تعديل مبلغ الدية وحماية عملاء شركات التأمين
تناقلت الصحف خبر تعديل مقادير الدية في المملكة، التي تعتمد على أقيام الإبل، بحيث تكون دية العمد وشبه العمد بـ 400 ألف ريال، والخطأ بـ300 ألف ريال. ووفقًا لهذه المصادر فإن هيئة كبار العلماء بحثت في وقت سابق إعادة النظر في تقدير دية القتل الخطأ وشبه العمد التي بقيت ثابتة منذ نحو ثلاثين عامًا، وذلك بالرغم من الارتفاع الكبير في أسعار الإبل، إلى أن رفعت المحكمة العليا بطلب تعديل مقاديرها وتمت الموافقة على ذلك.
وأنا بدوري أثني على هذا القرار الذي طال انتظاره، وقد كتبت عدة مقالات في هذا الخصوص لا سيما بعد إقرار التأمين الإلزامي على المركبات، وذلك لأن الغالبية العظمى من الأحكام الخاصة بدية القتل الخطأ تخص المتوفين من حوادث السير. والحقيقة أن المستفيد من هذه الزيادة هم ورثة المقتول، فهم من يسحقون الحصول على تعويض مجزٍ نتيجة حصول هذه الجناية على النفس، لا سيما إذا كان المجني عليه أو الضحية هو العائل للورثة.
الأمر المتوقع والمؤسف في الوقت نفسه هو في التلميحات التي صدرت من مسؤولين في بعض شركات التأمين من أنهم بصدد رفع قيمة أقساط التأمين الخاصة بتأمين المسؤولية، وأهمها بلا أدنى شك أقساط التأمين الإلزامي على المركبات. فهم يرون أنهم هم الخاسر الأكبر من هذا القرار. وبعضهم يرى أن شركات التأمين هي المقصودة بمثل هذا القرار، ولذلك فهم لا يريدون أن ينفذ المستهلك بجلده من نقل الأعباء المالية الخاصة بهذا القرار عليه.
والحقيقة؛ إن المسألة ليست بهذه البساطة، فرفع الأسعار مسألة غير مقبولة، فهي ليست مجرد ردة فعل، أو كما يفعله التجار الجشعون الذين يتحينون الفرص لرفع أسعار السلع الخاصة بهم، فالتاجر الأمين يجب أن يُقنع المستهلك أو الجهة الرقابية بالأسباب والحيثيات التي أدت به إلى رفع سعر سلعته ومنها حصول ضرر معتبر متمثل في الخسارة المالية التي سيتعرض لها في حالة بقاء سعر السلعة على حاله. وهذا هو ما يفترض أن تقوم به شركات التأمين، فلا يكفي أن يكون هذا القرار موجبًا لرفع أقساط التأمين؛ لأن هناك فرقًا بين أن تفقد جزءًا من الربح وبين أن تحصل لك خسارة معتبرة. ولذلك فعلى شركات التأمين أن تُثبت لنا هذه الخسارة في حال بقاء قيمة القسط على حالها. وقبل ذلك يجب أن تقنعنا هذه الشركات أن القسط الحالي والمعمول به تم احتسابه على أساس سعر الدية قبل هذا القرار الأخير، وهو ما لا أعتقده على المستوى الشخصي. ذلك أن أسعار التأمين على المركبات تم احتسابها أصلًا بشكل جزافي (وليس وفق ما تقضي المادة 46 من اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني).
وأذكر أني قبل عدة سنوات سألت أحد كبار المسؤولين في إحدى شركات التأمين المرموقة عن الأساس الحسابي والإحصائي الذي يتم احتساب القسط وفقًا له. فذكر لي أنه لا يوجد لدى شركته برنامج دقيق لاحتساب القسط، وإنما هي اجتهادات لا أكثر ولا أقل. ولذلك فإذا قامت شركات التأمين برفع قيمة قسط تأمين المسؤولية (الوفاة) فينبغي عليها أن تقدم مبررات مبنية على حسابات إكتوارية أو وإحصائية لأي زيادة في القسط.
فلا أحد يرضى الخسارة على شركات التأمين، ولكن في المقابل لا أحد يرضى أن تستغل شركات التأمين أي سبب لرفع أسعارها بحجة أن قرار رفع مبلغ الدية قلل من هامش أرباحها، خصوصًا أن تقرير مسح سوق التأمين لسنة 2010 الذي قامت به (ساما) يُظهر أرباحًا معتبرة لشركات التأمين في قطاع التأمين على المركبات.