شائعات المناخ .. الوجه الآخر لتحذيرات الأرصاد غير المتحققة
تحتاج فقط أن تقرأ شائعة ما لتعرف إن كانت تنطوي على خبر حقيقي أم لا، لماذا عليك معرفة ذلك؟ لأن الإعلام الجديد وثورة التقنية لا تقوم فقط بتغطية جيدة للأحداث الواقعية، لكنها تتضمن كذلك أن كثيرا من الأخبار المغلوطة تنتشر على نطاق واسع بين يدي جمهور يتأثر معظمهم بطريقة بديهية مع خبر أو آخر، خصوصا في وجود عامل الصدمة اللحظية المقترن بالخبر، والذي يحفز عملية التلقي والإرسال لآلاف المرات في ظرف ساعات فقط.
في فترات التحول بين الفصول، وبعد فترة من المتغيرات المناخية المتتالية، يصبح تلقي أخبار من الدفاع المدني ومصلحة الأرصاد أمرا معتادا بالنسبة للكثير من مستخدمي برامج التواصل المباشر في أجهزة الهاتف الذكية والمواقع الاجتماعية، الأمر الذي يجعل البعض يتعمدون بث أخبار مغلوطة عن حالة الطقس، تصل على شكل برودكاست أو رسالة قصيرة، يأتي معظمها مسبوقا بعبارات تحفيزية من قبيل ''مهم وعاجل - انشر لأكبر عدد''، ومتبوعا بعبارات تبعث على مشاعر مختلفة تدخل في مجملها ضمن دائرة الخوف.
لم تكن الفترة طويلة جدا بين خبرين الأول يتحدث عن سحابة سوداء تصل إلى سماء الرياض بشكل لم يحدث في تاريخها الحديث، مؤكدا وصول السحابة خلال ساعتين من لحظة البث، علما بأن الهواتف بقيت تتداول الخبر على مدى يوم كامل من تلك اللحظة، والطريف أن البعض يضيف شيئا من التعليقات ''التفاعلية'' على الخبر، فيما يصلك بعد فترة مرفقا بصورة يقال إنها للسحابة المفترضة حتى بعد مرور ساعات على الوقت المتوقع لوصولها، وفي تلك الحالة تحديدا تكفل مرور الوقت بتفنيد الشائعة، أما الخبر الثاني فهو الذي لا يحتاج إلى انتظار الحسم الزمني؛ لأنه كان مكتوبا بطريقة بدائية تفتقر لأدنى شروط الإقناع بما هو حقيقي، ناهيك عن الترويج لما لا وجود له، في هذه الحالة تحتاج إلى أن تقرأ الخبر فقط كي تعرف أنه عاجز حتى عن ارتكاب كذبة على نحو وجيه، فالبداية كانت مع اختلاق مسمى وظيفي جديد هو ''رئيس الدفاع المدني'' بدلا عن ''مدير عام الدفاع المدني'' وهو المسمى الرسمي المعروف، ومن ثم اختلاق اسم شخصية عشوائية لتشغل المنصب بحيث يكون التصريح باسمها في الخبر، أما صلب الموضوع فهو أن ''إعصار تسونامي'' يقترب من مدينة جدة وهو بقوة 6.7 في المائة'' والنسبة المئوية هنا وحدة غير معروفة طبعا لقياس الأعاصير التي تقاس عادة حسب تدرجات تعتمد على سرعة الرياح''.. وبعد أن تم الإبلاغ يتم التحذير على صيغة دعوة عاجلة لجميع سكان جدة بمغادرتها في أقرب وقت طارحة في الوقت نفسه عددا من مدن المملكة تبدأ بمكة المكرمة والمدينة المنورة وتمر بالرياض وتنتهي بالإحساء وحائل والدمام، ونلاحظ أن الخبر الذي استخدم كلمة ''المواطنين'' فقط وهو يطرح كل هذه الخيارات الآمنة حسب تقديره، عاد ليؤكد أن هذا التصرف سيمثل حفاظا على سلامة ''المواطنين والمقيمين''، قبل أن يطلب إرسال الرسالة إلى ''جميع الموجودين'' رابطا ذلك بإنقاذ ما يقدر بأكثر من مليون شخص، ويبدو أن صاحب هذه الإحصائية العشوائية مُصرّ على أنه يقول كلاما قابلا للتداول، بل إنه يحتاط جيدا لفرضية عدم التصديق فيكتب في نهاية الخبر، ''تم التأكيد من الأرصاد الجوية، والإعلان في القناة الإخبارية''.
أياً كانت طبيعة المتعة التي يشعر بها شخص ما بعد نشر خبر مرعب، أو مستوى رغبته في اختبار تجربة إخلاء عاجل لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة من مدينتهم في ظرف ساعتين، تتمثل المشكلة الأكبر في أن الكثيرين يقرأون الخبر وفقا لانطباعه البصري والنفسي فقط ويتأثرون به ويعمدون إرساله إلى أكبر عدد وفي أقصر وقت، رغم أن قراءته بتمعن يمكنها أن تعفي من كل هذا العناء.
الباحث التربوي والاجتماعي حسين عبد الله اعتبر أن سهولة تبني الشائعات تعد سمة واضحة للمجتمع الخليجي عامة والسعودي خاصة، مشيرا إلى أن عددا من الدراسات التي أجريت خلال العقدين الماضيين أثبت ذلك، وقال عبد الله: إن الكثير يعاني قلق الإشاعة وأثرها البالغ، خصوصا أن الأغراض السلبية تأتي في الأولوية بالنسبة لصاحب الإشاعة، بالإضافة إلى سرعة ترويجها، بشكل يجعلها تنتشر شعبيا، بل إنها تصل إلى صحافيين يتوجب عليهم التأكد من الحقائق سواء من المسؤول المعني أو من خلال النزول للميدان. وحول الطبيعة السيكولوجية لمروج الشائعة قال الباحث عبد الله إنه شخصية عادية مثل أي شخص آخر، ولكن طبيعته قد تعاني الفراغ الذاتي، وافتقاد حس المسؤولية حيال التكهن برد فعل المجتمع، وقال: إن عددا كبيرا من الناس يروجون خلال شائعات مختلفة ومتفاوتة في نوعيتها ونطاقها بين ما هو اجتماعي أو تجاري أو مهني، فترويج الإشاعة ليس حكرا على شخص معين بمواصفات محددة.
يشار إلى شائعة ''تسونامي جدة'' - وعلى الرغم من تكفل ركاكة صياغتها بتفنيدها- قد وصلت للأشخاص المعنيين الذين ردوا عليها بالشكل العلمي، حيث قال المشرف على مركز الدراسات الزلزالية في جامعة الملك سعود الدكتور عبد الله العمري: إن المملكة غير معرضة للإصابة بموجات تسونامي، ولم تسجل أي حالة من هذا النوع في شبه الجزيرة العربية منذ عام 124م.