ملكية الشركات والشركات الملَكية

الخبر الذي أراه بين الفينة والفينة على صفحات الجرائد دون أن أفهمه أو أعرف المغزى من ورائه هو ذلك الخبر الذي يأتي على صيغة ''إعادة انتخاب الشيخ فلان الفلاني رئيسا لمجلس إدارة الشركة الفلانية''. وأنا في الحقيقة لا أدري ما الذي يهم المجتمع عامة، والمجتمع الاقتصادي خاصة، من هكذا خبر، خاصة أن مثل أولئك القادة في تلك الشركات كانوا على رأس الهرم في قيادتها على مدى فترات طويلة، حتى أصبح معظمهم رموزا لتلك الشركات وسمة لازمة لها. هذا الواقع لا يمثل بالضرورة سببا ومبررا يتم الركون إليه لتبرير فشل أداء بعض تلك الشركات، ولكنه بالتأكيد يمثل حالة تستحق النظر إليها بجدية، خاصة في حالة الشركات المساهمة العامة. وإذ أثارت لدي هذه الظاهرة تساؤلا حول الربط بين ملكية أسهم الشركات وتلك السمة التي يمكن وصفها بالملَكية في تشكيل مجالس إدارة هذه الشركات، فسأتناولها في هذا المقال برؤية قد تبدو جديدة ومزعجة للبعض من الإخوة القراء.
لا يختلف اثنان على أن التجديد والتغيير مطلب مهم في كثير من مناحي الحياة، فهو مجلبة للحيوية والإبداع، ومبعدة للجمود والتكرار والبلادة. وفي حالة الشركات التجارية، وخاصة المساهمة منها، فإن الجمود الغالب الذي يعانيه تشكيل مجالس الإدارة يثير كثيرا من التساؤلات حول أداء تلك الشركات، وحول السبب الحقيقي وراء تحويل تلك الشركات من شركات عائلية إلى شركات مساهمة عبر اكتتابات وهمية مضخمة يتم من خلالها امتصاص مدخرات الناس دون تفعيل مشاركتهم في منظومة الإدارة في هذه الشركات. إن كثيرا من تلك الشركات بقيت ولمدد طويلة تدار من قبل أفراد محدودين يتم انتخابهم وتعيينهم مرة بعد مرة استنادا إلى ملكيتهم لحصص الأغلبية في تلك الشركات، وهو ما يحرم هذه الشركات من دماء جديدة وكفاءات واعدة يمكن أن تضيف الكثير لمحصلة الأداء فيها، ويبقيها تحت سيطرة هؤلاء الأفراد بفكرهم الراكد الذي يفتقر إلى التجديد والإبداع. ومع أني لا أحبذ شخصنة الأمور التي أتحدث عنها، إلا أنه قد يكون من المفيد إيراد أمثلة حول هذا الطرح. فشركات مثل شركة مكة للإنشاء والتعمير، وشركة دار الأركان، ومجموعة الحكير، ومجموعة سامبا المالية، وشركة المملكة القابضة، وغيرها الكثير من الشركات المساهمة التي تتداول أسهمها في سوق المال السعودي، تخضع لسيطرة أفراد ومجموعات عائلية منذ أن تأسست هذه الشركات. وأنا بالطبع لا أريد التشكيك في كفاءة هذه القيادات التي يعزى لها الفضل في تأسيس هذه الشركات وإيصالها إلى المكانة التي تحتلها في منظومة الاقتصاد الوطني. ولكن هذه الاستمرارية الأبدية المبنية على حصص الملكية في هذه الشركات تحد من قدرتها على توظيف قدرات إدارية فاعلة يمكن أن تضيف الكثير لأداء هذه الشركات، وتمثل تعارضا صارخا مع مبدأ الفصل بين الملكية والإدارة الذي يمثل أحد أهم مبادئ التحول من شركات خاصة وعائلية إلى شركات مساهمة.
التساؤل الأهم الذي أطرحه هنا هو عن السبب الحقيقي وراء هذا التحول الذي نشهده من حالة الشركات الخاصة والعائلية إلى شركات مساهمة. ففي ظل هذه السيطرة المستمرة على مجالس إدارة هذه الشركات وعلى سياسة العمل فيها يخيل للرائي أن الغرض الحقيقي من هذا التحول لا يعدو أن يكون استقطاب مدخرات واستثمارات المواطنين وحصرها في حصص أقلية لا تمكنهم من المساهمة ولو بالرأي فحسب في إدارة هذه الشركات. وإذا كان هذا الأمر صحيحا فإنه لا يمثل فقط شكلا من أشكال الاستغلال والتربح، بل إنه يعد خللا فاضحا في آلية الإدارة في مثل هذه الشركات، ويثير كثيرا من التساؤلات حول قدرتها على التطور والنمو وتحقيق عوائد استثمارية مجزية لأولئك المستثمرين. السبيل الأنجع لتصحيح هذا الواقع هو في فرض تنظيمات وتشريعات ملزمة تمنع ترشيح أي شخص لاحتلال موقع في أحد مجالس إدارة هذه الشركات لأكثر من عدد محدد من دوراتها، وليكن لدورتين أو ثلاث دورات بحد أقصى، إضافة إلى تضمين هذه التنظيمات معايير جديدة لاختيار أعضاء مجالس الإدارة في هذه الشركات بعيدا عن حصص الملكية التي يحملها المساهمون. قد يقول قائل إن هذه المقاربة تمثل إخلالا بحق كبار المساهمين في تولي مهام الإدارة في شركات يملكون فيها حصص الأغلبية. وأقول إن هناك حالات أخرى لشركات لم يتم تشكيل مجالس إداراتها استنادا إلى ملكية الحصص، وأكبر مثال على ذلك حالة مصرف الإنماء الذي يملك فيه عامة المواطنين 70 في المائة من أسهم الملكية، في الوقت الذي لا يبلغ فيه تمثيلهم في مجلس الإدارة أكثر من 30 في المائة من عدد المقاعد. وإذا كانت هذه الحالة تمثل نموذجا للحاجة إلى تشكيل المجلس من كفاءات قادرة على إدارة دفة الكيان، فإن ذات المبدأ يمكن أن يتم اتباعه وتطبيقه في الشركات الأخرى بعيدا عن فرض تشكيل المجالس استنادا إلى ملكية الحصص.
خلاصة القول، يجب أن يتم التفريق بين ملكية الشركات وإدارتها، وألا تتحول الشركات المساهمة إلى كيانات ملَكية الشكل تؤول فيها السيطرة لقلة قليلة من كبار المساهمين. والعائد الذي يمكن أن يتحقق لأولئك من تجديد الدماء في مجالس الإدارة يمكن أن يكون أكبر مما يتحقق لها تحت إدارتهم المباشرة. ونحن نرى بعضا من هذه الشركات وهي تتخبط في معدلات أداء لا يرضى عنها أحد، حتى انهارت قيم أسهمها إلى أدنى من ربع قيمتها التي طرحت بها في اكتتابات مزعومة عادت على المواطنين بكثير من الخسائر والويلات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي