحقيق أهدافها وتحقق أهدافها مجتمعة أهداف المجتمع. وبسبب اختلاف الأهداف التي يسعى كل قطاع لتحقيقها والتي في مجملها تحقق للمجتمع أهدافه التنموية من خلال تفاعلها مع بعضها البعض وقدرة القطاع الحكومي على وضع الأنظمة والقوانين والمحفزات التي تدفع بكل قطاع للسعي لتحقيق أهدافه، التي من خلالها تتحقق للمجتمع أهدافه التنموية. والقطاع الثالث يعتبر مكملا للقطاع الخاص في تحقيق الأهداف التنموية، التي تتجاهلها آليات السوق، وبالتالي يحتاج المجتمع إلى وجود جهة تعمل لتحقيق هذه الأهداف.
فالقطاع الثالث يهدف إلى خدمة المجتمع، وبالتالي يسعى لما يحقق أعلى منفعة للمجتمع (منفعة اقتصادية واجتماعية) فينفق الأموال ويقدم الخدمات لتحقيق هذه المنفعة وليست المنفعة الخاصة للمستثمرين أو المتبرعين في هذا القطاع. كما أنه لا يسعى لتعظيم أرباحه كما هو الحال في القطاع الخاص؛ لذا فإن هذا القطاع يستثمر في مشاريع تنموية لا تحقق عوائد مادية أو ذات عائد مادي منخفض في الأجل القصير، لكنها تحقق عوائد عالية على المجتمع، فالهدف الأساسي لهذا القطاع هو تعظيم منفعة المجتمع. بل إن الجدوى الاقتصادية من إنشاء المؤسسات العاملة في هذا القطاع تتأكد بتعظيم المنفعة الاجتماعية والاقتصادية لما تم إنشاؤه من أجله. ولذا فإن وجود هذا القطاع وتنميته وتهيئة البيئة القانونية والتنظيمية التي تشجع نموه يعتبر مطلبا اجتماعيا يجب أن تتضافر جميع جهود المجتمع لتحقيقه. فأهداف القطاعات الأخرى الحكومية والخاصة لا يمكن أن تتحقق من دون تواجد القطاع الثالث. فتواجد القطاع الثالث يساعد القطاع الحكومي على تحقيق أهدافه التنموية في إعادة توزيع الدخل والاستثمار في القطاعات التنموية ذات العائد الاجتماعي، التي هي في المقام الأول مسؤولية الحكومة، التي قد تعجز عن القيام بها لنقص الإمكانات أو تعدد الأولويات التنموية، فإن لم يكن هناك قطاع ثالث فإن الحكومة معنية بالاستثمار فيها والتي قد تكون كفاءتها الاقتصادية أقل من القطاع الثالث، الذي يعمل بآليات السوق وتتعدد مؤسساته، حيث لا تكون محتكرة من قبل جهة أو اثنتين مما قد يؤول إلى انخفاض الكفاءة الاقتصادية لعملها. كما أن وجود هذا القطاع يسهم في جمع التبرعات اللازمة للقيام بأعماله من خلال القطاعين الخاص والحكومي، وهذا يسهم في دعم العملية التنموية وتحقيق أهدافها بالأموال العامة والخاصة من خلال قناة القطاع الثالث. وبالنسبة إلى القطاع الخاص، فإن وجود قطاع ثالث يسهم في الاستثمارات ذات العوائد الاجتماعية العالية، التي قد لا تحقق عوائد مادية، بل تعتبر تكاليف من الممكن أن يتحملها القطاع الخاص، فعلى سبيل المثال، أن قيام مؤسسات القطاع الثالث في تدريب العمالة السعودية لتهيئتهم لسوق العمل أو عمل الدراسات والأبحاث التي تسهم في جمع البيانات وترشيد القرار الحكومي أو الخاص وتركيزه على قطاع لا يشكل سوقا للقطاع الخاص، يمثل تكاليف يتحملها القطاع الثالث ويستفيد منها المواطن والقطاع الخاص والقطاع الحكومي على حد سواء. كما أن قيام القطاع الثالث بدوره التنموي سيعمل على تحسين مستوى الدخل وتحقيق تنمية متوازنة تنعكس إيجابا على النمو الاقتصادي مما يزيد الطلب وينشط الحركة الاقتصادية التي يستفيد منها القطاع الخاص ويعمل على توازن طبقات المجتمع وتقليل الفروق الطبقية بينها.
لذا فمن خلال قيام الحكومة بوضع البيئة التشريعية والتنظيمية التي تنظم عمل القطاع الثالث وتشجع نموه ستتحقق للمجتمع أهدافه التنموية وترفع الكفاءة الاقتصادية للاقتصاد المحلي من خلال تفاعل القطاعات الثلاثة مع بعضها بعضا، وقيام كل من هذه القطاعات بتحقيق الأهداف التي من أجلها تم إنشاؤه. بينما يشكل عدم وجود أي من هذه القطاعات خللا هيكليا يجب العمل على تفاديه.