تقرير: «مكافحة الفساد» ترفع المعيار الدولي للتنمية البشرية في المملكة
جاءت القرارات الملكية لخادم الحرمين الشريفين في جمعة الخير تأكيدا لمحبته وتقديره وافتخاره بكل أبناء الوطن، وبأنه - يحفظه الله - يستمد العون والقوة والعزم من أبنائه المواطنين، وأنهم صمام الأمان لوحدة الوطن، ولقد نالت تلك القرارات بكل ما تحمله من رشد القيادة وعبقريتها، اهتماما بالغا من معهد الملك عبد الله للبحوث والدراسات الاستشارية في جامعة الملك سعود، وبما تحمله تلك القرارات من آثار اقتصادية واجتماعية على كل أبناء الوطن.
وقدم المعهد تقريره الأول – المنشور في عدد الصحيفة الصادر أمس - حول أثر هذه القرارات على دعم اقتصاد السوق الاجتماعي، وفي هذا التقرير يقدم المعهد رؤية تحليلية للأبعاد والانعكاسات المجتمعية للأوامر الملكية.
#2#
المنطلقات والتوجهات الرئيسة
أصدر خادم الحرمين الشريفين، حزمة من القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تشكل توجها إيجابيا نحو وضع التنمية البشرية في المملكة بسياسة متكاملة تنم عن عبقرية في القيادة وشمولية رؤاها للمجتمع بكل فئاته من مواطنين، وبكل تنظيماته والمهام المتعددة الملقاة عليها.
وانطلقت هذه الأوامر الملكية من التأكيد على ما يتمتع به المواطن من محبة وتقدير من خادم الحرمين الشريفين، وأنه يستمد العون والقوة والعزم منهم، إضافة إلى افتخاره بأبناء الوطن وأنهم صمام الأمان لوحدة الوطن. ومثل هذا التوجيه ليس مستغربا من خادم الحرمين الذي يحرص على احتياجات المواطن وهمومه، ويسعى إلى توفير الحياة الكريمة له، وضمان تحقيق رفاهية المواطن السعودي ومعاونته على مواجهة ظروف الحياة المعيشية.
وكون القرارات والأوامر الملكية تعكس حرص القيادة الرشيدة على تأمين حياة المواطن، فإنها تجسد اهتمام وعناية ولاة الأمر بكل شؤون المواطنين، كما تؤكد تقدير القيادة للشعب السعودي وما يبديه من ولاء وانتماء في وجه الحاقدين، كذلك فقد كان جليا شمول قرارات الخير لجميع شرائح المجتمع وتلبية احتياجاتهم المعيشية والاجتماعية والصحية والعلمية وغيرها، حيث تضمنت العديد من الخطوات الإصلاحية، والخير الكثير للمواطنين، وحققت حيزا كبيرا من تطلعاتهم في وطنهم.
تحليل الأبعاد المجتمعية للأوامر
الأوامر السامية التي تتعلق برفاهية ومعيشة المواطنين جاءت من خادم الحرمين الشريفين بهدف تحقيق الرفاهية للمواطن السعودي وتحقيق العيش الكريم للفقراء ومساعدتهم في تحمل أعباء الحياة ومواجهة الغلاء الذي يزداد يوما بعد آخر، كما أن هذه القرارات كانت لها نواحٍ إيجابية متعددة، وكان لكل فئة نصيبها منها.
وتنص هذه الأوامر السامية، في جملتها، على صرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين وعلى صرف مكافأة شهرين لجميع طلاب وطالبات التعليم العالي، وعلى صرف مخصص مالي قدره ألفا ريال شهريا للباحثين عن العمل في القطاعين العام والخاص.
وإذا كان هذا هو الحكم الذي تنتهي إليه الأوامر الملكية، فإن ما يهمنا من زاوية التحليل الاجتماعي الحيثيات التي أشار إليها خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – وبنى عليها تلك الأوامر، فقد أوضح أن راتب الشهرين يعبر عن حرصه الكريم على أبنائه وبناته من المواطنين، وتقديرا لدورهم الكبير في بناء الوطن ولإسهامهم الفاعل في تشييد صروحه وقيام مؤسساته ووفاءً منه - رعاه الله - لصدقهم في القول وجدهم في العمل على قاعدة راسخة من الروح الوطنية العالية في منظومة قافلة الخير ومسيرة العطاء والنماء.
ويرى الملك أن المخصص المالي الذي يصرف شهريا للباحثين عن عمل هو حل مرحلي لمشكلة البطالة التي يعاني منها أبناؤه وبناته من السعوديين، وهكذا نرى أن تقدير خادم الحرمين الشريفين لأبناء الوطن قد سبق تقديم المال وهذه المنحة الأدبية تعد لدى كثير من الناس أغلى من العطية المادية؛ ذلك أن إحساس الحاكم بالجهد الذي يبذله شعبه في سبيل نهضة الوطن من أهم المؤشرات على التلاحم الوطني بينه وبينهم.
ولم تقف اهتمامات خادم الحرمين الشريفين عند حد المكافأة المالية وإنما تعدت ذلك إلى رفع مستوى معيشة المواطنين ودخولهم؛ وذلك بتثبيت بدل غلاء المعيشة الأساسي ومقداره 15 في المائة ضمن الراتب، واعتماد الحد الأدنى لرواتب فئات العاملين كافة في الدولة من السعوديين ثلاثة آلاف ريال شهريا. ومما لا شك فيه أن هذا الحد الذي رسمه الأمر الملكي يحقق مستوى لائقا من الحياة للأفراد في بداية حياتهم العملية.
الأوامر التي تتعلق بالإسكان والاستقرار الاجتماعي
ويعد المسكن الذي يقيم به المواطن أحد المقومات المهمة لحياته العائلية واستقراره الاجتماعي، كما يعد في العصر الحديث مؤشرا من مؤشرات المكانة الاجتماعية التي يتمتع بها بين أعضاء مجتمعه. وتجاوبا مع هذا المفهوم صدرت الأوامر الملكية باعتماد بناء 500 ألف وحدة سكنية في مناطق المملكة كافة، وتخصيص مبلغ إجمالي قدره 250 مليار ريال لهذا الغرض. كما صدر الأمر الملكي الذي رفع قيمة الحد الأدنى للقرض السكني من صندوق التنمية العقاري من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال اعتبارا من تاريخ صدور الأمر.
ويشير خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – إلى أن هذين الأمرين الساميين صدرا حرصا منه على توفير أسباب الحياة الكريمة للمواطنين وتأمين السكن المناسب لهم، والجدير بالملاحظة أن الأمر الملكي قد روعي فيه النص على أن يتم بناء الوحدات السكنية في مناطق المملكة كافة؛ تأكيدا لمبدأ التوازن والعدالة في توزيع الخدمات التنموية؛ لكي تستفيد منها مناطق المملكة كافة، فلا تتركز في منطقة دون غيرها.
والواقع أن رفع الحد الأدنى للقرض السكني بنسبة 67 في المائة تقريبا يسهم في مساعدة المواطنين على تحقيق أحلامهم في امتلاك سكنهم الخاص، حيث إن عدم كفاية القرض لبلوغ ما يتطلع إليه الفرد قد يصيبه بالإحباط ويفقد القرض قيمته والهدف منه، ويصبح مشكلة في حد ذاته بدلا من أن يسهم في دفع المواطن إلى تحسين مستوى حياته الاجتماعية.
رفع المستوى الصحي للمواطنين
تعد الرعاية الصحية أحد مؤشرات التنمية الاجتماعية التي تقاس بواسطتها إنجازات الدول الرائدة، فالشعوب لا ينبغي أن تعيش في مستوى مرتفع من الرفاهية الاقتصادية فحسب، وإنما يجب أن يتمتعوا بحالة صحية جيدة، وأن تقدم لهم الخدمات الطبية على المستويين الوقائي والعلاجي على أفضل ما يكون.
