قراءة في الأوامر الملكية
في يوم الجمعة "جمعة الحب والوفاء" 13/4/1432هـ، أطل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على شعبه الكريم مخاطبا لهم بكل عبارات الحب والاعتزاز والفخر، استهل كلمته بقوله: "أيها الشعب الكريم كم أنا فخور بكم والمفردات والمعاني تعجز عن وصفكم"، واصفا شعبه بأنهم صمام الأمان لوحدة هذا الوطن المعطاء، مشيدا بموقفهم النبيل، حيث صفعوا الباطل بالحق والخيانة بالولاء وصلابة الإرادة المؤمنة، وهذا الحب من المليك لشعبه حب متبادل؛ فهو - يحفظه الله - في قلب كل مواطن وفاءً وولاء وحبا، وفي المقابل فإنه يحملهم دائما في قلبه الكبير، وقد أكد - حفظه الله - على صدق حبه بتلك الأوامر التي بلغت 20 أمرا تفيض بالخير والعطاء والنماء لهذا الشعب الكريم والوطني الغالي، ومما أسعد القلوب وسر النفوس ذلك الاهتمام الكبير والعناية الفائقة بالعلم والعلماء والدعوة والدعاة والقرآن وأهله والحسبة ورجالها، حيث صدرت سبعة أوامر تتعلق بهذا الجانب وليس بمستغرب على خادم الحرمين الشريفين أن يولي هذا الأمر عنايته وجُل اهتمامه فهو يجسد سياسة هذه الدولة التي قامت منذ تأسيسها على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والتزمت بالشريعة تطبيقا وتحكيما وأولت العلماء قدرا كبيرا من الاحترام والتقدير والإجلال؛ ولهذا لم نعجب ولم نستغرب تلك الوقفة الإيمانية الصادقة والتحذيرات الصارمة لجميع وسائل الإعلام بعدم المساس أو التعرض لأي منهم بالإساءة أو النقد، وأن على الإعلام أن يعكس نهج الدولة المستند على الكتاب والسنة في تحقيق ذلك من خلال تعامله مع علمائنا الأجلاء.
هذه اللفتة كانت موضع تقدير الجميع فقد حفظت للعلماء مكانتهم وعرفت لهم قدرهم؛ فعلماؤنا الأفاضل هم أهل العلم وحراس العقيدة، وهم من حباهم الله حسن الهدى وعلو السمت على شرعنا المطهر، كما حظي الإفتاء والفتوى بعناية خاصة من المقام الكريم؛ فصدر أمران كريمان، أحدهما يتعلق بإنشاء مجمع فقهي تحت إشراف هيئة كبار العلماء ليكون ملتقى علميا تناقش فيه القضايا والمسائل الفقهية وينضوي تحته نخبة من الكفاءات العلمية المؤهلة تأهيلا شرعيا عاليا ليقدموا من خلال هذا المجمع أطروحاتهم العلمية ويتم فيه مناقشتها وإبداء الرأي حولها والخروج بدراسات وأبحاث وقرارات رصينة، وهذا بلا شك خطوة موفقة ومسددة فمراكز البحوث والدراسات والمجامع العلمية لها أهمية كبيرة في ترشيد المسيرة العلمية وفق ثوابتنا الراسخة.
أما الأمر الآخر، فهو إنشاء فروع للرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء في جميع مناطق المملكة، وجاء ذلك استشعارا من خادم الحرمين الشريفين بأهمية الفتوى وتبصير الناس بشؤون دينهم، وبلادنا - ولله الحمد - غنية بكفاءات علمية متميزة على قدر عال من البصيرة والحكمة وانتهاج أسلوب الوسطية والاعتدال وهم أهل للقيام بواجب الفتوى الشرعية والتي يحتاج إليها الناس في مختلف المناطق.
ولأن هذه الدولة إنما قامت وتأسست على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والعناية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عزوجل ؛ لهذا كله رأينا في هذه القرارات اهتماما واضحا بهذه الأسس وعناية خاصة بهذه المعاني فجاء الأمر الكريم بدعم مكاتب الدعوة والإرشاد بـ 300 مليون ريال ودعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم بمبلغ 200 مليون ريال، وذلك كما جاء في الأمر الكريم انطلاقا من أهمية حفظ كتاب الله وتعلمه ولما له من أثر مبارك في تربية النشء وارتياحا منه - يحفظه الله - للعمل المبارك الذي تضطلع به الجمعيات الخيرية.
أما الهيئات فهي الجهة المشرفة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الشعيرة من الركائز الأساسية التي قامت بها وعليها هذه الدولة المباركة، ومن هنا جاء دعمها بـ 200 مليون ريال لاستكمال بناء مقراتها؛ إيمانا منه - يحفظه الله - بأهمية هذه الشعيرة، وإدراكا منه - وفقه الله - لأثرها العظيم في سلوك المجتمع المسلم، وحرصا منه - أيده الله - على هذه الفريضة الإسلامية التي أولتها المملكة ما تستحق من العناية والرعاية، واعتزازا من المقام الكريم برفع شعارها ودعم رجالها ورعاية أعمالها جاء هذا الدعم السخي، ورغبة من المقام الكريم في أن تظهر بيوت الله بما يليق بها من البناء والتجهيز والرعاية لتحقق العمارة الحسية والمعنوية جاء الأمر الكريم بتخصيص 500 مليون ريال لترميم المساجد، وهي لفتة كريمة من قائد مسلم يعرف لبيوت الله قدرها فهو خادم الحرمين الشريفين، وهو شرف ما بعده شرف.
أما المواطن فهو قطب الرحى ومحل عناية خادم الحرمين الشريفين واهتمامه؛ ولهذا جاءت حزمة كبيرة من الأوامر لخدمة المواطن وتهيئة سبل الحياة الكريمة له ليعيش حياة هانئة مطمئنة ليشارك في بناء الوطن ويسهم في مسيرته التنموية. وقد ركزت الأوامر على معيشة المواطن مسكنه وصحته فتم إحداث 60 ألف وظيفة عسكرية لوزارة الداخلية ليتقدم إليها أبناء هذا الوطن ويسهموا مع إخوانهم في التشرف بالدفاع عنه كما صدر الأمر الكريم بترقية جميع مستحقي الترقية من الضباط من تاريخ استحقاقهم الترقية وجميع الأفراد من تاريخ صدور هذا الأمر الكريم، وما ذلك إلا إدراك من خادم الحرمين الشريفين لأهمية هذه الشريحة من رجال أمننا البواسل وإخوانهم في جميع القطاعات العسكرية، وما يقومون به من أعمال جليلة وجهود كبيرة في الذود عن حياض الوطن وحماية مكتسباته ومقدراته.
ومن الأوامر المهمة المسارعة الفاعلة والجادة في سعودة الوظائف وإحلال أبناء المملكة فيها ليجد المواطن فرصة العيش الكريم في جميع القطاعات الحكومية والخاصة، ويلاحظ أن عبارات الأمر توحي بالعزم الصادق والرغبة الأكيدة في معالجة هذا الملف المعقد؛ ولهذا جاءت العبارة هكذا (المسارعة الفاعلة والجادة...)، وأحسب أن عبارة واحدة من هذه العبارات كافية لتشعر أصحاب الشأن من المسؤولين عن هذا الملف وجميع الشركات والمؤسسات بأن هذا الأمر يحظى بعناية المليك واهتمامه وأنه يرغب في معالجته على وجه السرعة معالجة فاعلة وجادة.
وإلى أن يجد المواطن الباحث عن العمل فرصته في إيجاد الوظيفة المناسبة لمؤهله وتخصصه جاء الأمر الكريم بصرف مخصص مالي شهري مقداره ألفا ريال تصرف للباحث عن العمل في القطاعين العام والخاص إلى أن يجد فرصته في الحصول على وظيفة مناسبة؛ ولأن من على رأس العمل لا يقلون أهمية عن غيرهم من أبناء هذا الوطن فقد جاء الأمر الكريم بصرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة مدنيين وعسكريين، وكذالك صرف مكافأة شهرين لطلاب وطالبات التعليم العالي وهذه لفتة أبوية كريمة ونظرة حانية لتحسين وضع هؤلاء الموظفين والطلاب وتحفيزهم بهذه المكافأة المجزية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ولوجود فئات من موظفي الدولة يعانون من قلة الرواتب وضعف الدخل جاء الأمر الكريم باعتماد الحد الأدنى لرواتب فئات العاملين كافة في الدولة من السعوديين بثلاثة ريال، وفي هذا لفتة جميلة لهذه الشريحة المهمة من ذوي الدخل المحدود من صغار الموظفين، ولأن صحة المواطن وسلامته من الأمور المهمة جاء الأمر الكريم باعتماد 16 مليار ريال لتنفيذ وتوسعة عدد من المدن الطبية والمستشفيات التخصصية الطبية ومراكز الرعاية الأولية في عدد من مدن المملكة، وهو بلا شك مبلغ كبير لمرفق من أهم المرافق؛ إذ إن صحة المواطن من أهم الأمور التي يجب أن يعتني بها وسيجد أبناء المملكة في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها مدنا طبية ومستشفيات تخصصية متقدمة يجد فيها كل ما يحتاج إليه من التخصصات والتي كان يحتاج معها إلى السفر إلى مناطق أخرى.
وفي المجال الصحي ولتشجيع الاستثمار في هذا القطاع المهم جاء الأمر الكريم برفع الحد الأعلى في برنامج تمويل المستشفيات الخاصة من 50 مليون ريال إلى 200 مليون ريال، وهي قفزة هائلة تؤكد اهتمام الدولة بصحة المواطن وراحته.
أما السكن فقد حظي بحزمة من الأوامر المهمة، حيث تم اعتماد 500 ألف وحدة سكنية في مناطق المملكة كافة، وخصص لهذا المشروع الحيوي الكبير 250 مليار ريال، وهو مبلغ كبير لمشروع يستحق الاهتمام والعناية؛ لأن مشكلة السكن مشكلة عالمية والسعي الجاد إلى علاجها أمر في غاية الأهمية؛ فالسكن مطلب ضروري لكل مواطن يشعر فيه بالأمن والراحة والطمأنينة، ولم يقف أمر الإسكان عند هذا الحد فصدر الأمر الكريم برفع الحد الأعلى للقرض السكني من صندوق التنمية العقاري من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال، إضافة إلى ما سبق وأن ضخ فيه من أموال تزيد على 40 مليار ريال لمواجهة طلبات راغبي الاقتراض من الصندوق لبناء مساكن خاصة.
ولأن العسكريين من الشرائح المهمة في مجتمعنا لما يقومون به من أعمال جليلة في سبل الدفاع عن الوطن وحماية مكتسباته فقد صدر الأمر الكريم لتلك القطاعات بمناقشة قضايا إسكانهم مع وزارة المالية لمعالجتها بشكل سريع وعاجل؛ ولأن مثل هذه المشاريع الكبيرة وغيرها من مشاريع الدولة وبرامجها التنموية تحتاج إلى قدر من الرقابة والمتابعة ليتم تنفيذها في جو آمن من النزاهة والبعد عن الفساد المالي أو الإداري ولكون خادم الحرمين الشريفين هو مهندس الإصلاح وعدو الفساد والمفسدين فقد صدر توجيهه الكريم بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، وكذلك أمر بإحداث 500 وظيفة لوزارة التجارة والصناعة لدعم جهود الوزارة الرقابية.
هذه إلماحة سريعة وقراءة عاجلة لتلك الأوامر الملكية الكريمة التي تهدف إلى تنمية وطننا العزيز المملكة العربية السعودية، وخدمة أبناء هذا الوطن الأوفياء الذين يستحقون التكريم، حيث أثبتوا للعالم كله أنهم شعب وفيٌ أصيل يحمل من الحب أجمله ومن الولاء أصدقه لقائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الذي يبادلهم الحب نفسه والوفاء نفسه، كما أنهم أكدوا للعالم أنهم شعب متدين على قدر كبير من الصلاح والاستقامة والوعي بمخططات الأعداء وقفوا مع ولاتهم والتفوا حول قادتهم وحافظوا على وطنهم وصدروا عن علمائهم الكبار فلقنوا ذلك العدو المتربص درسا لن ينساه، حيث أفشلوا مخططاته وقالوا بصوت مرتفع تسمعه الدنيا كلها: "لا للخونة والخيانة"، ورددوا: (الشعب يحب عبد الله بن عبد العزيز).