إبرة روحاني المخدرة

''إبرة مخدرة أخرى''.. بهذا التعليق اختصر أحد قراء ''الاقتصادية'' مضمون مقال الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي نشر في هذه الصحيفة الخميس الماضي، ''إيران وتعزيز الثقة بين الشركاء التقليديين والجدد''. من خلال 1300 كلمة ــــ عدد كلمات المقال ــــ ناور وحاور وراوغ الرئيس روحاني وكأنه لاعب كرة قدم محترف، مستخدماً عبارات أكثر من رائعة مثل ''صوت الاعتدال'' و''نحرص على تجنب المواجهة والعداوة'' و''ملتزم بالاعتدال والحس السليم''.. وغيرها من العبارات الرنانة ناعمة الملمس، مختصراً في نهاية الأمر السياسة الإيرانية في رسالة للخارج: نحن أطيب من الحمل الوديع، المشكلة الأساسية في ظنونكم السيئة. تخيلوا الرئيس الإيراني يحاضر عن صوت الاعتدال!
23 تعليقا من قراء ''الاقتصادية'' على مقال روحاني، ركزوا خلالها على فكرة واحدة: كلامك جميل جداً، وتعبيراتك أجمل، ومع هذا من الاستحالة تصديقك وبلادك تقوم بهذا الكم من الأفعال غير القانونية دفعة واحدة، بالتأكيد السياسة الإيرانية ليس شرطاً ترى هذه المراوغة والتلاعب بالألفاظ كما يراه من هم خارج دائرتها، ناهيك عن تركيبة النظام التي تفصل بين مؤسساته وتسمح لكل منها بالعمل في زاوية معينة لا تتجاوزها، وهنا روحاني يقوم بعمله في مؤسسة الرئاسة، لكن لن يستطيع مثلاً مواجهة الحرس الثوري، الذي انتقد رئيسه اللواء محمد جعفر حكومة روحاني بشدة، مهدداً إياها بأنه لن ''يلتزم الصمت'' إزاء ما أسماه تهديد الثورة الإيرانية، بل إن روحاني ذاته يعترف، كما نقل عنه الكاتب ديفيد إغناتيوس في مقاله الأخير في ''واشنطن بوست''، بأن الحرس الثوري ''يجب أن يكون أقل نفوذاً''، فهل روحاني يتحدث كرئيس لإيران بأكملها، أم أنه فقط يتحرك في جزء من المساحة المخصصة له؟!
وحتى مع اقتناعنا بأن روحاني يلعب في ثلث الملعب الإيراني، بينما باقي الساحة السياسية لا يسيطر فعلياً عليها، فهو أيضاً مستمر في تطبيق المبدأ الإيراني الشهير: أقول ما تريدون، وأفعل ما أريد، وسنذكره بمثال واحد فقط، عندما قال إن بلاده تعمل على ''جلب السلام والاستقرار في سورية''، هل يتحدث فخامته عن سورية التي نعرفها، أم سورية أخرى جديدة؟ أليست أرض الشام من يعيث فيها جنود الحرس الثوري منذ ثلاثة أعوام قتلاً وتنكيلاً بالسوريين؟ أليست سورية من جند لها حزب الله مقاتليه، باعتراف حسن نصر الله؟ إلا إذا كان تدخل الحرس الثوري وحزب الله هو الذي يجلب السلام والاستقرار لسورية!
وبعيداً عن حكاية الطائفية التي تمسّح بها فخامة الرئيس وأظهر بلاده بأنها تذوق الأمرّين منها، الكل يعلم أن منسوب الطائفية في المنطقة ارتفع بشكل واضح عندما انطلقت الثورة الايرانية أولاً، وبعد التدخلات الإيرانية إثر الغزو الأمريكي للعراق ثانياً، فلا يراوغ فخامته بهذا الكلام المعسول والحقائق تدين بلاده باعتبارها المصدر الأول للطائفية في العالم، من لبنان إلى اليمن مروراً بالعراق وسورية والبحرين.
من يرصد التحولات التي طرأت على السياسة الإيرانية منذ الثورة الإيرانية عام 1979، سيلاحظ أنها لم تتغير طوال أكثر من ثلاثة عقود، سياسة آية الله علي خامنئي لم تتغير عن أسلافه رفسنجاني وخاتمي ونجاد وحالياً روحاني. الشكل العام للسياسة الإيرانية يتغير أما المضمون فهو ثابت على خط المرشد الأعلى. الفرق الوحيد أن النظام في طهران بارع في استخدام الإبر المخدرة، كما يسرف حالياً في استخدامها الشيخ حسن روحاني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي