يعبدون الدولار ولا يقدرون الصداقات!

لأكثر من نصف قرن خُدع العرب كثيراً بجدوى صداقة الروس والصينيين مقابل التسلط الغربي، فنحن أمة يغلبها الطيب والعاطفة. إن موقف الدولتين من الثورة الشعبية السورية، وعملية قتل الشعب السوري، موقف يحتاج منا حكومات وشعوب مراجعة أوراقنا على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بعد أن أعطوا بدون أي مشاعر إنسانية الضوء الأخضر لقتل الأبرياء في سورية، وبأسلوب يفتقد أدنى درجات الدبلوماسية، أو مراعاة مصالحهم في بلادنا. من المراجعات التي لا بد منها في ضوء موقف الدولتين:
1) إن الدول التي وقفت مع حق الشعب السوري وقبله الليبي، يجب أن تكون لها الأولوية في أي عملية تبادل مصالح في الدول العربية، والمنطق نفسه يطبق على من ساعد تلك الأنظمة في قمع شعوبها. فعلى سبيل المثال لا الحصر يجب النظر جدياً في الاعتماد المطلق على البضائع الصينية، وهذا لا يمنع من وضع رسوم عليها، والأهم من ذلك التوجه إلى أسواق آسيوية بديلة مثل ماليزيا وإندونيسيا وكوريا وفيتنام وغيرها، لأن جعل الصين القوة العظمى، ليس من مصلحتنا، كما أنه سوف يجعل العالم كله تحت هيمنة فكر وثقافة مادية لا تعرف الرحمة، ولا تؤمن بأي قيمة إنسانية.
2) الفيتو الروسي والصيني يجب أن يكون دافعا للعرب للتقدم خطوات إلى الأمام من خلال الاعتراف بالمجلس الوطني السوري ممثلا شرعيا للشعب السوري، وذلك لنزع الشرعية الدولية عنه، بعد أن سقطت شرعيته الداخلية. مثل هذه الخطوة لو تمت ستكون صفعة ورسالة للقوى المتكبرة التي لا تحترم الشرعية الدولية ولا حقوق الإنسان، بأنه يمكن الالتفاف على مواقفها التي لا تقيم اعتبارا للإنسان، وللمصالح المشتركة.
3) الشعب السوري بثورته وصموده، لم يعد يعول على المنظمة الدولية، وهذا ما نوه به أخيراً خادم الحرمين ـــ حفظه الله ـــ، كما قد حسم الشعب السوري خياره بأنه لن يقبل بأقل من إسقاط واجتثاث هذه العصابة الدموية. لذلك كل الفرص والمهل التي تعطى للنظام ليست إلا مزيدا من القتل والدمار للسوريين ولسورية، ومن هنا فواجب الأخوة يقتضي أن نقلل من خسائر الشعب السوري البشرية والمادية، حتى تعود سورية العربية الأصيلة لاعبا مهما وحيويا في المنطقة العربية في ظل تحديات ما بعد الربيع العربي.
4) الثورة السورية ستعيد ترتيب خارطة القوى الإقليمية وأبرزها إضعاف الدور الإيراني في المنطقة، لأن النظام السوري حول سورية إلى معسكر إيراني لدعم ميليشيات مثل قوات حزب الله وجيش المهدي والتي تخطط لسياساتها التخريبية في سورية، فتفجيرات الخبر عام 1995 تمت بتمويل إيراني وتدريب سوري وكذلك قتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. إن نهاية ذلك النظام ـــ بإذن الله وتوفيقه ـــ سترجع الدور الإيراني إلى المربع رقم واحد، وتزيل الشحن الطائفي الذي زرعه الفرس داخل المجتمع العربي.
5) عندما ساعدت التحالفات الأوروبية (بريطانيا، وألمانيا وفرنسا) الأمريكية العدوان الإسرائيلي، كان موقف القادة العرب في الستينيات والسبعينيات الميلادية المقاطعة الاقتصادية والسياسية. أليس من الأولى أن يكون هنالك موقف عربي لمناقشة الفيتو الروسي والصيني وجعل حكومات تلك الدول في قائمة الدول غير الصديقة؟! كم هو محزن أنه في اليوم التالي من الفيتو وجدت صورة لأحد السفراء الصينيين في الصحف، وقد زار أحد المسؤولين الخليجيين، وكان من الأولى أن يلغى ذلك اللقاء أو أن يتمحور حول نقطة واحدة وهو مستقبل العلاقات العربية الصينية في ظل هذا الموقف العدائي. فهؤلاء يعبدون الدولار ولا يقدرون الصداقات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي