دعنا نصفق لك قبل أن تترك «الكرسي»

القادة العظام يخلدهم التاريخ، وتظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الشعوب، يستوي في ذلك قادة الدول وقادة المؤسسات، ولن تفلح الحملات الدعائية الضخمة في تحبيب الناس باسم "قائد" لا يحظى بشعبية عند الناس لأفعال محمودة أو إنجازات ملحوظة.
بمرور الأسبوع الماضي (14 فبراير)، يكون وزير الصحة السعودي الدكتور عبد الله الربيعة قد أمضى في منصب الوزارة خمسة أعوام، وقف فيها متلقيا هجمات المواطنين والإعلام.
خلال هذه الأعوام..
لم تكن العلاقة بين وزير الصحة والسعوديين على وئام، على اختلاف مستوياتهم، حيث تزايد استياؤهم من تدني الرعاية الصحية التي لا تتماشى مع تطلعاتهم واحتياجاتهم، ولا تعكس الاستغلال الأمثل للموارد الهائلة التي تملكها الوزارة "المترهلة"، وكان "التأمين الصحي" أكثر ملفات "الصحة" إثارة لنقمة المواطنين، إذ يرون في الوزير السبب في تأجيل التطبيق، مع العلم أن وزارة الصحة في عهد وزيرها السابق الدكتور حمد المانع كانت قاب قوسين أو أدنى من تطبيق مشروع التأمين الصحي على المواطنين، لكن المشروع تعثر مع مجيء الدكتور الربيعة لأسباب غير مقنعة، منها أن "التأمين" ــــ كما يقول ــــ يجب أن يدرس ويدرس دراسة مستفيضة حتى لا يظلم المواطنين، وعن أي ظلم نتحدث وهم مشتتون في ثلاثة مشاهد:
ـــــ موظفو ومتقاعدو القطاع العام (المدني) يكابدون عناء طوابير الانتظار في المستشفيات الحكومية أو تحمل التكاليف الباهظة في المستشفيات الخاصة (# التأمين ــــ الصحي ــــ لموظفي ــــ الدولة)!
ـــــ موظفو ومتقاعدو القطاع العام (العسكري) يتلقون الرعاية الصحية في المستشفيات التابعة لجهات عملهم رغم أنها باتت تشهد ازدحاما من مقيمين ينتمون إلى جنسيات العاملين هناك!
ــــــ موظفو القطاع الخاص ـــــ باستثناء بعض المنشآت الفردية والعائلية ـــــ يتلقون الرعاية في المستشفيات والمراكز الطبية المنضوية تحت شبكة التأمين الصحي!
خلال هذه الأعوام الخمسة..
"تضخم" الهيكل التنظيمي للوزارة، لتصبح ـــــ شأنها شأن وزارة التربية والتعليم ـــــ وزارة ذات كيان "بيروقراطي" تنطبق عليها معادلة إنه "كلما تضخم الهيكل التنظيمي للجهاز، تدنى مستوى أدائه"، كيان يضم: الوزير، ونائبين للوزير، و4 وكلاء، و9 وكلاء مساعدين، إضافة إلى 58 مديرا عاما داخل الوزارة، و13 مديرا عاما للشؤون الصحية موزعين في مناطق السعودية، هذا غير أمناء المجالس ومديري البرامج والإدارات التابعة للوزارة، لذا لا تستغربوا إذا كان 60 في المائة من ميزانية هذه الوزارة "المترهلة" تذهب في رواتب وبدلات منسوبيها!
خلال هذه الأعوام الخمسة..
حالات تدخل المستشفى وهي مريضة وتغادر وهي أكثر سقما، مرضى يفقدون حاسة من حواسهم أو تتلف أعضاؤهم أو يصابون بالشلل الرباعي نتيجة خطأ طبي، أو يتلقون جرعة عالية من البنج أو حقنة من العلاج الكيماوي كل ذلك بالخطأ، مرضى يموتون نتيجة إعطائهم "النيتروجين" بدل "الأكسجين"، وبدلا من محاسبة المتسببين، نسمع من داخل الوزارة من يصنف ذلك على أنه "قضاء وقدر" إلى درجة أن الإعلام الغربي صار يتهكم علينا، ويقول إن السعودية المكان الوحيد في العالم الذي تستطيع فيه أن تعبث بأرواح البشر وتدعي أن ذلك هو مشيئة الله!
فقد بلغت، وفق مصادر، قضايا الأخطاء الطبية المعروضة على الهيئات الصحية الشرعية في السعودية نحو 5105 قضايا خلال السنوات الماضية "ألف قضية مع كل شمعة يطفئها الوزير!"، صدرت قرارات في 2139 قضية، من بينها 1239 قرارا متعلقا بوفيات الأخطاء الطبية، وصدر قرار إدانة في 415 منها استغرقت 6545 جلسة.
بل المصيبة أن كل هذه القضايا المنظورة لا تعادل 5 في المائة من مجمل الأخطاء الطبية التي ترتكبها المستشفيات على أرض الواقع، كما يقول القاضي عبد الرحمن العجيري، الذي يؤكد أن غالبية المستشفيات تخفي الأسباب، ولا تطلع أهل المتوفى أو المصاب بخطأ طبي على تفاصيل تقارير حالة الإصابة أو الوفاة!
ألم يكن ممكنا أن تكون الوزارة أكثر رشاقة إدارية وتنظيمية تمكنها من سرعة اتخاذ القرارات والإشراف الفعال على القطاع الصحي؟ وزارة "ديناميكية" قادرة على قياس أدائها وفحص مستوى خدمات القطاع، من خلال استغلال العقول والتقنية بدلا من أن نتباهى ــــ كالعادة ــــ بكم صرفنا؟ وليس بكيف صرفنا؟
أين هي الرعاية الصحية ذات المستوى العالي التي كانت تتردد في خطط التنمية الخمسية؟ لم نرَ سوى مرضى "منومين" في ممرات المستشفيات الحكومية، أو عاجزين عن دخول المستشفيات الخاصة؟
ألم يكن ممكنا أن تبتكر الوزارة "تصنيفا" خاصا بالمستشفيات والمراكز الطبية ــــ العامة والخاصة ـــــ يقسمها حسب معايير جودة الخدمات الطبية ــــ كما نفعل مع الفنادق ـــــ فنميز بين جهة طبية ذات خمسة "أهلة" وجهة طبية ذات "هلال" واحد؟ ألم يكن ممكنا أن نضع قائمة سوداء للعاملين في القطاع الصحي ممن يعبثون بأرواح الناس؟
الدكتور الربيعة عندما يعمل في عيادته فهو طبيب جراح بارع، كتب اسمه بحروف ذهبية في الأوساط الطبية على مستوى العالم، لكنه عندما يخلع "معطفه"، ويرتدي "البشت" يكون أكثر الوزراء السعوديين عرضة للهجوم والانتقادات بسبب أداء وزارته، فهل يسارع إلى جلب "مبضعه" السحري من العيادة، ويداوي قطاع "الصحة" قبل فوات الأوان، لعله يحظى من السعوديين بموجة من التصفيق تنسيه تعب الأعوام الخمسة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي