في أمريكا .. يأمرون بمعروف وينهون عن منكر

بعض الناس يعد أمريكا دولة الكفر والآخر ينظر إليها أنها دولة التحرر والانحلال. لكن هل يمكن أن ننظر إليها أنها مكان يمكن أن نتعلم منه أخلاقيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فأنت إذا دخلت المطار يجب عليك الانتظار قبل الخط الأحمر في طابور الجوازات، وعليك أن تتوقع أنك إن تقدمت على أحد في الطابور فالكل سيصرخ عليك، وقد تؤخر إجراءات دخولك لعدة ساعات. ستجد كذلك، لافته في المطار مكتوب عليها ممنوع التدخين، ولكن لو شرع أحد في إشعال سيجارته، فسترى الجميع يزجره، كما أن أجهزة الإنذار سيعلو صريخها بالنهي عن ذلك المنكر الذي تتجاوز مضاره إلى الآخرين.
إذا ركبت الحافلة، فلا يمكن لقائد المركبة أن يشرع في القيادة ما لم يتأكد أن الجميع قد ربطوا أحزمة الأمان، فإذا نسى شخص غريب هذا الشرط وجد من يأمره من الركاب بالتقيد بذلك، ولو افترض أن راكباً رمى بمنديل أو ورقة من سيارته فسيجد البوليس قد أوقف السيارة التي هو فيها ولا يكتفي بتغريمه، بل يعد ذلك جرماً يحال في بعض الأحوال إلى المحكمة بسببه.
تذهب وتسكن الفندق تجد حسن الاستقبال، ولو أن أحد موظفي الفندق أو العمال قد ظهر منه تصرفاً لا يليق فستجد الجهة التي تحاسبه داخل الفندق، وقد تصل عقوبته إلى الفصل. أما إن بدا منك سوء تصرف أو إزعاج للنزلاء، بترك أطفالك مثلا يلعبون في الممرات، أو رفع صوت الموسيقى فسيقوم بعضهم بإخبار موظف الاستقبال بذلك التصرف، ويكون الرد سريعا جداً بوجوب المحافظة على هدوء الفندق.
أما في الشوارع فتجد تصرفات القيادة منطلقة تماماً من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يسمح فيه بالأنانية وتجاوز حريات الآخرين والقيادة المتهورة الجنونية، كما لا تجد فيما لو حصل حادث تجمعات فضولية هدفها الفرجة وتأخير إجراءات نقل المصابين، وتجد الإسعاف والمرور ورجال الدفاع المدني قد وصلوا في أقل من خمس دقائق، ولا تتأخر حركة المرور أكثر من ربع ساعة. أما ظواهر التخلف مثل التفحيط والمراوغة بين المسارات فهي غير موجودة في قواميسهم.
في الحدائق العامة والمتنزهات تجد مبدأ المحافظة على الممتلكات العامة، وعلى جمال الطبيعة الفطري، مهمة جميع المتنزهين، فلا تجد من يرمي المخلفات أو من يقتلع الورد أو يكسر الأغصان أو يعبث بالأشجار، ولو أن شخصاً أوقد ناراً خارج الموقد المخصص، أو أوقف سيارته في مكان غير مخصص سيجد المخالفة قد سجلت عليه.
وفي المحال التجارية تكون دائماً على بينة ورؤية واضحة في منطقية الأسعار ولا تجد التلاعب والمماكسة الموجودة لدينا، كما أنك لو ذهبت إلى المحاسب فلا يتردد من أن ينصحك نصيحة من خلالها تستطيع شراء حاجاتك بسعر أقل من المعروض. فهو بذلك التصرف لم يخن أمانته مع الشركة ولكن بهذه الطريقة استطاع أن يكسب ولاء الزبون لتلك المؤسسة وتقديره لذلك التعامل الراقي من قبل العاملين فيها.
ما ذكرت من مشاهد تتفق تماماً مع مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي هو من فروض الكفاية، حيث قد يحتاج إلى أطياف عديدة من المجتمع لتحقيقه، فالكل يدلو بدلوه بإبلاغ ما هو مخالف للنظام، وكم هو محزن أن جعلنا الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعيداً عن مشكلات الناس الأساسية، فالذي أتمناه أن تكون هيئات الأمر بالمعروف والمتعاونين معها جهة شمولية الأهداف تهتم بكل شأن فيه إصلاح الفرد والدلالة على مصلحته والقيام بحاجته، من أجل قيام مجتمع يعاضد بعضه بعضا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي