تحليل سردي لمقال خاشقجي وتعقيب فندي
عند قراءتي مقال الزميل القدير جمال خاشقجي "خواطر شاب إخواني غاضب نجا من فض اعتصام رابعة" في ١٧ أغسطس ٢٠١٣، حسبت للوهلة الأولى أنني أشاهد أحد تقارير القناة التلفزيونية الإخبارية المثيرة للجدل أحادية الرأي التي عُرِفَ عنها عداوتها لمعظم دول العالم بسبب فبركتها للأخبار المُرَكَبَة وانفرادها باتجاهاتها المعاكسة.. طبعاً عرفتموها.
للأمانة، مقال خاشقجي لا يدعو – على الأقل ليس بطريقة مباشرة – إلى مؤازرة "الإخوان"، ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي تعاطفه مع صور "ضحايا" ميدان رابعة العدوية، والغاز المسيل للدموع، وعنف الشرطي المصري الذي يطلق رصاص بندقيته من المباني المجاورة.
للأمانة أيضاً، دعا خاشقجي إلى محاسبة قادة الإخوان المسلمين "الذين صنعوا وَهْمَ الصمود في اعتصام رابعة، كأداة للضغط السياسي، وأداروه باستخفاف بدماء المؤمنين بالقضية". ولكن في الوقت نفسه، رسم الكاتب صوراً حزينة للشهداء من الأطفال والنساء الذين قضوا في الأحداث بدون التنويه عن استغلالهم كدروع وأكفان بشرية لحماية قادة الإخوان الذين أباحوا حرق الأرض وما عليها خدمة لهذه "القضية".
كنت أتمنى أن يذكر خاشقجي أن من ضمن "خواطر الشاب الإخواني" أن هذا الشاب قد تمّ غسل دماغه وإقحامه في إثارة الشغب، وإشعال الحرائق في المنشآت الحكومية والأهلية والمستشفيات وبنوك الدم، وأن الأوامر قد صدرت إليه ليعتدي على المساجد والكنائس ومراكز الشرطة في جميع الأراضي المصرية.
كلمة السر في المقال هي حرص الكاتب على إقحام مصطلح "الإسلام السياسي" في قيادة المشهد في الساحة المصرية مع القوى الثورية.
بالمقابل، عقّب مأمون فندي في وسائل التواصل الاجتماعي على مقال خاشقجي، واصفاً إياه - أي خاشقجي - بأنه "كاتب إخواني" وأوصاف مشابهة أخرى لن أذكرها هنا.
برغم قسوة التوصيف، أو ربما لكونه وصفاً براغماتياً أو مجازياً أو حتى حبكة ميلودرامية، فمأمون فندي يظل كاتباً محنكاً، إضافة إلى كونه أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة جورج تاون المشهورة عالمياً.
العامل المشترك بين مقال خاشقجي – الذي لم يخفِ في مقابلته مع تركي الدخيل في أبريل 2006، أنه كان "قريباً من فكر الإخوان المسلمين" – وبين تعقيب فندي هو التجاذب السردي بين المثقفين لظاهرة "الإخوان المسلمين" في دول الربيع العربي ومحاولات تغلغل هذه الظاهرة من الباب الخلفي إلى دول الخليج العربي.
الدليل على ذلك هو البيان المنفعل والتحريضي الذي أطلقته مجموعة تسمى "المثقفون السعوديون" تنديداً بـ "الانقلاب العسكري والدماء والمجزرة والانقلابيين المغتصبين لسلطة الشعب الخارجين على الشرعية". كنت أتمنى أن يدعو البيان إلى التهدئة وضبط النفس عوضاً عن الترف السردي بتأجيج العواطف من ضمن وصايا تحريضية أخرى.
بغض النظر عن انتماءات الكتاب والمثقفين، يبدو أن العامل المشترك بين الفكر العلماني المتشدّد والفكر الأيديولوجي المتطرّف هو سعيهما المستميت لفرض أجندتيهما على المجتمع.
ما نريده هو الوسطية.
*عضو جمعية الاقتصاد السعودية