وفي هذا الإطار، صدرت الأوامر السامية باعتماد مبلغ 16 مليار ريال لوزارة الصحة لتنفيذ وتوسعة مدن طبية ومستشفيات تخصصية ومرجعية ومستشفيات ومراكز طبية ورعاية أولية. ولم تتوجه الجهود نحو تركيز هذه المستشفيات في عاصمة الدولة على نحو ما يجري في بعض البلدان النامية، وإنما أخذت القيادة السياسية في الحسبان أن تتوزع مؤسسات الرعاية الطبية على مناطق المملكة الخمس تحقيقا للعدالة التوزيعية وللتوازن الجغرافي في المملكة لكي يحظى أبناؤها بنصيب وافر من العناية الصحية.
ويوضح الأمر الملكي الفلسفة التي ينهض عليها، وهي العمل على توفير الرعاية الصحية المتكاملة والشاملة لأبناء وبنات الوطن، وتحقيقا لأن تعم هذه الرعاية أرجاء البلاد كافة، واستكمالا للجهود التي بذلت من قبل في هذا الصدد.
ولهذا، نلاحظ أن الإنفاق الصحي شمل دعما لعديد من التخصصات الطبية الدقيقة والعامة مثل إنشاء مراكز للأورام والقلب وللعلوم العصبية ومراكز ومستشفيات للأبحاث الطبية ولتوفير العلاج للمرضى من شتى الأمراض. فضلا عن ذلك، شمل الدعم المستشفيات الخاصة؛ فصدر الأمر الملكي بزيادة الحد الأدنى في برنامج تمويل هذه المستشفيات في وزارة المالية من 50 مليون ريال إلى 200 مليون ريال، أي تم زيادة بنسبة 400 في المائة، وهي زيادة تعكس مدى وعي القيادة السياسية بأهمية الدور الذي يقوم به القطاع الخاص في تنفيذ برامج الرعاية الصحية، وبالنظر إليه على أنه يلعب دورا مكملا للجهود الحكومية في توفير العلاج للمواطنين السعوديين في أرجاء المملكة.
الأوامر الخاصة بالتنمية السياسية
تقيس المنظمات الدولية التي تعنى بمتابعة جهود التنمية البشرية مستويات الإنجاز التنموي في بلدان العالم المختلفة بمقاييس شتى، من بينها مدى ما تتمتع به المؤسسات والأجهزة المختلفة في الدولة من نزاهة وشفافية.
وفي هذا الاتجاه، يتبنى خادم الحرمين الشريفين فكرة إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وقد استلهم الحاكم الفكرة من مرجعيته الإسلامية، ومن قول الله تعالى: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، وهذا القول الكريم كان موجها لأحد أنبياء الله - تبارك وتعالى - وهو داود - عليه السلام - الطاهر العفيف المعصوم، فالتقوى من الفساد أمر محمود، ينشد حماية المال العام ووقاية العاملين في الدولة من التردي والوقوع في براثنه؛ لما له من آثار وخيمة على المؤسسات الحكومية وتنظيماتها المختلفة.
وقد بلغ من حرص القيادة الحكيمة على تطهير المجتمع من آثار الفساد وحماية البلاد والعباد من آثاره أن أسند الأمر الملكي بتبعية الهيئة المخولة بمكافحة الفساد لخادم الحرمين الشريفين؛ لكي تكون تحت إشرافه المباشر، وذلك لئلا يخامر الشك أحدا من الرعية أن له حصانة تحميه إذا ما أقدم على عمل المفسدين.
وشملت مهام هيئة مكافحة الفساد القطاعات الحكومية كافة، دون استثناء، وغطى اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي، ومتابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، ولم تنته مظلة الحماية من الفساد عند إنشاء هيئة لمكافحته، وإنما تمتد هذه المظلة إلى الرقابة على الأسواق ومراكز البيع في جميع مناطق المملكة للحد من أي تلاعب أو زيادات أو مبالغة في الأسعار.
ويصدر الأمر السامي بإحداث 500 وظيفة لوزارة التجارة والصناعة؛ لدعم جهود الوزارة بالمساومة بكل قوة وحزم في إيقاع الجزاء الرادع على المتلاعبين بالأسعار والتشهير بهم دون تردد، كائنا من كان المخالف؛ ليؤكد أن خادم الحرمين الشريفين يقدر أن الزيادات المالية التي نالها أبناء الوطن قد تحرك بعض أصحاب النفوس الضعيفة لاستغلال المواطنين لرفع الأسعار وامتصاص هذه الزيادات وتبديد آثارها؛ ولذلك فقد أكد – حفظه الله – على أنه لن يسمح بأي تراخ أو تساهل في هذا الشأن المهم، حيث إن مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.
الرموز الدينية في المجتمع
مما لا شك فيه أن المجتمع السعودي الذي يشكل القرآن الكريم والسنة المطهرة مرجعيته القيمية والمعيارية، يعتمد في حياته على الآراء الأخلاقية والتوجيهات الدينية التي يستمدها من كبار العلماء الذين يقتدي بهداهم ويسيّر خطاهم. ويعد توقير العلماء سمة من سمات الصالحين ويسهم النيل من مكانتهم في تقويض دعائم الفكر الديني ويقود إلى الاستهانة بأحكامه، ولعل هذا الفهم العميق من خادم الحرمين الشريفين لخطورة النيل من الرموز الدينية هو ما دعاه إلى إصدار الأمر السامي الذي أوجب فيه على وسائل الإعلام كافة الالتزام بعدم المساس أو التعرض لسماحة مفتي عام المملكة وأصحاب الفضيلة أعضاء هيئة كبار العلماء بالإساءة أو النقد، فالمؤسسة الدينية تملك من مقومات الوعي الذاتي ما يسمح لها بمراجعة الذات والالتزام بجادة الصواب، فمن فقهه الله تعالى في الدين يملك نفسا لوامة تراجعه وتنير له السبيل إلى الحق.
وقد استلهم الأمر الملكي قول الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)، وقوله عز وجل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء). وهو من هذا المنطلق يستشعر ما للعلماء من فضل وقدر؛ لما يقومون به من اتباع أحكام القرآن الكريم وسنة الرسول - عليه الصلاة والسلام - والتهاون مع من يسيئون إليهم أمر ينذر بعواقب جسيمة تهدد تماسك المجتمع، وتؤدي إلى خلل في النسق القيمي الذي يستظل به ويستمد منه موجهات سلوكه واختباراته في الحياة.
ولم يغفل خادم الحرمين الشريفين أهمية البحوث الإسلامية ودورها في إثراء الفكر الديني ونشر الوعي به في كل مجالات الحياة. وتحقيقا لهذا العمل أصدر – حفظه الله – الأمر الملكي بإعداد دراسة بشأن إنشاء مجمع فقهي يسمّى (المجمع الفقهي السعودي)، وإنشاء فروع للرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء في كل منطقة من مناطق المملكة ودعم هذه الفروع بـ 300 وظيفة، و200 مليون ريال؛ لتلبية احتياجاتها البشرية والمادية.
وهكذا، نلاحظ أن رؤية خادم الحرمين الشريفين للعلماء الأفاضل لم تقتصر فقط على رفع مكانتهم في المجتمع، وإنما شملت أيضا توفير المناخ العلمي والبحثي الذي ييسر لهم التفقه في الدين واستنباط الأحكام الشرعية التي تواجه ما يتعرض له المجتمع من مستجدات ومتغيرات تفرضها طبيعة العصر الحديث، إضافة إلى اهتمامه – حفظه الله – بالعلماء نجده يشمل برعايته جماعة المؤمنين ممن يسعون إلى حفظ القرآن الكريم ويحضرون مجالس العلماء ويعمّرون مساجد الله في الوطن فيخصص 500 مليون ريال لترميم المساجد والجوامع في أنحاء المملكة كافة و200 مليون ريال؛ لدعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم و300 مليون ريال لدعم مكاتب الدعوة والإرشاد، ودعم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمبلغ 200 مليون ريال لاستكمال بناء مقرات لها؛ لكي تمارس دورها بفاعلية في توجه أفراد المجتمع نحو مراعاة الالتزام بالتقاليد الإسلامية وبمقومات السلوك المستقيم.
حماية الوطن والجبهة الداخلية
لقد أكدت الأحداث التاريخية، أن رجال الجيش هم - بعد الله - درع المملكة التي تحميها من أي عدوان خارجي، وأن رجال الشرطة هم حفظتها من كل تهديد داخلي لأمن الوطن والمواطنين؛ وتأكيدا لهذه الحقيقة التي برهنت على صدقها الأيام أمر خادم الحرمين الشريفين بتوفير احتياجات منسوبي الجهات العسكرية من الإسكان ودعم وزارة الداخلية بالكوادر الوطنية المؤهلة للإسهام في تحمل أعباء الجهاز الأمني لتعزيز الأمن والاستقرار الوطني، كما أمر – حفظه الله – بترقية الضباط المستحقين للرتب التالية للرتب التي يشغلونها وترقية الأفراد من تاريخ صدور الأمر الملكي وكذلك بتوفير احتياجات القطاعات العسكرية في مجال القطاع الصحي.
السعودة وحل مشكلة البطالة
يؤكد خبراء التنمية، أن إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية الوافدة يسهم في حل مشكلة البطالة التي تتفاقم في المجتمع، ويقلل من الاعتماد على القوى العاملة الأجنبية ويزيد من شعور الشباب بالانتماء إلى وطنهم.
وفي هذا الصدد، يرى خادم الحرمين الشريفين أن رجال الأعمال تقع على عاتقهم مسؤولية اجتماعية كبيرة تتمثل في ضرورة المشاركة باتخاذ الخطوات اللازمة التي تفسح المجال أمام الشباب من الجنسين للقيام بدور فعال في خدمة الوطن بقطاعاته ومؤسساته المختلفة؛ ولذلك فقد أكد الأمر السامي ضرورة رفع نسب السعودة لإيجاد عمل للمواطنين، وحث رجال الأعمال على التجاوب مع الدولة في هذا الصدد.
البعد الذاتي والنفسي للمواطن
شملت جميع القرارات الملكية ملامسة للذات النفسية للمواطن السعودي وتعاملت مع مشاعر المواطن بشكل إيجابي وبطريقة تفاعلية سريعة، وقد بدأت المشاعر الذاتية والنفسية تنعكس في حين استقبال المواطنين لهذه القرارات، وظهر ذلك من خلال مظاهر الفرح والسرور لدى جميع الشرائح من الأطفال إلى الشيوخ والتي أدت إلى شعور المواطن بالأمن النفسي وهو مستوى تسعى كل نفس لتحقيقه والوصول إليه.
وإن القرارات الملكية أدت إلى الشعور بالهوية الوطنية وحب الانتماء للوطن وأهله، كما تحققت من خلال هذه القرارات مستوى الرضا النفسي والشعور بالاهتمام تجاه الوطن والمواطنين، ويمكن النظر إلى الأوامر والقرارات الملكية من الناحية النفسية على أساس أنها أظهرت البعد النفسي بوضوح وتجلت الصورة الذاتية للمواطنين دون شك تجاه الوطن، وبدأ المواطنون في إظهار مشاعر الفرح والسرور وحب الانتماء إلى المليك والوطن، من خلال مشاعر تظهر وتجسد القبول لهذه القرارات.
ويعد ما ظهر من فرح وسرور لدى المواطنين لأكبر دليل على ارتفاع مستوى التقبل الذاتي والنفسي للقرارات، كما أن مستوى الشعور بالذات من خلال أن هناك آخرين يسعون إلى تحسين مستوى المعيشة وتحسين مستوى الدخل والاهتمام بالمواطن والوطن والسعي لتحقيق أعلى مستويات الشعور بالأمن الذاتي والنفسي، جعل مقام خادم الحرمين الشريفين يرتفع ويتعالى حب المواطنين له ويسعى كل المواطنين بالدعاء لمقام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه.
وتتمثل القيم الذاتية للإنسان في شعوره بأنه محط الاهتمام والتقدير من الآخرين ومن صناع القرار، وقد برزت هذه القضية في كلمة مقام خادم الحرمين الشريفين، ومن ثم ظهرت وأدركها المواطنون من خلال القرارات الميمونة، التي شملت صرف راتب شهرين لكل مواطن ومواطنة من موظفي الدولة مكافأة للولاء والانتماء وحب المواطنة، ثم منح الطلاب والطالبات مكافأة شهرين، والتعبير عن هذا التلاحم والانتماء والشعور بالاهتمام جعل جميع الطلاب والموظفين يشعرون ويستشعرون أن لديهم قيما إنسانية ووطنية تجاه هذا الوطن المعطاء يجب المحافظة عليها وحماية الوطن ومكتسباته بالروح والمال والأهل.
وأظهرت الأوامر الملكية ببناء المساكن للمواطنين مدى استشعار مقام خادم الحرمين الشريفين لأهمية الشعور بالأمن والاستقرار، وهي حاجة أساسية من الحاجات التي يسعى كل مواطن لتحقيقها، ولا يمكن أن تتحقق هذه الحاجة إلا من خلال وجود مكان يشعر فيه المواطن بأنه محاط بأسرته وأبنائه، وأنه يعيش وسط جو أسري آمن، وهذا من خلال المسكن المريح، وقد تكونت واستقرت هذه الحاجة لدى المواطنين حينما أمر خادم الحرمين الشريفين ببناء 500 ألف وحدة سكنية في مختلف مناطق المملكة وأمر - حفظه الله - بسرعة إتمام الأمر، وتستقر الحاجات النفسية ويستمر العطاء غير المحدود حينما يأمر الملك المفدى - حفظه الله - بمساعدة المتقدمين للصندوق العقاري برفع نسبة القرض إلى 500 ألف ريال، وهذا اهتمام واستشعار للتغيرات التي تحدث في العالم وملامسة وإحساس بواقع المواطن، وسعيا ورغبة في تحقيق أمن كل مواطن بالحصول على مسكن أسري ومنزل يستطيع أن تعيش فيه كل أسرة بأمان.
وتقف العطاءات عند حدود الشعور بالأمن النفسي بتملك المنزل والشعور بالأمن الديني والاهتمام ببناء وعمارة بيوت الله تعالى، فهي تمثل الملاذ لعبادة الله والمكان الذي يتقرب فيه العباد لرب العباد، ويعد الشعور بالأمن الديني من المستويات المتقدمة التي تشعر الإنسان بالتوافق والتكيف ومواجهة الصعوبات في الحياة، وقد وفّر مقام خادم الحرمين الشريفين الجهود وجعل النفوس تستقر وتشعر بالتقرب لعبادة الله تعالى، ويمكن ذلك من خلال أماكن العبادة والمساجد، وحينما يأمر الملك المفدى بضرورة ترميم وبناء المساجد.
ورصد 500 مليون ريال لذلك إنما يكون هناك اهتمام واضح حتى في مكان عبادة المواطن وخشوعه وتقربه لرب العزة والجلال، رغم أن الكثير من دول العالم لا تراعي أهمية الشعور بالأمن الديني، ورغم ما تقدمت به الدراسات النفسية والاجتماعية بأهمية الأمن الديني وارتباطه بالأمن النفسي وتكيف الفرد وإنتاجه وقبوله لمجتمعه وانخفاض الجريمة، إلا أن هذا الاهتمام تجسد باهتمام مقام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه - ولا يقتصر أو يتوقف الأمر عند حد بناء المساجد وأعمارها وإنما يشمل ذلك ما أمر به الملك المفدى حفظه الله بفتح فروع لهيئة كبار العلماء في جميع مناطق المملكة.
وهنا تبرز أهمية الشعور بالتوافق الديني ووجوب احترام العلماء والفقهاء وأهل العلم وان المسائل العلمية الدينية لا يقوم عليها إلا أهل العلم والفتوى من ذوي الاختصاص من علمائنا الأفاضل، وقد اتضح ذلك من دعم مقام خادم الحرمين الشريفين لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وشكره وثناؤه لهم.
وإن السلوك النفسي الاجتماعي وشعور المواطن أن حقوقه محفوظة وأن هناك من يقوم على مراقبة السلع والمستهلكات، وأن دور الدولة لا يقتصر فقط على التشريع، بل المراقبة وحفظ الحقوق، أن سلوك المستهلكين وهم الشريحة الكبرى للمواطنين اتضح اهتمام مقام خادم الحرمين الشريفين بها، حيث أمر - حفظه الله - باستحداث 500 وظيفة مراقب، وأمر - أيده الله - بمراقبة السلع والتجار ومحاسبتهم إذا ثبت القصور والاستخفاف بحقوق المواطن.
وهذا يوضح الصورة الكبرى للاهتمام بالمواطن والسعي ليكون المواطن متوافقا مع بيئته، وقادرا على العطاء والبناء والحب لهذا الوطن، إن المواطنين استشعروا هذا الاهتمام، واتضح ذلك من أفراحهم ودعائهم لخادم الحرمين الشريفين - حفظه الله تعالى - كما أن رجال الأعمال إذا شعروا بأن هناك محاسبة ومراقبة فإنهم يشعرون بالأمان؛ لأنهم في نهاية المطاف أبناء هذا الوطن الغالي وينتمون إلى ترابه وأرضه الغالية علينا.
وأخيرا نجد أن هذه المشاعر تتجسد حينما أمر خادم الحرمين الشريفين بمكافحة الفساد وأمر بإحداث منصب بمرتبة وزير لمحاربة الفساد في أرض هذا الوطن الغالي، إن هذا يمثل أعلى الهرم لتحقيق الحاجات عند الإنسان، هذا الإنسان هو المواطن السعودي - حفظ الله مقام خادم الحرمين الشريفين وأمد في عمره ونصره وجعلنا عند حسن ظنه، وأن نسعى دائما لرقي هذا الوطن وأن نحميه بمالنا وأولادنا ودمائنا.
الخلاصة والاستنتاجات العامة
تشكل القرارات الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، يوم الجمعة 13/4/1432، الموافق 18/3/2011، منعطفا كبيرا في تاريخ المجتمع العربي السعودي؛ لأسباب عدة، أولها، شموليتها لقطاعات المجتمع وشرائحه كافة، وثانيها مواجهة مشكلات الشباب السعودي، وفي طليعتها البطالة والسكن، وثالثها، تحسين الأوضاع الصحية والاجتماعية للمواطنين والمقيمين، ورابعها الاهتمام بالقطاع العسكري ودوره الرائد في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين والمقيمين، وخامسها التركيز على دور الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء في تبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم، وسادسها الأهداف القريبة والبعيدة المدى لهذه القرارات.
وهذه القرارات الملكية الرشيدة، وإن جاءت في سياق الإصلاحات الكبيرة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، في مجال التوسع في التعليم والجامعات ومشاريع التنمية والإسكان الكبيرة، والمنتشرة في جميع أنحاء المملكة مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، إلا أن ما يميزها عمّا سبق أنها ترقى في مجملها إلى مستوى الاستراتيجية الشاملة للإصلاح والتنمية.
وتشكل نقلة نوعية في تاريخ المجتمع السعودي وحياته، وحماية حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كحقه في العمل والرعاية الصحية والسكن والتعليم والزواج والغذاء والملكية والعيش الكريم، وحق الإعالة في حالة البطالة والمساواة في فرص العمل والتنمية، والمشاركة في التنمية والتكافل الاجتماعي، ومكافحة المرض وتحقيق السلام الاجتماعي، والأمن الوظيفي لقطاعات واسعة من المجتمع، والربط بين الحق في العمل والتنمية، والأمن والسلام والتنمية، فالتنمية أساس السلام.
ما ركزت عليه القرارات
وقد ركزت القرارات والأوامر الملكية على جوانب عديدة، أبرزها ما يلي: تحسين الأوضاع المادية لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين: ويمثل قطاعا الموظفين والعسكريين دورا أساسيا في بناء الوطن وحمايته. ولا يخفى على أحد أهمية القطاع الحكومي في عملية التقدم والتنمية، فهذا القطاع الواسع، يقدم الخدمات المختلفة للمواطنين والوافدين، ويعبر عن الوجه الحضاري للدولة، فوق ذلك، فإن للإدارة الرشيدة دورا كبيرا في التنمية، أو كما يقول عالم الاجتماع الأمريكي توفلر ''الإدارة هي إدارة الإبداع''. وتزداد أهمية المؤسسات العلمية والجامعات في عصر العولمة بوصفها أصبحت مؤسسات تنتج المعرفة.
مواجهة مشكلة البطالة: والمعروف أن البطالة هي بوابة الفقر. وقد حذر الإسلام من هذه الظاهرة، كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: ''لو كان الفقر رجلا لقطعت يده''. ويعني ذلك أن الفقر مفسدة، وطريق إلى الفساد. وبتحديد الحد الأدنى لرواتب العاملين كافة في الدولة من السعوديين بثلاثة آلاف ريال وصرف معونة ألفي ريال شهريا للباحثين عن العمل في القطاعين العام والخاص، وإحالة موضوع البطالة إلى وزارة العمل ومساعدة الباحثين عن عمل واستحداث فرص عمل جديدة، ونشر ثقافة العمل والاعتماد على النفس، تكون الدولة قد قطعت شوطا على طريقة مكافحة البطالة، وما يترتب عليها من مشكلات اجتماعية كالتفكك الأسري والانحراف والمخدرات ....الخ.
تأمين السكن: السكن حق من حقوق الإنسان، وقد اهتم الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، اهتماما كبيرا بهذا القطاع، من خلال مؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي ومساعدة الفقراء، ومن خلال رفع قيمة الحد الأعلى للإسكان العقاري من 300 ألف إلى 500 ألف ريال، واعتماد بناء 500 ألف وحدة سكنية في مناطق المملكة كافة وتخصيص مبلغ إجمالي لذلك قدره 250 مليار ريال؛ وذلك لتمكين المواطنين من امتلاك المسكن. مكافحة الفساد هي الشرط الأساسي للتنمية البشرية: ومن هذا المنطلق أكدت القرارات الملكية حماية المال العام ومحاربة الفساد والرشوة والواسطة والمحسوبية وقيام سلطة القانون، وللفساد أوجه مختلفة، قد يأخذ شكل المحاباة لجماعة معينة، أو يعني سوء الإدارة واستخدام النفوذ لتحقيق مآرب معينة، أو سوء استخدام المال العام والرشوة...الخ.
التكافل الاجتماعي وتوفير الرعاية الصحية المتكاملة والشاملة، وذلك من خلال إنشاء مراكز صحية جديدة والتوسع في أخرى موجودة.
حق الأمن: وهو حق من حقوق الإنسان؛ ولتحقيق ذلك نصت القرارات الملكية على دعم هذا القطاع من خلال استحداث 60 ألف وظيفة عسكرية لوزارة الداخلية، كما نصت على تأمين حقوق والتزامات حماة الوطن وحراسه، ومن يضحون بالنفس والنفيس في سبيله.
ونصت القرارات الملكية على ''آداب التعامل مع علمائنا''، انطلاقا من قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) هؤلاء هم أهل العلم وحراس العقيدة، وأصحاب الدور الأساسي في الإعلام، والتوجيه، ولهم مكانتهم الرفيعة في الدولة والمجتمع.
مراقبة الأسعار والأسواق: لقد نصت القرارات الملكية على تعزيز الرقابة على الأسواق ومراكز البيع في جميع مناطق المملكة للحد من التلاعب في الأسعار ومضاعفة جهود وزارة التجارة والصناعة، واستحداث فرص عمل لذلك.