ميشيل .. ومشاعل
عندما تَقَدَمَتْ مشاعل للعمل لدى إحدى الشركات الوطنية الكبرى، فوجِئَتْ بالرفض ''لعدم وجود وظائف شاغرة''. ها هي ما زالت تبحث عن عمل منذ ثلاث سنوات من دون جدوى رغم أنها حاصلة على الماجستير في تقنية المعلومات من جامعة أمريكية مرموقة.
أشعر بقلق متزايد لارتفاع نسبة البطالة بين السعوديين ذكوراً وإناثا. الإحصائيات تؤكد أن العاملين في القطاع الخاص بلغوا نحو ثمانية ملايين و500 ألف عامل، إلا أن عدد المواطنين العاملين في هذا القطاع لا يتجاوز مليونا و133 ألف مواطن؛ 918 ألف موظف، و215 ألف موظفة.
تقف مشاعل في طابور طويل من العاطلين عن العمل من الجنسين تجاوز 600 ألف: 242 ألف مواطن و358 ألف مواطنة. إذن المشكلة تتفاقم.
كان بإمكان القطاع الخاص توظيف مشاعل وإحلالها محل وافد واحد من سبعة ملايين موظف أجنبي في شركاتنا الوطنية. كذلك كان بإمكان جامعة الحدود الشمالية أو جامعة الإمام محمد بن سعود إعادة تأهيل مشاعل وتوظيفها عوضاً عن استقدام 64 أكاديمية جديدة الأسبوع الماضي من المغرب ومصر والفلبين والهند وجنوب إفريقيا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا.
كان بإمكان إحدى شركات التقنية توظيف مشاعل، فهي بإمكانها القيام بأعباء عمل ميشيل – الوافد من دولة عربية شقيقة والموظف في إحدى الشركات السعودية الكبرى – عوضاً عن استقدام المزيد من العمالة الوافدة.
توظيف المواطنين يأتي عبر طريقتين؛ إما الإحلال الجاد أو خلق وظائف جديدة، أي إما أن تحل مشاعل محل ميشيل أو أن نخلق لمشاعل وظيفة جديدة.
من الواضح أن تقارير ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق بشأن التوسع في الاستقدام من خارج المملكة لم ترقَ بعد لأن تنصت لها الجهات المختصة. بالمناسبة، ليس لدي اعتراض على توظيف الأجانب الذين يحتلون وظائف لم يتأهل لها مواطنون.
وكأن الأخبار السيئة تأتي كلها في قارب واحد، لا أعتقد أن أحداً سيلقي بالاً لإعلان وزارة العمل عن التطبيق ''الحازم'' لنظام حماية أجور العاملين وآلية مراقبة ومتابعة التحويلات المالية من المقيمين إلى خارج السعودية.
إضافة إلى ذلك، أشك أن يلتزم القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور المحدد للسعوديين (ثلاثة آلاف ريال)، على الأقل ليس في المدى القريب. حماية الأجور يا سادة رقابة ذاتية قبل أن تكون قوانين وأنظمة.
كتبت وكتب غيري عن ضرورة التعامل مع قضية البطالة بجدية وعمق، اقترحنا الحلول قصيرة وبعيدة المدى، لكن النتيجة كانت المزيد من المبادرات الملونة والبرامج البراقة التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
لن أتناول هنا الخطط الخمسية، فهي – مع احترامي لمن يعدها – تكرار لما قبلها من دون تحقيق أي أهداف ملموسة على أرض الواقع. ما زالت مشاعل تبحث عن وظيفة، وما زال القطاع الخاص يستقدم المزيد من الأجانب، وما زال (برنت) التأمينات الاجتماعية يزف البشرى تلو الأخرى نتيجة للاحتيال والتوظيف الوهمي أو تغيير اسم المهنة، وما زال ميشيل يحول لبلده عشرة آلاف دولار شهرياً.
الأمن الوظيفي يا سادة مسؤولية وطنية، مستقبل مشاعل ومئات الألوف من العاطلين والعاطلات عن العمل أمانة في رقابنا.
يجب ألا تكون مشاعل مجرد رقم في إحصائية.