التمسك بالشريعة والاجتماع عليها أصل كل خير وبه يحفظ الله بلادنا
أكد الشيخ الدكتور يوسف بن محمد الغفيص عضو هيئة كبار العلماء سابقا أن تشريعات الإسلام جاءت لتحافظ على الضرورات الخمس التي كفلت الشرائع السماوية حفظها ولا يجوز المساس بكيانها وهي الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وأن مسؤولية حفظها مشروعة على كل مسلم لكن المسؤولية العظمى في حفظها هي من مسؤولية ولي الأمر بما وجب له من السمع والطاعة والبيعة الشرعية، وهذا حق له لا تجوز منازعته.
وأضاف أن الشريعة أحكام مسماة من الله ورسوله لا يجوز لأحد أن يجتهد فيها وثمة أحكام لم تعين وهي داخلة في أدلة الكتاب والسنة وهذا محل الاجتهاد الذي يعرفه الراسخون في العلم، فالشريعة جعلها الله كاملة، قال سبحانه: ''اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا''.
فهي قائمة على حفظ المصلحة ودرء المفسدة وهذا تطبيقاته حاصلة في القضايا العامة والخاصة.
وقال الدكتور الغفيص: إن المملكة قامت على الكتاب والسنة ولا تزال بحمد الله، فأنعم الله سبحانه عليها بالوحدة المباركة، وجعل الملك عبد العزيز ــ رحمه الله ــ سببا مباركا بإقامة هذا الكيان المبارك المملكة العربية السعودية، وبفضل الله ذهب الخوف ليكون محله الأمن، والجهل ليكون العلم، والبدع لتظهر السنن، والشتات والفرقة ليحل الاجتماع، وأساس ذلك كله التمسك بالكتاب والسنة وهذا واجب شرعي على كل مسلم .. إلى تفاصيل الحوار:
بداية نرحب بكم معالي الشيخ، ولعله يمكن أن يكون مدخل حوارنا الحديث عن الشريعة والمصلحة وطبيعة العلاقة بينهما.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد, وبعد:
الشريعة الإسلامية نعمة الله الكبرى على المسلمين بما تتضمنه من إيمان وعمل. ولكون الشريعة جاءت من عند الله سبحانه فقد تضمنت الكمال والشمول والسعة، ونزلت لتكون حفظا لحق الله وحقوق الخلق.
جميع ما أمر الله ورسوله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ به فمصلحته كلية أو راجحة, وجميع ما نهى الله ورسوله عنه فمفسدته كلية أو راجحة كما ذكر هذه القاعدة عدد من العلماء منهم الإمام ابن تيمية.
إذن العلاقة بين الشريعة والمصلحة المعتبرة علاقة تلازم, فحيث توجد المصالح الشرعية المعتبرة الكلية والراجحة توجد الشريعة وحيث توجد المفاسد الكلية والراجحة يوجد نهي الشريعة.
هذه القاعدة هي الوصف الشمولي للعلاقة بين الشريعة والمصلحة مع القاعدة المتممة لها: درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة, ومن المقدر هنا أن مجرد عروض مصلحة في أمر ما لا يعني بالضرورة كونه شرعيا إذ قد تكون مفسدة راجحة فيكون ممنوعا في الشريعة, بل لو قدر التردد وظن المجتهد التساوي بين المصلحة والمفسدة فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة, هذا يفرض لو قدر صدق المصلحة وصحتها هنا, مع أن كثيرا من الناس ربما توهم أن المصلحة هي في حقيقة الشريعة ليست مصلحة, ولذلك ينهى عن الخوض في أحكام الشريعة العامة والخاصة إلا للعلماء الراسخين في العلم.
هذا الكمال في الشريعة وقواعدها يكشف قدرا شريفا من مقاصد الشريعة التي جاءت بحفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال.
وهذه الضرورات الخمس التي كفلت الشرائع السماوية حفظها.
ومن هنا جاءت تشريعات الإسلام لتحافظ على هذه الكليات التي لا يجوز المساس بكيانها, وحفظها شرعا هو مسؤولية كل مسلم, لكن المسؤولية العظمى في حفظها هي مسؤولية ولي الأمر بما وجب له من السمع والطاعة والبيعة الشرعية، وهذا حق له لا تجوز منازعته.
#2#
هل يمكن أن ندخل من خلال ما تفضلتم به من حديث إلى تطبيق قاعدة المصلحة وعلاقتها بتطبيقات الحياة؟
هذه القاعدة الشرعية وصف مطرد لازم للشريعة. نعلم أن الشريعة أحكام مسماة من الله ورسوله لا يجوز لأحد أن يجتهد فيها, وثمة أحكام لم تعين وهي داخلة في أدلة الكتاب والسنة, وهذا محل الاجتهاد الذي يعرفه الراسخون في العلم.
الشريعة جعلها الله كاملة، قال سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
فهي قائمة على حفظ المصلحة ودرء المفسدة وهذا تطبيقاته حاصلة في القضايا العامة والخاصة, انظر مثلا, المعاملات المالية ونظام الاقتصاد ونظر الشريعة للمال بنيت على هذه التراتيب, وجاء في القواعد ''الأصل في المعاملات الحل'' والمحرم كالربا وعقود الغرر والجهالة منعت حفظا لحقوق الناس ولحكم أخرى كذلك في غير الاقتصاد.
جلب المصلحة ودرء المفسدة نظام لضبط الوجود البشري وحماية الحياة من الصدام والانحراف، وليس معنى هذا أن الأحكام اجتهادية بل تحت الأحكام الثابتة المسماة في الكتاب والسنة وتحت الأحكام القائمة على الاجتهاد الذي يعتمد على الكتاب والسنة والفقه الصحيح لهما.
هل التعامل مع هذه القاعدة الشرعية متاح لكل أحد, أم أنه خاص بالعلماء؟
هناك قدر يفترض أن كل مسلم يكون على معرفة وإدراك به حتى تكون تصرفاته معتدلة بعيدة عن الإفراط والتفريط، وليكون محصنا من تجاذبات الآراء, فمثلا المصالح الكلية المتعلقة بحفظ (الدين، والنفس، والعرض، والعقل والمال) هذه أحكام لا يجوز التجاوز بأي تصرف يقوض بناءها، ويجب أن يكون الوعي والإدراك محافظا على هذه الدرجة من المعرفة.
أما تفاصيل التطبيق لقاعدة المصلحة فهذا شأن العلماء الراسخين في العلم الذين يعرفون الشريعة ويعرفون فقه المآلات والوسطية الشرعية التي بعث بها الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، وهذا فقه لا يحسنه كل أحد.
لو تحدثنا بشكل مباشر كيف نتعامل مع هذه القاعدة الشرعية في النظر إلى قضايانا داخل هذا البلد المملكة العربية السعودية؟
هذا البلد المبارك المملكة العربية السعودية قام على الشريعة, والدولة قائمة على الشريعة, ولسنا في بلد يقوم على الأحزاب بل على كلمة واحدة مجتمعة على بيعة شرعية لولي الأمر وهذه البيعة حق شرعي لا تصح منازعته.
المملكة قامت على الكتاب والسنة وما زالت بحمد الله والمصالح الشرعية العليا متحققة بهذه الوحدة المباركة.
أنعم الله سبحانه على هذه البلاد بالوحدة المباركة وجعل الله سبحانه الملك عبد العزيز رحمه الله سببا مباركا بإقامة هذا الكيان المبارك المملكة العربية السعودية، وبفضل الله ذهب الخوف ليكون محله الأمن، والجهل ليكون العلم، والبدع لتظهر السنن، والشتات والفرقة ليحل الاجتماع, وأساس ذلك كله التمسك بالكتاب والسنة وهذا واجب شرعي على كل مسلم, قال سبحانه ''واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا'', التمسك بالشريعة والاجتماع عليها أصل كل خير وبه يحفظ الله سبحانه هذه البلاد المباركة.
وحفظ الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاجتماع على البر والتقوى هذا كله من أعظم شكر الله سبحانه بما يجب له من حق شكره وحمده.
حينما نرى العالم من حولنا كيف ننظر نظرة شرعية إلى حفظ أنفسنا والابتعاد عن أسباب التفرق؟
حفظ أنفسنا بحفظ الشريعة علما وعملا والاجتماع على ذلك، وقد أنعم الله سبحانه على هذه البلاد بأنها قامت على الكتاب والسنة ولا تزال بحمد الله.
إن الدعوة إلى لزوم الجماعة وحفظ الشريعة والأمن لا يعني التقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجاهل الأخطاء والتقصير ولكن في المقابل لا يصح أن تزل قدم بتجاوز الثوابت والمصالح العليا التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على هذه البلاد, والشريعة والأمن في هذه البلاد المباركة من الثوابت الواجبة الحفظ.
هذه البلاد لها خصوصيتها وشرفها وقدرها بما قامت عليه من الشريعة. إنني على ثقة بأن أعداء الإسلام من الدول والأمم يكيدون ويتربصون بهذه البلاد لزعزعة هذا الكيان, ويجب ألا تضيق النظرة في تجاوز الأحكام الشرعية بأي عمل إلى زعزعة الخير, إن التظاهر في هذه البلاد المباركة باطل شرعا. ويجب إلجام النفس بالشريعة والعقل والحكمة حتى لا يكون لأعداء الإسلام من الدول والأمم مدخل شر لزعزعة هذا الكيان المبارك، ويجب على أبناء هذا البلد المحافظة على الدين والأمن وعدم الانسياق وراء أي مغامرة لا تخلق إلا شرا.
إن وجود الخطأ والتقصير الذي ندين لله بوجوب تركه ولزوم حفظ الشريعة أصولا وفروعا, هذا التقصير لا يجوز أن تهدم به الأصول والمصالح الشرعية القائمة، ومن هنا جاءت الحكمة الشرعية فيما تواتر عن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ من لزوم الجماعة والسمع الطاعة في طاعة الله, ونحمد الله أن منّ على هذه البلاد بولاة أمر جعلهم سببا لقيام الشريعة وظهور الخير والأمن.
إننا نعيش في زمن كثير المتغيرات, والانفتاح العالمي أصبح واقعا لا خيار في كثير منه, وعالم الاتصالات صار مفتوحا ويعد بالمزيد، لذلك لا بد أن يكون الوعي والإدراك لدينا قائما على الشريعة، والاعتدال في النظر للأمور نظرة حكمة وعقل وديانة.
وكما قال النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ كما في الصحيح وغيره ''كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته'' الحديث.
إن نعمة ظهور الشريعة واستتباب الأمن في هذه البلاد نعم من الله يجب حفظها وعدم المساس بها، قال الله سبحانه في ذكر دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام (رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام).
هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية بلاد التوحيد والإسلام والأمن. المملكة قبلة المسلمين فيها الكعبة المشرفة والمسجد الحرام ومسجد الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ــ وآثارها المباركة بالخير على المسلمين شاهدة بما تقوم به الدولة وولاة الأمر وجهود المخلصين من أبناء هذا البلد.
بمناسبة عودة خادم الحرمين الشريفين وجهوده المباركة، هل من تعليق بهذه المناسبة؟
نحمد الله ونشكره على سلامة خادم الحرمين وعوده الحميد المبارك إلى المملكة، ونسأل الله أن يتم عليه مزيدا من الصحة والعافية وأن يوفقه ويسدده لما يرضيه سبحانه، وأن يحفظ بولاة أمر هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، وولي عهده سمو الأمير سلطان، ونائبه الثاني سمو الأمير نايف, أن يحفظ بهم الدين وأن يسددهم ويعينهم على البر والتقوى ويجمع شملهم على الهدى.
أما بشأن جهود خادم الحرمين فالملك عبد الله رجل مبارك وتوسعته وعنايته بالمسجد الحرام ومسجد الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ــ والمشاعر المقدسة حسنة مباركة يحفظها التاريخ وذخر عند الله برحمته، لا ننسى تلك البداية التي أطلقها أول ما تولى مقاليد الأمر بعد الملك فهد رحمه الله حيث ولى الملك عبد الله وجهه شطر المسجد الحرام وأمر بتوسعته والعناية به والمشاعر المقدسة ومسجد الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ، مع حرصه وفقه الله على النهوض بهذا الكيان المبارك المملكة العربية السعودية.
المملكة خرجت من الأزمة المالية العالمية بفضل الله ثم بالسياسة الحكيمة للملك عبد الله سدده الله، ونسأل الله له مزيدا من التوفيق والسداد.
هل من توجيه عام نختم به؟
أخص توجيه الوصية بتقوى الله سبحانه وحمده وشكره فيما بين العبد وربه وأداء الأمانة وحفظ الحقوق والعدل والاجتماع على الحق, وهذا واجب على خاصة المسلمين وعامتهم من الراعي والرعية.
وبه يحفظ الله سبحانه هذه البلاد.
ومما يحسن تأكيده التذكير بنعم الله وأننا نعيش في المملكة بفضل الله سبحانه نعما نحسد عليها، ونعم الله واجبة الشكر ومن شكرها المحافظة عليها وحمده سبحانه على ذلك, وهنا يجب أن ننظر للأمور بصدق مع الله وعقل راجح حتى لا تزل قدم، مع لزوم العناية بمقام الشريعة علما وعملا والتواصي بالبر والتقوى والاعتصام بحبل الله الذي هو دينه ولزوم الجماعة والبعد عن أسباب الفتن والتفرق والسمع والطاعة في طاعة الله لولي أمر هذه البلاد التي أساسها الكتاب والسنة خادم الحرمين وفقه الله.
نحمد الله أن هذه البلاد كيان واحد وليست أحزابا متنافرة , كل حزب بما لديهم فرحون, بل وحدة شرعية واحدة على الكتاب والسنة, ويجب المحافظة على هذه اللحمة المباركة بحفظ الشريعة التي هي أساسها وبناء الفقه الشرعي الصحيح للنظر إلى المصالح حفظا وتحقيقا, ودرء المفاسد وتجاوز الأخطاء بعدل واعتدال وحكمة لا تعصف بالسفينة المباركة, والتوكل على الله سبحانه والتعلق به وخوفه ورجاءه، حفظ الله بفضله ورحمته هذه البلاد وجعلها آمنة مطمئنة, وحفظ عليها دينها واجتماعها وولاة أمرها ووفقهم وسددهم ورزقهم البطانة الصالحة.