حامل الأكياس
التقيت عبد الرحمن (15 عاماً) لأول مرة أمام باب خروج سوبر ماركت في الدمام قبل نحو سبع سنوات. كان يرتدي قميص مهاجم مانشستر يونايتد، يعرض على المتسوّقين أن يساعدهم على دفع عرباتهم ووضع الأكياس في حقيبة السيارة.
كانت عربتي شبه فارغة، وقتئذ، لكن حاولت أن أساعد عبد الرحمن. قاد عربتي إلى مركبتي ووضع الأكياس بعناية في حقيبتها. سألته عن أجره. فقال: "أي شيء تجود به". أعطيته ما تيسّر وغادرت.
شاهدت عبد الرحمن مصادفة بعد سنوات من اللقاء في قرطاسية في الخُبر. كان يرتدي ثوباً وشماغاً هذه المرة، ينهمك في تصوير مستندات لزبون ويحاور آخر عبر الهاتف. سألته بعد أن أغلق السماعة وأنجز مهمة التصوير بنجاح: هل أنت عبد الرحمن، الذي كان يحمل الأكياس أمام باب سوبر ماركت في الدمام؟ فأجابني بالإيجاب، ثم أردف: هل سبق أن ساعدتك؟ قلت له: نعم.
انحزت إلى فضولي وتابعت استجوابه: هل اعتزلت مهنتك السابقة، واخترت العمل في قرطاسية؟ أجاب باسماً بعد أن سألني عن اسمي، أن حمل الأكياس لم تكن مهنة أو وظيفة. كانت عملاً يقوم به في وقت فراغه يمنحه مصروفاً إضافياً. ويعترف عبد الرحمن أن أهل الخير كانوا لا يبخلون عليه، يمنحونه مئات الريالات أحياناً تشجيعا له. ويشير عبد الرحمن إلى أن رأسمال هذه القرطاسية التي نستظل في فيئها ثمرة لعمله أمام باب السوبر ماركت.
يعمل عبد الرحمن في القرطاسية، التي يملكها مساءً ويدرس صباحاً في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران.
يعتقد رائد الأعمال الشاب أن عمله صغيراً سهَّل من مهمته شاباً كثيراً، ويؤمن أننا سنلتقي بعد سنوات قليلة في مكان آخر أكبر وأكثر رحابة.
إن عبد الرحمن مثالٌ للشاب الطموح، الذي يخلق الفرصة ولا ينتظرها تأتي له، يجسّد صورة الشخص الذي أراد تغيير واقعه بيديه دون أن يحتاج إلى هبة أو صدقة.
أشفق على أولئك، الذين يصرفون ساعاتهم في الضجر غير مدركين أن محاربة الضجر تأتي عبر الإقلاع عنه.
ارتداؤك قمصان المهاجمين لن يجعل منك هدافاً. إحراز الأهداف خيارٌ لا يجيده سوى مَن يدخل الملعب ويكافح لتطوير مهاراته وأدائه.
إذا أراد أحدنا أن يسجل ويحرز ويفوز، عليه أن يتحلى بالشجاعة ويرتدي قميص خوض التجربة تلو الأخرى. يبحث عن فرص تصقله وتنميه وتجعل منه نجماً يُشار إليه بالبنان.
لن تصفق الجماهير إلى لاعب قابع في عزلته ومحاصر بتذمره، وإنما مَن تراه يحاول ويسجل ويحتفل.