صناعة النقل الجوي وانعكاسها على التطور والنماء الاقتصادي
مرت صناعة النقل الجوي بمنعطفات كبرى عبر تاريخها الطويل لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم من اصطفافها مع الموارد الرئيسة للدخل القومي للعديد من الدول. كانت الولايات المتحدة السباقة في تطور هذه الصناعة في أواخر سبعينيات القرن الماضي عندما أقر الرئيس الأمريكي وثيقة (رفع التشريعات) التي كانت تكبل الناقلات الجوية الأمريكية وتعوق المنافسة في إنشاء خطوط جوية جديدة وتوزع حصص الرحلات الجوية بين الناقلات المحتكرة.
في نهاية الثمانينيات نجحت رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارجريت تاتشر في تطبيق سياسة خصخصة جريئة أفضت إلى بيع قطاعات حكومية ضخمة للقطاع الخاص من خلال الاكتتاب العام منها صناعة النقل الجوي ممثلة في الناقلة الجوية الأشهر في العالم «الخطوط البريطانية» والمطار الأشهر في العالم (مطار هيثرو).
شهدت السنوات التي تلت مبادرة الخصخصة البريطانية تحولا جذريا في الخطوط والمطار مكنت الاثنين من التربع على عرش الجودة والإبداع. ظاهرة صناعة النقل الجوي البريطانية لم تتوقف في حدود الجزيرة البريطانية، بل عمدت كثير من الدول إلى اقتباس منهجيتها في الإدارة مثل هونج- كونج وسنغافورة ودبي من خلال العقول التي تم استقطابها من حاضنة صناعة النقل الجوي البريطانية.
وكان لمنطقة الشرق الأوسط ممثلة في حكومة دبي السبق العالمي في الارتقاء بصناعة النقل الجوي لتكون موردا رئيسا من موارد الدخل القومي بفضل الخطة الاستراتيجية الجريئة التي انتهجتها دبي المرتكزة على موقعها الجغرافي التوسطي بين قارات العالم وتكامل الناقلة والمطار مع بنيتها التحتية المكتملة خاصة قطاعات الفندقة وفعاليات الأعمال.
ظاهرة صناعة النقل الجوي في دبي لا تعكسها مكانة طيران الإمارات العالمية ولا مطارها الذي يتعامل مع 60 مليون مسافر في السنة فحسب، بل كون هذه الصناعة تشكل اليوم ثلث الناتج القومي لهذه الإمارة.
في السنوات الماضية شهدت المملكة مجموعة من النجاحات في صناعة المطارات تمثلت في بناء مطارات داخلية حديثة في العديد من المناطق مثل تبوك وينبع، كما يجري اليوم بناء مطارات جديدة تحل محل القديمة في مناطق أخرى. مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد في جدة سيعول عليه كثيرا في إحداث نهضة في صناعة النقل الجوي مماثلة لنموذج دبي كما يعول عليه إيجاد 30 ألف وظيفة جديدة لإدارة أعماله المختلفة من مخرجات التعليم من الجنسين.
فصناعة النقل الجوي العالمية تعاني اليوم نقصا شديدا في القوى البشرية المتخصصة مثل أطقم الصيانة الفنية والطيارين، وتبلغ أشدها في الصين والدول الناشئة في هذه الصناعة مثل إندونيسيا والبرازيل. لهذا كانت المملكة في نظر الكثير من أهل الصناعة حاضنا مثاليا في صناعة التعليم والتدريب كونها تمتلك مزايا تجعل من هذا الاستثمار أكثر ربحية كتدني تكلفة المعيشة والأجواء المثالية للتدريب.
مطار الملك فهد الدولي في الدمام يعتبر نموذجا، فبينما تعاني أغلبية المطارات الكبرى في العالم وصولها الحد الأقصى من حجم الحركة الجوية للطائرات والمسافرين، يمتلك مطار الدمام بنية تحتية ضخمة تكلف مئات الملايين من الريالات سنويا كأعمال تشغيل وصيانة بينما يعمل المطار بأقل من ربع طاقته القصوى.
الوضع المثالي لمطار الدمام اليوم أن يتعامل مع 20 مليون مسافر وأن يكون الحاضن لأكبر مجمع للشحن الجوي في منطقة الشرق الأوسط عطفا على مجاورته صناعة نفط وبتروكيماويات ضخمة وأن يعود على الدولة بعوائد تقدر ببضعة مليارات كل سنة وأن يوظف 20 ألف مواطن ومواطنة.