الغيرة .. غريزة أم مرض؟

هل صحيح أن الغيرة كما عرفها جوردون جلانتون أستاذ علم الاجتماع الأمريكي بأنها عاطفة غير مستحبة تولد في صاحبها قلقا ورغبة في التملك؟ هل صحيح أن الغيرة قد يكون لها دور في حماية الحب عندما يتعرض حبنا لشخص للخطر؟
من خلال دراسات أجريت في بعض دول الغرب على الغيرة .. أكد الباحثون أن مشاعر الغيرة تختلف باختلاف الشعوب .. وأن هناك مجتمعات تكثر فيها الغيرة وأخرى تكاد تتلاشى فيها مشاعر الغيرة. في هذا السياق أجرى عالم النفس رالف هوبيكا دراسة على عدد من المجتمعات البشرية على مدى قرنين من الزمان وانتهى إلى وجود اختلافات كثيرة في انتشار الغيرة وطريقة التعبير عنها، فمثلا وجد أن الغيرة تقل جدا بين أفراد قبائل "التوادس" جنوب الهند، على حين أنها تزداد جدا بين الهنود "الأباتشي" في شمال أمريكا.
اتضح من دراسة رالف هوبيكا أن مشاعر الغيرة غير منتشرة وتكاد تصبح غير مستحبة بين قبائل التوادس الهندية لأن حضارتهم لا تشجع على امتلاك الأشياء والناس، أما "الأباتشي" الأمريكيون فإن الرجال منهم يتأخرون في الزواج بسبب عراقيل اجتماعية تقليدية، كذا عندما يتزوج الواحد منهم فإنه يغار على زوجته إلى درجة أنه قبل أن يرحل من منزله في عمل ما فإنه يختار واحدا من أقاربه الموثوق بهم ليراقب زوجته من بعيد ويكتب له تقريرا عن تصرفاتها طوال فترة غيابه.
كما اختلف العلماء في حديثهم عن أصل الغيرة، فبينما يرى رالف هوبيكا أن الغيرة ليست غريزة، فإن عالم النفس الشهير كينسي وبعض أساتذة علم الأحياء لا يوافقون على هذا الرأي ويرون أن الغيرة متوارثة، في حين أن عالم النفس تيودور روبين يرى أن الغيرة تولد من الشعور.
حول العلاقة بين الشخصية والغيرة أجرى فريق من علماء النفس دراسة على مائة رجل وامرأة تراوح أعمارهم بين 20 و50 سنة .. وأوضحت الدراسة أن هناك علاقة متبادلة بين الغيرة والصفات الشخصية والظروف والأحداث، وأن الغيرة تتأكد عند الإحساس بالقلق وعدم تقدير الذات، وعند الأفراد الذين حصلوا على قسط ضئيل من التعليم.
أوضح البحث أن الأفراد الذين يعانون الغيرة بسبب الشك في خيانة الطرف الآخر يكونون هم أنفسهم قد مارسوا فعل الخيانة، فالزوج غير الأمين في حياته الزوجية يشك في أمانة زوجته وإخلاصها وهكذا يقع فريسة الغيرة.
كما أوضح البحث أن الأفراد الذين يعانون الغيرة يبدون غير سعداء، ومن الصعب عليهم إخفاء ما يشعرون به من غيرة عن المحيطين بهم، وأنه في الوقت الذي لا يوجد اختلاف بين الرجل والمرأة بالنسبة للغيرة، فقد كشفت الدراسة أن المرأة تحاول إشعال غيرة الرجل بدرجة أكبر من محاولة الرجل إشعال غيرة المرأة، وأنه عندما يقوم شخص متطفل بتهديد علاقة رجل وامرأة فإن المرأة عندئذ تحاول حماية تلك العلاقة في حين يركز الرجل غالبا على الثأر لكرامته.
وسواء كانت الغيرة غريزة طبيعية تولد مع الإنسان أم سلوكا مكتسبا فإنني أرى أنها صحية إذا كانت في حدود المعقول، ومرضية إذا تجاوزت الحدود .. فكل شيء إذا زاد على حده انقلب إلى ضده .. وهذا ما نراه في جرائم القتل بسبب الغيرة.. فحذارِ من تناول الغيرة .. تناولها بحذر .. وتناوليها بالمعقول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي