عندما يكون وزير الخارجية ظريفاً!

لم يكن ظريفاً، كما اسمه، إنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عندما اتهم دولاً عربية سنية بـ "تأجيج نيران" العنف الطائفي. لا يخفى على أحد مَن يقصد الوزير الظريف بهذه الاتهامات. بالطبع السعودية ولا غيرها. نعم، السعودية وليست إيران ما يعني. ويضيف أن ما يجري هو "ترويجٌ للرعب!". من الواضح أن هذه الاتهامات ليست موجهةً لدول الخليج، بل هي للغرب وأمريكا، التي كانت شيطاناً أكبر، مفادها: نحن المعتدلون أما السُّنَّة فهم متطرفون، وهي رسالة تستميت طهران على ترويجها بألف صورة ومعنى. ودون الدخول في تفاصيل مَن أيقظ الفتنة الطائفية عام ١٩٧٩ مع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران. ودون التذكير بالهَم الرئيس الذي قامت عليه الدولة الإيرانية من تصدير للثورة تحت راية الولي الفقيه. وأيضاً دون استرجاع ذكريات المليشيات الشيعية الإرهابية التي عاثت في العراق فساداً بعد الغزو الأمريكي، وما أتبعها من رد فعل مشابه من مليشيات "القاعدة"، فإن طهران أدركت أن تسجيل الأهداف في المرمى الغربي ليس شرطاً أن يكون بالقدم ولا حتى بالرأس أو بالكتف، فبإمكانك تسجيل أجمل الأهداف وأصعبها بتحوير الحقائق لا غير. وهو ما جرّبته طهران مراراً وأثبت جدواه مع أمريكا أولاً ودول أوروبا ثانياً. وإلا فكل الدلائل تثبت أن إيران دولة ترعى الإرهاب؛ وليس فقط تبث الطائفية والكراهية. لا نختلف على أن هناك بعض الفتاوى السنية، كما الشيعية، تحث على الكراهية وتعزّز الطائفية. لكن على المستوى الرسمي الدلائل تشرح لنا مَن يتدخّل بصورة طائفية ومَن يحترم الشؤون الداخلية لدى جاره. إيران تتدخّل بشكل طائفي مقيت في البحرين وسورية والعراق ولبنان واليمن؛ بشكل واضح لا يخفى على أحد. وكذلك في السعودية والكويت ومصر بطريقة غير مباشرة. بالمقابل، السعودية ودول الخليج لم تتحرّك يوماً للدفاع عن الأقليات السنية التي تعاني الاضطهاد والعنصرية والطائفية من قِبل النظام الحاكم الإيراني. كان بإمكان دول الخليج عبر بيان من عدة أسطر أن تنغص على إيران وتفتح لها جبهة داخل أراضيها ومع هذا لم تفعلها. وفعلاً يحق لنا أن نتساءل: لماذا لم تعاملها دول الخليج بالمثل وتفعلها؟! الاتهامات الإيرانية خطورتها في أن طهران تستخدمها على المستوى الشعبي في دول الغرب وفق استراتيجية طويلة المدى. ملخصها ما لكم ومال هذه الدول السنية (المتطرفة). لن يمكنكم الوصول إلى توافق معها مهما بلغت التحالفات واقتربت المصالح. اتركوهم عنكم. نحن نفتح لكم أبوابنا على مصاريعها. نحن دولة إيران المعتدلة. ولا ننسى هنا أننا نعيش حالة غير مسبوقة من التخاذل الدولي. ففيما إيران، ووفق الحقائق على الأرض، ترسل مقاتليها إلى سورية وتحتل دولة عربية.. يكافئها الغرب على كل ذلك من بوابة ملفها النووي. الطائفية ارتفع منسوبها في العالم منذ نحو ثلاثة عقود، بفضل نظام حرص على أن يظهر كأنه حامي حمى الشيعة في العالم. نظام يتصادم مع دول لمصلحة أحزاب ومجموعات وأفراد فقط لأنهم شيعة. سيتشدق المدافعون: وماذا عن "حماس"؟ ونقول: وأينها "حماس" من دعم طهران بعدما اختلفت مع النظام السوري؟ في نهاية الأمر الإيرانيون يستخدمون الطائفية كجزء من لعبتهم السياسية التي تمكنهم من المُضي في استراتيجية قائمة على إشغال الآخرين بمعارك جانبية والمُضي في مشروع يهدف إلى السيطرة على الخليج وما جاوره بسلاح نووي أو بغيره، الطائفية تستخدمها إيران كوسيلة وليست غايةً، وحتى الآن استطاعت أن تفعل كل ما يحلو لها بالمال والسلاح دون أن يوقفها أحدٌ، ثم يأتي وزيرٌ ظريفٌ ليزوِّر الحقائق، وكأنّ الناس لا يرون ولا يسمعون ولا يفهمون!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي