البكاء نظام اقتصادي لتبريد الأعصاب
إذا كانت الدنيا تضحك مع الضاحك فإن الباكي لا يبكي وحده كما يقول البعض منا، لأننا إذا رأينا شخصا يبكي نتعاطف معه على الفور بشكل أو بآخر، لأن الدموع تعبير عما عجزت عن التعبير عنه الكلمات، ولأن الدموع عادة ما تعبر عن رغبة ما، وقد تشير أيضا إلى الألم أو الخوف أو المتعة أو الحزن، وأحيانا تكون الدموع طلبا للعون والمساعدة.
وفقا لتقرير نشر أخيرا في المجلة البريطانية للعلوم الاجتماعية، فإننا حين نبكي يتجلى اعترافنا بالضعف، وربما بالهزيمة، ثم بشكل ضمني نطلب من الآخرين مساعدتنا، وبالتالي نخلق هدفا مشتركا معهم، وفي المقابل هناك البعض ممن يصابون بالاكتئاب لا يبكون أبدا، فهم أشبه بالرضيع الذي يفقد الأمل في أن يستجيب أحد لبكائه فيحمله، ولا يجدون جدوى من البكاء. وفي هذا السياق يقول عالم النفس الاجتماعي "توم لوتس" إن الناس الذين يعيشون في عزلة ومن فقدوا الأمل في كل شيء لا دافع لديهم للبكاء.
من البكاء ما هو صحي وله دافع اجتماعي ويتفق الجميع على أنه يجلب الراحة، لكنه ليس ملائما في كل الأوقات، فالبكاء في مكان العمل قد لا يريح وقد يسبب الإحراج لصاحبه، وقد يجعله يبدو خائر القوى أو يستدر عطف الناس.
ومن البكاء ما يستخدم كإشارة إلى الاستسلام لإبعاد الأذى عن النفس، ومثل هذا البكاء قد يأتي بالأثر العكسي على المعتدي الذي يستمتع باستسلام الضحية.
وقد أظهر التقرير المنشور في المجلة البريطانية للعلوم الاجتماعية أنه إذا كانت الدموع غير مجدية كأداة للمقاومة، فإنه من ناحية أخرى، يمكن النظر إلى البكاء باعتباره معيارا للصحة، أو كنظام تبريد للأعصاب الثائرة أو أداة للتنفيس.
يستشهد عالم النفس الاجتماعي توم لوتس بالعواطف التي صدرت عن صغار الشباب والشابات لدى مشاهدتهم فيلم "تايتانك"، ومنهم من شاهد الفيلم 14 أو 15 مرة، ويرى لوتس أن هؤلاء الشباب يجدون متعة في سكب الدموع تعاطفا مع أبطال الفيلم.
إذا كنا نبكي أحيانا لنقل احتياجاتنا للآخرين، فما الذي نجنيه حين نبكي ونحن وحدنا؟.. يقول "توم لوتس" إننا حتى في لحظات الوحدة والعزلة نتمثل جمهوراً يشاهدنا، وإذا استطعنا تحديد ما الذي نريد قوله لهذا الجمهور فسنكون أقدر على تحقيق حاجاتنا وتجفيف دموعنا.. وهكذا فإن البكاء نظام اقتصادي لتبريد الأعصاب لا يكلفك شيئا.. فابكِ على راحتك فلن تدفع شيئا.