«فيفا».. بين الفساد وهيمنة بلاتر ورياح التغيير

في ختام المقالات الداعمة لمحمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي والفارس العربي الذي انبرى للدخول في منافسة السويسري جوزيف بلاتر البالغ من العمر 75 عاماً والذي يتولى رئاسة الـ ''فيفا'' منذ عام 1998 ويسعى للفوز بآخر فترة رئاسية له لمدة أربعة أعوام أخرى، وعلى الرغم من أننا لا ننكر إسهام الرجل خلال فترة عمله بالـ ''فيفا'' والسعي لتطوير كرة القدم العالمية، ولكن لابد أن نذكر إخفاقاته خاصة أنه في خلال هذه الفترة سقطت الـ ''فيفا'' في العديد من اتهامات الفساد وتعددت في مفرداتها وتناقضاتها مثلما حدث في أمور كثيرة ومنها معارضته لتكنولوجيا خط المرمى في البداية، ثم من أجل عيون أربع سنوات أخرى في إمبراطورية الـ ''فيفا'' أعلن أخيرا عن قبوله تطبيق هذه التكنولوجيا خلال بطولة كأس العالم 2014 في البرازيل.
هذا البلاتر شخصية غريبة متناقضة فقد بدأ حياته المهنية سكرتيراً لهيئة السياحة في فاليه وعمل أميناً عاماً للاتحاد السويسري للهوكي على الجليد خلال الفترة من 1964 إلى 1966 ثم عمل مديراً إعلامياً لجمعية الصحافة الرياضية السويسرية من 1966 إلى 1968، ثم عمل مديراً لدائرة أجهزة قياس التوقيت الرياضي والعلاقات العامة والتسويق في شركة لونجين لصناعة الساعات خلال الفترة من 1968 إلى 1975، وشارك في تنظيم الألعاب الأولمبية في ميونيخ عام 1972 مونتريال 1976، ثم انضم للـ ''فيفا''، وأصبح مديراً لبرامج التطوير عام 1975، وأميناً عاماً 1981 ومديراً تنفيذياً 1990، ثم انتخب رئيساً للـ ''فيفا'' في الثامن من حزيران (يونيو) 1998 خلفاً للبرازيلي جواو هافيلاند وأعيد انتخابه لولاية ثانية في 31 من أيار (مايو) 2007، ومنذ تولي جوزيف سيب بلاتر رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم وانتصاره الساحق على يوهانسون رئيس الاتحاد الأوروبي 1998 والذي ظن فيه المتتبعون للحركة الرياضية العالمية أن عهداً جديداً ربما يطل على كرة القدم من خلال تولي بلاتر رجل الهوكي والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام، ولكن بالرجوع إلى التاريخ الرياضي نجد أن هافيلانج هو الذي بدأ وقاد مسيرة التطوير لكرة القدم العالمية الفعلية من كل النواحي وفي كل أقطار العالم، ولتصبح اللعبة الشعبية الأولى في العالم. وقد ترك رئاسة الـ ''فيفا'' عام 1998، وكان آنذاك بلاتر هو السكرتير العام للاتحاد الدولي وأحد الذين أسهموا في صنع إمبراطورية كرة القدم فقد كان السكرتير العام للـ ''فيفا'' لمدة 17 عاما قبل أن يتولى الرئاسة عام 1998 ولا يزال حتى اليوم لكن وضع الـ ''فيفا'' أصبح يواجه المتاعب بين الحين والآخر بل في كل مراحله، وكان من ضمنها فضيحة الأمين المالي للـ ''فيفا'' الذي حاول التطاول على بلاتر في الانتخابات فمسح بلاتر به الأرض وصار من التاريخ بعد فوز بلاتر بالرئاسة لكن بالتأكيد هذه ليست أول وآخر فضائح الـ ''فيفا''، وأصبح السويسري بلاتر متهماً بتلويث سمعة المنظمة الدولية خاصة أنه يلعب دوراً تنفيذياً كبيراً وفي إحدى شطحاته اتخذ قراراً بشكل تعسفي لأنه لم تتم