العنصرية في الصغر
في ندوة أقيمت قبل عامين تحدث معالي نائب وزير العمل الدكتور عبد الواحد الحميد عن السعودة بأنها ليست عنصرية بل هي ضرورة تمليها الحاجة، موضحاً خلال تلك الندوة عدة تعريفات للعنصرية والتمييز العنصري وأنواعه المختلفة، وجميعها يشترك في اعتقاد تفوق أفراد أو مجموعة بشرية مقابل أفراد آخرين أو مجموعات أخرى من البشر تبعاً للجنس أو الجنسية أو الدين أو اللون أو المجموعة الثقافية أو العنصر الذي ينتمي إليه ذلك الفرد أو تلك المجموعة، وقد أشار معاليه في ذلك الوقت إلى أن هناك ممارسات موجودة في سوق العمل لا تمثل سياسة السعودة كاستراتيجية تدعمها الدولة من ذلك عدم وجود لائحة تسعى لتنظيم العمالة المنزلية وحقوقها وواجباتها وفق معايير منظمة العمل الدولية، إضافة إلى ما يحدث من فوقية في التعامل مع العمالة الوافدة، وفي لقاء لمعالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) مع مديري مكاتب العمل أوضح ضمن كلمته (للأسف الشديد استبد بنا شيء من الغرور بل ومن العنصرية وبدأنا نتصور أننا أفضل من أولئك – يقصد الوافدين – الذين أتونا كي يشاركونا عبء التنمية).
قضية العنصرية قضية شائكة وعلى الرغم من أن المنهج الإسلامي فيها واضح من خلال قوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ (لا فرق بين أعجمي ولا عربي إلا بالتقوى)، إلا أن النزاع العنصري كان موجوداً في التاريخ الإسلامي بين القبائل العربية، وقد حرصت العديد من الدول على مقاومة العنصرية، وفي عام 1965م أعلنت معاهدة الأمم المتحدة لإزالة كافة أشكال العنصرية والتفرقة، وفي عام 1997م انضمت المملكة العربية السعودية إلى تلك المعاهدة، ومع ذلك بقي حضور واضح للعنصرية من فترة إلى أخرى في العديد من المجتمعات الغربية والعربية.
في مجتمعنا ومنذ الصغر ينشأ الإنسان على عدد من الألفاظ العنصرية خصوصاً فيما يتعلق باللون أو الجنسية أو المنشأ أو الأصل أو الشكل أو القبيلة أو المنطقة أو طبيعة العمل أو الحالة الاجتماعية أو المستوى التعليمي وغيرها من الألفاظ العنصرية التي نقوم على تربية أولادنا عليها بقصد أو دون قصد وتأصيلها في عقولهم ، فإذا ما أردنا أن نقلل من قدرهم وصفناهم بلفظ من تلك الألفاظ، وإذا أردنا أن نعيب عليهم أمرا شبهناهم ببعض تلك الألفاظ، بل إننا نحرص على أن نتداول النكات فيما نعلق من خلال تلك الألفاظ على غيرنا لنضحك بعضنا البعض.
وترى البعض يذكر الله ويستشهد بالقرآن والسنة فإذا ما أراد أن يسأل عن إنسان قال ما أصله وما فصله وأين نشأته وما هي قبيلته وغيرها من الأسئلة المختلفة التي لا تخلو من تمييز عنصري مقيت، وفي المقابل تجد العنصرية تتألق في بعض الزيجات فما إن يتقدم أحد الرجال إلى عائلة ما ليخطب منهم لم يسألوا عن دينه ولا خلقه بل سألوا عن أصله وفصله.
قضية العنصرية داء لا يمكننا إنكاره وهو موجود في مجتمعنا من خلال أشكال مختلفة ولدى قطاعات كثيرة وهو خطر كبير يهدد وحدة هذا المجتمع، وعلاجه في نظري لا يكمن فقط في تأسيس هيئة وطنية أو وضع معاهدات دولية أو قوانين أو ضوابط بل قد يكون كل ذلك جزءا من العلاج، في حين أنه في رأيي يكمن الجزء الأهم من العلاج في التمسك بديننا الحنيف وتطبيق المبادئ الإسلامية على أرض الواقع وتربية الجيل على أن هذه العنصرية إنما هي جاهلية وأن التمييز والتفاخر بالأنساب والأحساب إنما هي أمراض قاتلة، فالمساواة والعدل اليوم هي أساس الاستقرار وحتى ننشر هذا المفهوم يحتاج منا إلى حل شامل ينطلق من المنزل ويمضي عبر المدرسة ويتأصل في أعمالنا وينتشر في مجتمعنا وكافة شؤون حياتنا وكل ذلك يحتاج منا إلى وقفة جادة لنعيش في أمن وأمان.