المافيا تنام على جنب واحد
من المفارقات الغريبة أن المافيا منظمة إجرامية إرهابية ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر في جزيرة صقلية في بلد الفن والجمال والموسيقى، إيطاليا.
مشكلة المافيا على مر العصور أنها لا تنام إلا على جنب واحد؛ فهي قامت بالتوظيف الانتقائي للتقاليد، وبالتأويل الفردي العنيف للمعتقدات، والتحريف والتلفيق وسيلة للنجاح والسيطرة، وامتهنت النهج التحريضي والملاحقات القاتلة للحصول على مكاسب سيادية.
مثلها مثل توجه الجماعات العنيفة المتطرفة، أشعلت المافيا نار الحقد والكراهية والانتقام في صدور الإيطاليين، وامتد لهيبها من مدينة إلى أخرى حتى وصلت إلى مراكز التأثير في الولايات المتحدة دون وازع أو ضمير، لتطبيق أجندتها الخفية ذات الفكر الواحد، وهي إدارة شؤون المجتمع بأساليبها التعسفية.
وكما هو الحال في معظم دول أوروبا في تلك الفترة، استغلت المافيا كبوات وهزائم الشعوب، فوظفت معتقداتها ذات التوجه الواحد للوصول لأهدافها بكل الوسائل القمعية التي مكنتها فيما بعد من التغلغل في السلطة القضائية والسيطرة وفرض القوانين العبثية.
عوضاً عن النهوض بالبلاد وإعمار الأرض ونهضة الإنسان بعيدا عن الشكليات والطقوس المتزمتة، كان اهتمام المافيا الأول والأخير تبرير أساليبها بالكذب والتلفيق وسوء الظن، ما نتج عنه طمس هوية الدولة الوطنية.
نجحت المافيا في تقسيم المجتمع الإيطالي إلى فئتين؛ الأولى المنتمين لعقيدتها الإرهابية الهجومية المتشددة، والأخرى "الخارجين على القانون والنظام" - حسب تعريفها، فقامت بمطاردة من يخالف أساليبها القمعية بالتجسس والترهيب والممارسات البغيضة والقتل أحياناً، وشهدت شوارع روما وغيرها من المدن الكبرى أبشع جرائم القتل في حق الإنسانية.
النتيجة كانت ويلاً وبلاء على المجتمع الإيطالي، فبينما كانت الدول الأخرى المجاورة تَعْبُر مرحلة التسامح والانفتاح والتمدن والاعتدال، كانت إيطاليا تخر صريعة الاختلافات وطوابير العزاء لشباب في عمر الزهور، بل سببت إحراجاً للدولة بسبب عنجهيتها ومخالفتها للأنظمة والقوانين المدنية.
من الأمثلة الشعبية المشهورة "كل واحد ينام على الجنب اللي يريحه". مع الأسف المافيا عملت فترة طويلة على زرع الفرقة والفتنة وإجبار الآخرين على النوم على "جنب واحد" فكان ذلك بداية نهايتها.