مناقشته في الهيئة التنفيذية بل إن هذه الخطوة لم تحصل على موافقة اللجنة التنفيذية للاتحاد، وذلك بتخصيص 20 مليون يورو من أموال الـ ''فيفا'' لفريق العمل لمكافحة الفساد بالتعاون مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية ''الإنتربول''، وبذلك تجاوز الرئيس حدوده التنفيذية وهو ليس بالأسلوب المتسق مع الإجراءات المناسبة للـ ''فيفا'' وهل يعقل أن تمول الـ ''فيفا'' نشاطات الإنتربول واتحاداتها التابعة لها تعاني الفقر والقحط المادي، وهذا يعتبر أمراً واضحاً وفاضحاً لجر اسم أعظم رياضة في العالم وأشهرها ومنظمتها الرائدة إلى الوحل على حد تعبير بن همام مرة جديدة، وبالتالي فقد تلوثت سمعة الهيئة الدولية بما لا يقبل المقارنة مما يوجب التغيير، وهذا ما يعطى المؤشر بالتخبط الإداري والعشوائي باتخاذ القرارات الفردية من بلاتر مما يحتم التغيير خاصة أن الروائح النتنة فاحت من هذه الإمبراطورية والدليل على ذلك المراهنات غير القانونية والتلاعب بنتائج المباريات وهي أمور تهدد نزاهة اللعبة الشعبية على مستوى العالم.
إن كرة القدم أصبحت عشقا للملايين وهي متعة حسية ومعنوية ولابد من أن تكون على أعلى مستوى في العمل الإداري والفني، لذلك يجب إجراء التغييرات الإيجابية حول العالم.. خاصة أن سمعة الـ ''فيفا'' قد لطخت إلى حد كبير وهو الوقت المناسب لإجراء هذا التغيير، إننا لا ننكر ما قام بلاتر من تطوير في كرة القدم، ولكن نحن ننظر للمستقبل فهل بلاتر قادر على تقديم الجديد؟، أنا لا أعتقد ولم يعد بلاتر في موقف يسمح له بتطوير الـ ''فيفا'' أو حتى الدفاع عن مكتسباتها لارتباط عهده بفضائح كثيرة تثير عدة تساؤلات، كما أن هنالك فوارق كبيرة وتدور العجلة في حلقة مفرغة لأن الرؤية لم تتغير ولم تتطور ولم يأت بلاتر بجديد وانعدمت الرؤية حول أي صورة من صور البرامج التي تنبئ بإبداع في العمل، ولذلك فلنعط الفرصة لشخص آخر أكثر قابلية لإحداث التطور الذي ينشده الجميع ولابد من ظهور أجواء جديدة في الـ ''فيفا'' ومنح الفرصة لضخ أفكار جديدة تعيد توجيه المسار لانطلاقة تزيد من متعة كرة القدم في جميع مرافقها.
فهناك الكثير من الأمور التي تثير حفيظة الملاحظين والمتتبعين لكرة القدم التي أصبحت تدار كما يدار العالم من قوة عظمى مدعومة من شركات كبرى (مثل نايك وديادورا وبوما وكوكاكولا وبيبسي ونايك وغيرهم)، ودول تنتظر نصيبها من الكعكة، فمداخيل الاتحاد الدولي حالياً تشبه الأرقام الفلكية، ولكن تبقى علامات الاستفهام فلماذا لا تستفيد الاتحادات الأعضاء، وهنالك أسلوب يغازل به الـ ''فيفا'' الدول جمعاء، فالتأهل إلى كأس العالم حلم كل الدول والمشاركة فيه إنجاز للبعض والخروج منه وصمة عار للفرق القوية، لذلك نشاهد التوزيع الغريب الذي يتغير من فترة إلى فترة والأعجب هو كيفية ضمان الـ ''فيفا'' لمقاعد بعض الدول مثل أمريكا وإعطاء لدول الكونكاكاف لثلاثة مقاعد وهي لم تحقق مركز أبعد من دور الثمانية علما أن معظم هذه الفرق عبارة عن دويلات لا تشكل إلا عددا في كرة القدم بل وتنسحب كثيرا قبل البطولات، وفي تصفيات الأولمبياد السابقة انسحب من التصفيات سبع دول.
ودار الكثير من الجدل في كأس العالم 2006 بسبب قرعة كأس العالم التي كانت تحتوي على الكثير من الظلم للبعض والكثير من التساهل للبعض الآخر، كما حصل في مجموعات ضعيفة مثل (البرازيل ــــ كوستاريكا ــــ تركيا ــــ الصين) (كوريا ــــ بولندا ــــ أمريكا ــــ البرتغال)، ومجموعات قوية (الأرجنتين ـــ السويد ـــ إنجلترا ــــ نيجيريا) (ألمانيا ـــ السعودية ـــ إيرلندا ـــ الكاميرون)، وذلك لأن الـ ''فيفا'' يقول إنه يعتمد على آخر ثلاث مشاركات في كأس العالم والتصنيف الدولي للفرق، فمجموعة مثل ألمانيا كانت الفرق مشاركة في آخر ثلاث بطولات وفرق مجموعة البرازيل لم يشارك إلا البرازيل في كأس العالم للبطولات الثلاث الماضية وبمناسبة القرعة فقد فضح ماردونا الـ ''فيفا'' بقصة التلاعب في القرعة من أجل عيون بعض الفرق العالمية لضمان مشاركاتها وتأهلها مما أحدث ثورة ضده في ذلك الوقت وشنت عليه حربا لا هوادة فيها، كما أن هناك مواضيع تحدث في كرة القدم العالمية وفضائح تظهر وذلك بعقوبات تطبق البعض، بينما هناك البعض يسرح ويمرح من دون عقاب فلاعب مثل مارادونا الذي تم إيقافه مرتين بسبب تعاطيه المخدرات قالت ''فيفا'' إنه كان يتعاطى قبل الإيقاف إذا لماذا لم يتم إيقافه إلا بعد أن حارب الـ ''فيفا'' ورفض مصافحة بلاتر وبجعله كاسترو الصديق الشخصي له؟ بينما هناك الكثير من اللاعبين الإيطاليين على وجه الخصوص كانوا يتعاطون منشطات دون أن يتم إيقافهم دولياً أو محلياً، مع العلم أن الفحوص كانت تقام منذ الثمانينيات ولم يتم التطرق إلى المشكلة إلا بعد تصريح زيمان الشهير وبدء الحرب ضد المنشطات الإيطالية التي كانت تشمل منشطات على اللائحة الممنوعة ومنشطات خارج اللائحة الغريب أن هناك مواد منشطة غير ممنوعة مثل الكراتيين، بينما هناك بعض المواد الداخلة في الأدوية ممنوعة.
لقد أصبح بلاتر من الأشخاص المثيرين للجدل فهو يصرح ويتدخل في أمور كان من باب المكانة الإدارية أن تتولاها جهات تنظيمية أو فنية مثل تصريحاته بخصوص ملابس الكاميرون وملابس اللاعبات وقبلها بخصوص إقامة كأس العالم كل سنتين وغير ذلك مثل مشاركاته في القرعة شخصياً، وهذا ما أثار الشكوك في مدى دقة هذه القرعة واستخدام الكرات الحارة والباردة للتأثير على القرعة غير ذلك طريقة مغازلة الدول، فمثلاً دورة الخليج التي تلاقي اهتماماً كبيراً من الخليجيين ومعارضة من الاتحادات الأخرى نرى بلاتر يقول إنه سيدرجها في مسابقات الـ ''فيفا'' ومرة أخرى يسكت عن الموضوع ولا يزال بلاتر بين هذا وذاك ولا يزال المؤيدون والمعارضون في حالة جدل استمر أكثر من 20 عاما ولم يحسم حتى الآن لأن بلاتر واضعها قضية يساوم بها إذا دعا الأمر.
وهناك قضية أفضل لاعب في العالم وهي التي يتم فيها في كل سنة اختيار لاعب العام لكن طالما أثار هذا الاختيار الجدل كثيراً وغالبا ما كان يتعارض مع بعض المجلات المتخصصة في كرة القدم مثل الفرانس فوتبول، والغريبة أنه في كل عام يتم الاختيار بطريقة معينة فمرة تم اختيار زين الدين زيدان كأفضل لاعب في العالم بناء على اختيار مدربي المنتخبات الوطنية لدول العالم مع فرض وصاية باختيار ثلاثة، كما يحصل كل عام، والموسم الذي تلاه تم اختيار رونالدو مع أنه غاب معظم الموسم لكن تألقه اللافت في كأس العالم جعل الـ ''فيفا'' يختاره أفضل لاعب في العالم حتى مع عدم قناعة مدربه سكولاري الذي فضل زميله ريفالدو، ويكفي أن نعلم أن لاعبين مثل روبرتوكارلوس وباتيستوتا وهنري وفييري لم ينالوا هذه الجائزة لندرك كم هي ظالمة ومثلها قصة لاعب القرن الـ 20 والتي حدث خلاف حولها، كما كان متوقعا ووقع الـ ''فيفا'' في خطأ طرح الترشيح عن طريق الإنترنت فوقع الاختيار على مارادونا، لكن تدارك الـ ''فيفا'' الأمر وتم إعطاء بيليه لقب أفضل لاعب عن طريق خبراء الـ ''فيفا'' ومارادونا هو أفضل لاعب عن طريق الإنترنت، وهذا قمة الظلم للاعبين مع بعض فإما أن يعطى بيليه مع قناعة الـ ''فيفا'' أو يعطى مارادونا مع قناعة الجمهور الذي صوت له، هكذا تتم الأمور وفق الأهواء الشخصية دون حرج.
وهذا الرجل يتمتع بدهاء كبير لأن الإنجليز فعلوا الكثير من أجل إبعاده عن السلطة في الـ ''فيفا'' ولكن الرجل بدهائه ما زال صاحب السلطة الأكبر في عالم كرة القدم، وعلى الرغم من أن الشارع الإنجليزي شن ضده هجوما لاذعا وسكبت خسارة إنجلترا لشرف تنظيم كأس العالم 2018 الزيت على النار، حيث تم اتهامه بالرشوة وبدأوا في البحث وكشف عن حالات الفساد في إدارته، واتخذوا القرار الصائب بأنهم سيدعمون بن همام لرئاسة الـ ''فيفا'' وسيعملون ما في وسعهم لإسقاط بلاتر من كرسي الرئاسة، ومخطئ من يعتقد أن مشكلات رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بلاتر مع الإنجليز بشكل عام والاتحاد الإنجليزي ومسؤوليه بشكل خاص اليوم أو أمس بل أنها مشكلة متفاقمة تجر أذيالها عبر التاريخ، لأن التاريخ الذي لا يكذب يعرف أن الإنجليز دعموا الكاميروني عيسى حياتو في 2002 لتولي منصب رئاسة الـ ''فيفا'' على حساب بلاتر إلا أن مساعيهم باءت بالفشل ولا يزال الرجل السويسري هو صاحب السلطة الأعلى في عالم الساحرة المستديرة.
وبين شد وجذب يبقى التساؤل الأكبر مطروحا.. لماذا يرى الإنجليز بجميع أطيافهم أن بلاتر ضدهم؟ ولماذا يتدخل بلاتر في الشأن الإنجليزي بصورة أكبر من غيره، منتقدا كثيرا من قرارات الاتحاد المحلي واللاعبين والمدربين ولم يبق على شيء إلا وانتقده؟ التساؤل الأول ربما تجيب عنه تصرفات بلاتر التي باتت واضحة للعيان، ولكن كل ذلك ليس كافيا حتى الآن لوضع النقاط على الحروف في العلاقة المتوترة بين الجانبين، فإذا علمنا سبب كره الإنجليز لهذا الرجل، نجد أنهم يكرهونه ولأنه يتعامل مع الـ ''فيفا'' وكأنها مؤسسة خاصة به.
وتشير آخر التقارير الصادرة من الصحافة الإنجليزية أن الاتحاد سيدعم أي مرشح ضد بلاتر خلال العملية الانتخابية المقررة في حزيران (يونيو) المقبل، ليجدد بذلك موقفه الذي سجله في 2002، مضيفة أن القطري محمد بن همام يبدو المرشح الوحيد لمنافسة بلاتر ما يعني أن الإنجليز سيقومون بكل ما في وسعهم لتنصيبه رئيسا لـ ''فيفا''.
ورغم غموض القضية بين الجانبين إلا أن تصرف الإنجليز في دعم بن همام يبدو سببه واضحا، حيث يشعر المسؤولون في الاتحاد الإنجليزي بغضب شديد على خلفية عملية التصويت على اختيار الدولة المنظمة لكأس العالم 2018، والتي حظيت بشرف تنظيمها روسيا، في حين نالت إنجلترا صوتين فقط في التصويت الذي أجري في 2 ديسمبر الماضي، واتهمت إنجلترا بلاتر ومعاونيه بتلقي رشوة لإنجاح الملف الروسي.. حيث نشرت صحيفة ''جارديان'' تقريرا حول الأحداث، مؤكدة أن رئيس الاتحاد الدولي اجتمع مع شخصيات روسية مطلوبة من الشرطة الدولية ''إنتربول'' قبل عملية التصويت لاختيار البلد المنظم، وعلى الرغم من بلاتر نفى بشدة تلك الأحداث إلا أن الإنجليز الذين يتمتعون بإعلام يعد من الأقوى تأثيرا على الساحة، ردوا عليه بطريقة لم يكن يتوقعها حين بث صوراً له مع واحد من أشهر شخصيات المافيا الروسية ويدعى اليمزان توختاخينوف ويعد من المطلوبين لدى الشرطة الدولية لتورطه بجرائم عدة ويصنف من ضمن أخطر الرجال في روسيا.
وتؤكد الصورة قبول بلاتر إحدى الدعوات التي تلقاها في أحد الملاهي الليلية، حيث كان حاضراً أيضاً واحد من المسؤولين عن الملف الروسي .. وحتى وإن حاول بلاتر التأكيد على نزاهته في هذا الشأن إلى أنه قام بتصرف ''غير مسؤول'' بقبوله الجلوس مع رجل مطلوب ''أمنيا'' وآخر يمثل الملف الروسي وبذلك تكون الصحف الإنجليزية قد نجحت في إثبات بعض الفساد الإداري لدى ''فيفا'' من خلال صحيفة ''صنداي تايمز'' التي كشفت عن عملية بيع أصوات بين أعضاء ''فيفا'' للملفات المرشحة لاستضافة كأسي العالم في عامي 2018 و2022، حيث أصدرت لجنة الأخلاق التابعة للاتحاد الدولي عقوبات تتراوح بين عام واحد وأربعة أعوام بحق ستة أعضاء، ومن ضمن ''مغامرات'' بلاتر مع الإنجليز اتحادا وأندية ومدربين ولاعبين، انتقاده للسير إليكس فيرجسون خلال مفاوضات ريال مدريد للاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو، حيث اتهم بلاتر حينها العجوز الأسكتلندي بمعاملة اللاعب على أنه ''عبد'' مضيفا أنه سيقف في صف اللاعب.
وأطلق بلاتر حينها تصريحاً مدوياً قال فيه: ''الكثير من العبودية الحديثة تتواجد في كرة القدم الآن .. أنا دائما أبحث عن مصلحة اللاعب'' وما زاد من استغراب الجميع أحوال هذا الموضوع، أن غالب صفقات النجوم يحدث بها شد وجذب، ويحافظ النادي الأصلي للاعب على حقه المحفوظ في العقد، إضافة إلى أن حصوله على مبلغ عال من المال من أبسط حقوقه، وإذا كان للاعب حق فإن ناديه هو الآخر له حق أكبر وبكثير.
وقد تدخل بلاتر أيضاً في قضية تخص الاتحاد الإنجليزي أكثر من غيره عندما طالب بإيقاف لاعب مانشستر يونايتد واين روني، ولكيلا يعتقد البعض أن تصريحات بلاتر تأتي ضد مانشستر يونايتد فقط وليس الإنجليز بشكل عام، سبق لبلاتر أن انتقد تشلسي وبشدة، وتحدث بتهكّم عن مالكه الروسي رومان ابراموفيتش .. بلاتر لا يجد حرجا في أن يصبح رجلا قانونيا أو رجل أعمال أو خبيرا اقتصاديا أو إعلاميا وربما سياسيا، لذلك اعتبر ابراموفيتش وتشلسي ''مثالا لا يجب أن يحتذى به'' مضيفا بسخرية ''إذا طبقنا قانونا يمنع التعاقد مع أكثر من خمسة محترفين أجانب، سنرى كيف يتصرف ابراموفيتش بأمواله، هذه أمور لا يمكن أن يتدخل فيها رئيس أكبر إمبراطورية في العالم يجبن أن تكون هنالك آليات وجهات في الـ ''فيفا'' تقوم بمثل هذه الأعمال الآن أن الرجل يعتبر أن الـ ''فيفا'' هو شيء خاص به لذلك يتدخل فيما لا يعنيه.
دكتاتورية بلاتر جعلته يدخل في كثير من الأحايين في أمور لا تخصه ولا تسهم في تقدم كرة القدم العربية الذي هو يجب أن يكون الهم الأكبر لذلك مارس انتقادات الأندية والاتحادات في صغائر الأمور مثلا بدأ رأيه بعد أن عيّن الاتحاد الإنجليزي فابيو كابيللو مدربا للمنتخب الأول، ورغم فشل إنجلترا تحقيق أهدافها مع مدربين وطنيين على أقل تقدير في السنوات الأخيرة التي سبقت تعيين كابيللو، رأى بلاتر أن الاتحاد الإنجليزي ''خرق القواعد الدولية لكرة القدم'' وعندما أراد تبرير كلمته التي كان من الطبيعي عدم مرورها مرور الكرام قال ''لم أر مسبقا البرازيل أو إيطاليا أو ألمانيا بمدربين أجانب''.
ومما يذكر أن حالات التزوير المنتشرة في مباريات قطاعات الناشئين والشباب في العديد من الدول وقد وقعت الـ ''فيفا'' عليهم عقوبات كما وقعت على المكسيك ونيجيريا، ولكن البرازيل مع أنها كثر الدول تزويراً إلا أنها لا تطولها العقوبات كما تحدث للدول الأخرى رغم أنه في عام 1999 شهدت أربع حالات تزوير أثارت الكثير من الجدل ووصمت أصحابها بالعار وهي حالات: ساندرو هيروشي وبل وانيلسون وهنريكي واشتركوا في بطولات ضمن المنتخب البرازيلي هيروشي في بطولة تحت 17 عاما 1995 وهنريكي في بطولة الشباب عام 1999، وبل في عام 1995 وانيلسون في بطولة الشباب 1997، إضافة إلى رودريجو جرال عام 1999، وكل هذا لم يتعرض المنتخب البرازيلي لأي عقوبة مما يؤكد المحاباة وعدم العدالة في التعامل بين الاتحادات الأعضاء لأنه يعرف سلفاً تأثير البرازيل على مجريات الأحداث في عالم كرة القدم بجانب ذلك ارتبط اسم الاتحاد الدولي لكرة القدم في الفترة الأخيرة بالفضائح المالية، وهي كانت مادة دسمة للمحطات الفضائية العالمية وخاصة البريطانية قبيل قرار الاتحاد بالنسبة إلى تحديد الدول التي ستستضيف كأسي العالم لعامي 2018 و2022 (فازت بهما روسيا وقطر على التوالي)، وقد برزت إلى الواجهة فضيحة التقرير المالي السنوي للاتحاد بعمل زيادات كبيرة جداً على رواتب المسؤولين الكبار في الـ ''فيفا''، بلغت 56 في المائة في عام 2009، وهو ما مجموعه نحو 23 مليون يورو، علماً أن عام 2008 شهد زيادات على رواتب نفس لهؤلاء المسؤولين بلغت 18 في المائة، وهذا ما يسمى بالإطعام من الكعكة واللافت أن هذه المبالغ وزعت على عدد محدود من الأشخاص لا يتخطى الـ 30، منهم بطبيعة الحال رئيس الاتحاد والأعضاء للجنة التنفيذية، والأمين العام للاتحاد، وأربعة من شركائه وبذلك يبلغ راتب هؤلاء شهرياً إذا ما أضيفت له الحوافز وعائدات الإعلانات وغيرها، 112 ألفا و500 يورو، أي ما يقارب مليونا و350 ألف يورو سنوياً.
بل إن أمر الفضائح تعدى ذلك وتم توثيقه، فقد قام الصحافي البريطاني الشهير آندرو جينينغز بتأليف كتاب جديد بعنوان ''البطاقة الحمراء.. الخفايا المثيرة للفيفا'' يكشف مدى الفساد الذي وصل إليه الإتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا وفيه كشف عن رشا بلغت قيمتها مليون فرنك سويسري (650 ألف يورو) وضعتها شركة بيع المنتجات الرياضية إنترناشيونال سبورت ليزيور (أي إس إل) في حساب للـ ''فيفا'' في عام 1998، وذكر أن هذا المبلغ الكبير وضع باسم مسؤول كبير في الـ ''فيفا'' نظير مساعدة شركة أي إس إل وشريكتها الألمانية كيرتش التي تعمل في مجال الإعلام في الحصول على حق بث مباريات مونديال عام 2002 في كوريا واليابان و2006 في ألمانيا، ويكشف الكتاب أيضا عن أنه يشتبه في أن مسؤولي الـ ''فيفا'' قد اختلسوا مبلغ 80 مليون يورو دفعتها شركة أي إس إل للاتحاد الدولي مقابل حصول شركة جلوبو البرازيلية على حقوق بث مونديال 2002 و2006، وكشف الصحافي عن أن الرئيس السابق لشركة أديداس الألمانية للمنتجات الرياضية هورست داسلر هو الذي يقف وراء شركة (أي إس إل)، كما كشف عن أن داسلر هو الذي أتى بجواو هافيلانج رئيسا الـ ''فيفا'' في عام 1974 قبل أن يفرض جوزيف بلاتر في منصب السكرتير العام للـ ''فيفا'' في عام 1981 ويوجه الكتاب اتهامات مباشرة لرئيس الـ ''فيفا'' الحالي جوزيف بلاتر متهما إياه بأنه استعاد مبلغ 70 ألف فرنك سويسري من خزانة الـ ''فيفا'' بعد أن كان قد أنفقها على حملته الانتخابية الناجحة في عام 1998.
واستمرت تداعيات أزمة الفساد في بيع الأصوات لاستضافة كأس العالم 2018 ,2022 فقد تم إيقاف عضوين من اللجنة التنفيذية للـ ''فيفا'' هما: النيجيري أموس أدامو، ورينالد تيماري من تاهيتي بعد مثولهما أمام لجنة التحقيق، إضافة إلى التونسي سليم علولو، والمالي أمادو دياكيتي، وأهونجالو فوسيمالوهي من تونجا، والبوتسواني إسماعيل بامجي، والجدير بالذكر أن دياكيتي يشغل منصب رئيس لجنة الحكام في الاتحاد الإفريقي الكاف، والتونسي سليم علولو هو عضو الاتحاد الإفريقي ورئيس لجنة التفقد. أما البتسواني بامجي فهو رئيس اللجنة التنفيذية بالـ ''فيفا''، وكان مرشحا لخلافة عيسى حياتو في الكاف قبل أن تطيح بمصداقيته فضيحة بيع تذاكر في كأس العالم 2006 في السوق السوداء، هذه الأزمات ألقت بظلالها على نزاهة الـ ''فيفا'' أخيرا وأصبحت تشكك في الطرق التي تدار بها الأمور في إحدى أضخم المؤسسات العالمية.
نحن حينما نحاول أن نبرز المخالفات والتجاوزات التي حدثت في عهد بلاتر لا نقصد من وراء ذلك الإساءة للرجل فجهده مقدر وحقه محفوظ، ولكننا نود أن نبين أنه سبب تلك التجاوزات بسياسته التي يتبعها في إدارة هذه الإمبراطورية ولاعتقادنا الجازم بأن التغيير أصبح ضرورة من أجل مصلحة كرة القدم العالمية والعربية على وجه الخصوص ولأن بن همام يمكن أن يقوم بهذا الدور خير قيام ولأن العرب يجب أن يقوموا بدور القادة في المؤسسات الدولية وأولها إمبراطورية الـ ''فيفا''، أمنياتنا لمحمد بن همام التوفيق والنجاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي