وقف النقود يحقق التنمية المستدامة

الوقف الخيري معين متدفق لا تنضب مصارفه، بل تتجدد، ومنافعه لا تحصر، من خلاله تعالج أوضاع المجتمع الاقتصادية والاجتماعية إن أحسن ضبط مصارفه وتوظيفه، ومن الأصول التي يمكن وقفها (النقود) بوصفها من المنقولات، التي يجوز وقفها على القول الراجح من أقوال أهل العلم، فكما أن الواقف يوقف العقارات والمزارع والدور ويخصص ريعها لمصارف خيرية متنوعة فكذا النقود التي يمكن الإفادة من وقفها لتفريج كرب المحتاجين وتيسير فرص العمل والكسب للعاطلين.
وقد سئل العلامة الشيخ عبد الله بن جبرين – رحمه الله – عن حكم وقف النقود للقرض، فأجاب: صورة وقف النقود للقرض أن يتبرع واحد أو أكثر بنقود وَرَقِيَّةٍ أو غيرها، وتحفظ في مكان كأحد المصارف الإسلامية، أو عند شخص مُؤتمن، فتُجعل وقفًا عامًّا، أو خاصًّا لمن يحتاج أن يستقرض، كوقفه على قبيلة الواقف، أو أسرته أو أهل بلده، ونرى أن هذا لا مانع منه، بحيث إنه يُصرف للمستقرض عند الحاجة، ويلتزم بِرَدِّها في الوقت الذي يُحَدَّدُ له، سواء يردها دُفعة أو دفعات.
مثال ذلك: ما يُعرف الآن ببنك التسليف - وهو حكومي - ولقد جعلته الحكومة كمساعدة للمتزوجين، بحيث يُقْرِضُون الفرد عشرة آلاف، أو 20 ألفًا، ثم يردها عليهم أقساطًا خفيفة، وكما فعل مثل ذلك أهل مشروع مُساعدة المتزوجين في جُدَّة، فإنهم يدفعون له نحو عشرة آلاف، ثم يَرُدُّها عليهم شهريًّا بقسط خفيف، لا يشق عليه حسمه من مرتبه، ويُستحسن إذا كان هذا الوقف كثيرًا أن يُنَمَّى، ويُجعل عند من يتَّجرُ به حتى يكون من ربحه ما يُساعد به بعض المعوزين، الذين لا يستطيعون رَدَّ القرض، ويحتاجون إلى الاستدانة بما يُكلفهم فيعجزون عن وفائه. أهـ
ومن التطبيقات المعاصرة لوقف النقود مشروع باب رزق جميل، الذي هو أحد مشاريع المسؤولية الاجتماعية، التي تتبناها شركة عبد اللطيف جميل ومن خلاله يتم تأهيل وتمويل الشباب والفتيات الراغبين في العمل أو إقامة مشاريع تجارية، واستفاد من هذا المشروع النوعي ''غير الربحي'' الرائد الآلاف من العاطلين الذين تم تأهيلهم وتمويلهم من المبالغ المرصودة من الشركة لمصلحة هذا المشروع النوعي في المجتمع.
وكذلك صندوق الاستدامة المالية الذي أنشأته مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية برأسمال قدره 100 مليون ريال، الذي يهدف إلى دعم برامج الجمعيات والمؤسسات الخيرية ومشروعاتها وتمويلها قروضا حسنة لتدوير رأس المال وتوسيع نطاق الاستفادة منه على مستوى المملكة.
ومركز بناء الأسر المنتجة (جنى) المشروع الاقتصادي الاجتماعي الذي تبنته المؤسسة ويقدم خدمات الإقراض المتناهي الصغر للنساء دون اللجوء إلى الكفالات التقليدية ويهدف إلى تحويل الأسر المتلقية للمساعدات إلى أسر منتجة وتوفير حياة كريمة لأفرادها، ونجح المشروع في توفير أكثر من خمسة آلاف فرصة عمل للنساء من خلال التمويل الأصغر وتدريب وتوظيف 66 موظفة سعودية وإقامة دورات فنية وحرفية لأكثر من 120 سيدة.
ونتطلع إلى أن يكون للبنوك والشركات الكبرى ورجال الأعمال والمؤسسات المانحة دور فاعل ومساهمة في تبني مثل هذه البرامج النوعية الرائدة التي تخدم المجتمع وتحد من تفشي البطالة بين أفراده من خلال وقف مبالغ مالية تخصص لهذا الغرض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي