قراءة في التبرعات الأمريكية
لا تقرأ هذا المقال من خلال الأرقام والنسب الرياضية الواردة في ثناياه لكن تجاوز ذلك إلى المعاني التي تقف خلفها والقيم التي تستظل تحت "ظلها".
التبرعات في عالم اليوم صناعة مستقلة وقطاع اقتصادي مؤثر، ولدى الولايات المتحدة تجربة جديرة بالتأمل والدراسة ليس لأنها جمعت بين نقيضي مادية النظام الرأسمالي والسخاء المجتمعي بل لأنها جعلت من تبرعات الأفراد والشركات والمؤسسات عنصراً فاعلاً في تحقيق ريادة أمريكا حكومة وشعباً بغض النظر عن تقييمنا لهذا الريادة.
في تقرير يعده سنوياً مركز الإحسان في جامعة إنديانا عن التبرعات الخيرية الأمريكية كشف التقرير أن التبرعات الأمريكية عام 2011 بلغت قرابة 300 مليار دولار (أكثر من تريليون ريال سعودي) بزيادة عن عام 2010 نسبتها 4 في المائة ولعل في ذلك مؤشرا غير مباشر على تعافي الاقتصاد الأمريكي أو أن التبرعات لا تتأثر كثيراً بالأزمات الاقتصادية كما هو متوقع.
وتنوعت مصادر هذه التبرعات، وجاءت تبرعات الأفراد كأكبر مصدر لهذه التبرعات بلا منافس إذ تبرع الأفراد الأمريكيون بما نسبته 73 في المائة من مجمل التبرعات الأمريكية وبلغ ما تبرعوا به 218 مليار دولار في المقابل بلغت تبرعات المؤسسات الخيرية المانحة 42 مليار دولار وتبرعات الوصايا 24 مليار دولار وأخيراً تبرعات الشركات الأمريكية التي بلغت 15 مليار دولار. وتصدر الأفراد مقارب لما هو عليه الحال في دول أخرى كبريطانيا وكندا وجنوب إفريقيا، وفي ذلك إشارة إلى أن أفراد المجتمع العادي هم أهم مصدر للتبرعات سخاءً لا الحكومات والشركات أو الجهات المانحة.
أما الجهات المستفيدة من التبرعات الأمريكية إجمالاً فقد تباينت مع تباين الأغراض الخيرية والتطوعية إلا أن اللافت للنظر هو أن نصيب الأسد من هذه التبرعات كان لجهات وأغراض دينية، حيث بلغت تبرعات هذا الغرض ما يقارب 96 مليار دولار، أي أن ثلث تبرعات الأمريكان كانت في سبيل الدين، ومع أن ذلك لا يؤكد أو ينفي علاقة التبرعات الأمريكية بالتنصير إلا أنه بالتأكيد يشير إلى أن الدين ما زال حياً ونشطاً في المجتمع الأمريكي. وتجاوزت الأغراض المستفيدة من التبرعات الأمريكية الجهات الدينية إلى التعليم (39 مليار دولار)، الخدمات الإنسانية (35 مليار دولار)، الصحة (25 مليار دولار)، الثقافة والفن (13 مليار دولار)، البيئة والحيوان (ثمانية مليارات دولار)، للأفراد المحتاجين (أربعة مليارات دولار).
وجاءت التبرعات الأمريكية في أغلبها لداخل أمريكا، بينما كان نصيب التبرعات الأمريكية الخارجية غير الحكومية قرابة 23 مليار دولار بما نسبته تقريباً 8 في المائة.
بقي القول إن هذه الأرقام الضخمة والسوق الرائجة للتبرعات في أمريكا لم توجد لولا مشيئة الله ثم وجود نظام حكومي محكم ومحفز للتبرعات يشجع المجتمع بمختلف شرائحه على العطاء والمساهمة في تلبية الاحتياجات من حولهم.