أزمة الركود.. وتدني ادخار الأسرة الأمريكية
تُرى لماذا هبطت معدلات ادخار الأسر في الولايات المتحدة إلى مستويات متدنية للغاية قبل أزمة الركود الأعظم؟ يقدم لنا اثنان من زملائي في جامعة شيكاغو، ماريان برتراند وأدير مورس، إجابة مثيرة للاهتمام: التفاوت المتنامي بين الدخول.
فقد وجد برتراند ومورس أنه في الأعوام السابقة للأزمة، وفي المناطق (الولايات عادة) حيث كان الاستهلاك عالياً بين الأسر المنتمية إلى الخمس الأعلى من توزيع الدخول، كانت معدلات الاستهلاك عالية بين مستويات الدخل المنخفضة أيضا. وبعد استبعاد عدد من التفسيرات المحتملة، خلصا إلى أن الأسر الأكثر فقراً قلدت أنماط الاستهلاك التي تبنتها الأسر الأكثر ثراءً في مناطقها.
وبما يتفق مع فكرة مفادها أن الأسر عند مستويات الدخل المنخفضة كانت ''تواكب الأسر الثرية، فإن غير الأسر غير الثرية (لكنها ليست فقيرة حقا) التي تعيش بالقرب من مستويات الإنفاق العالية التي يتسم بها المستهلكون الأثرياء كانت تميل إلى إنفاق الكثير على سلع تستهلكها الأسر الأكثر ثراءً عادة، مثل المجوهرات، ومستلزمات التجميل واللياقة البدنية، والخدمات المحلية. والواقع أن العديد من الأسر كانت تقترض لتمويل إنفاقها، وكانت النتيجة أن نسبة الأسر الأكثر فقراً التي تعاني الضائقة المالية أو التي تقدمت بطلبات لإعلان إفلاسها كانت أعلى كثيراً في المناطق حيث يكسب الأثرياء (وينفقون) أكثر. ولولا هذا الاستهلاك الناتج عن التقليد، فإن الأسر غير الثرية كانت لتدخر في المتوسط أكثر من 800 دولار سنوياً في الأعوام الأخيرة.
وما يثير الاهتمام بالقدر نفسه ذلك الارتباط الذي وجدته الدراسة بين تفاوت الدخول والسياسة الاقتصادية في مرحلة ما قبل الأزمة. إن نواب الكونجرس من المناطق التي تتسم بمستويات تفاوت أعلى في الدخول كانوا أكثر ميلاً إلى التصويت لمصلحة التشريع بتوسيع الائتمان الأسري بحيث يمتد إلى الفقراء في الأعوام التي سبقت الأزمة (كل الديمقراطيين تقريباً صوتوا لذلك التشريع، الأمر الذي يجعل من الصعب تمييز دوافعهم). وكان تأثير الإنفاق من جانب الأسر الثرية على إنفاق الأسر غير الثرية أعلى في المناطق حيث يمكن لأسعار المساكن أن تتحرك إلى الارتفاع، وهذا يشير إلى أن الائتمان الإسكاني والقدرة على الاقتراض في مقابل ارتفاع قيمة المساكن ربما كان من الأسباب التي دعمت إفراط غير الأثرياء في الاستهلاك.
لكن أكثر ما لفت نظري كان الفارق في استجابة المشرعين للتفاوت بين الناس الآن وفي الماضي. ففي دراسة للتصويت في الكونجرس الأمريكية على قانون ماكفادن في عام 1927، الذي سعى إلى تعزيز المنافسة في مجال الإقراض، وجدت أنا ورودني رامشاران من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن المشرعين من المناطق حيث التوزيع غير المتساوي بدرجة عالية لملكيات الأراضي ــ كانت الزراعة المصدر الرئيس للدخل في العديد من الناطق آنذاك ــ كانوا يميلون إلى التصويت ضد القانون. إن المزيد من التفاوت دفع المشرعين، على الأقل في هذه الحالة، إلى تفضيل المنافسة الأقل والتوسع الأقل في مجال الإقراض. كما وجدنا أن المقاطعات التي تتسم بقدر أقل من المنافسة بين البنوك شهدت طفرة أكثر اعتدالاً في الأراضي الزراعية، وبالتالي كانت أقل تضرراً في الأعوام التي سبقت أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين.
إن الدرس الواضح الذي يتعين علينا أن نستخلصه من كل هذا يتلخص في ضرورة إدراك أهمية العواقب غير المقصودة. ففي أوائل القرن العشرين، كان من الممكن أن يتملك أصحاب الأراضي الأثرياء في أي من المقاطعات البنوك المحلية أيضا، أو أن يكونوا على علاقة مع أصحاب البنوك. ولقد استفادوا من تقييد المنافسة والتحكم في القدرة على الحصول على التمويل.
كان النواب يصوتون بالنيابة عن أصحاب المصالح القوية في مناطقهم، وكانوا يفضلون تقييد المنافسة في أسواق الائتمان ليس من منطلق اهتمامهم بالمزارعين غير العالمين بما يجري من حولهم، بل من أجل حماية أرباح المقرضين الأقوياء. ولقد نجح ذلك، لكن التأثير الجانبي غير المقصود كان يتلخص في حماية هذه المناطق من الانجراف مع السُعار المالي.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.