قوة «علم» .. قوة للحكومة السعودية
إذا قلنا إن شركة "علم" تكاد تكون الشركة الوحيدة التي أسهمت في تطوير أداء الحكومة السعودية، فإننا لا نبالغ في الوصف.
إذ تمكنت هذه الشركة الوطنية التي يملكها صندوق الاستثمارات العامة من إدخال التقنية للقطاع الحكومي، وإعادة هندسة إجراءات العمل في الكثير من مؤسساته مع ممارستها لدور بارز في توفير موارد بشرية على مستوى عال من الكفاءة، والقدرة على التعامل مع العملاء ومتطلباتهم.
فالفكر "البيروقراطي" الذي يسود في بعض أنحاء القطاع الحكومي لا يراعي مبادئ ومفاهيم خدمة العملاء، بدليل أن بعض الجهات الحكومية تقدم خدمات متردية، وعلى يد موظفين غير مؤهلين للتعامل مع الجمهور، علاوة على أن خدماتها لا تنضوي تحت إدارة واحدة، فتجدها مشتتة ومتناثرة في عدة إدارات.
وهذا ما يزيد الفجوة بين العميل، وبين الجهة الحكومية "مقدمة الخدمة"، فالعميل دائما يركز على جودة الخدمة وسرعتها مع تدني تكلفتها، في حين أن الموظف "البيروقراطي" يركز على مدى اتباعه للأنظمة والإجراءات -خوفا من المسؤولية- بغض النظر عن جودة عمله أو سرعة أدائه أو التكلفة المترتبة على إجراءات كثيرة تنهك العميل ولا مبرر أو قيمة لها.
لذا، أجدني مقتنعا بأن البيروقراطية في السعودية لا تعالج إلا بثلاث "عمليات إعادة": إعادة صياغة القوانين، وإعادة هيكلة الأجهزة الحكومية، وإعادة هندسة العمليات الإدارية "الهندرة"، على أن نوفر لهذه المشاريع الكبرى .. الموارد البشرية والمالية والمادية اللازمة.
عندما أسست شركة "علم" عام 1986 كانت في الأصل شركة أبحاث تابعة لمركز المعلومات الوطني "وزارة الداخلية"، وبحلول عام 2002، اتسع الأفق أمام الشركة لتصبح شركة حكومية متخصصة في الأعمال الحكومية الآمنة، إلى أن قرر مجلس الوزراء السعودي عام 2007، تحويلها إلى شركة مساهمة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، وفي عام 2010 بادرت الشركة إلى إطلاق خطتها الاستراتيجية للنمو، وتوسيع نطاق عملها بشكل جوهري، والتعاقد مع الجهات الحكومية لتنفيذ مشاريع تحسين الإجراءات والإسناد.
وتسعى الشركة بشكل دءوب لمساعدة المؤسسات الحكومية -وحتى غير الحكومية- على تحسين وتطوير خدماتها، والعمل بذكاء واحترافية تمكنها من تقديم خدمات فائقة لعملائها عبر ابتكار مجموعة واسعة من طرق تقديم الخدمات سواء كانت بشكل مباشر أو من خلال نوافذ إلكترونية آمنة.
وتعمل "علم" على ابتكار وتنفيذ الحلول الشاملة في مجال المنتجات الإلكترونية ومشاريع الإسناد الحكومي وتقنية المعلومات، وتقديمها للعملاء بمستوى راق يساعد على تحقيق أهدافهم، مع الحرص على تطوير الخبرات الوطنية، والمساهمة في توطين الخبرات، علما بأن خدمات الشركة تتركز في أربعة مجالات، هي:
• ابتكار وتطوير المنتجات الإلكترونية: أي توفير الخدمات الإلكترونية مثل "مقيم" "الخدمة التي تربط الجهة المستفيدة بالجوازات"، وغيرها من الخدمات كـ "يقين"، و"تم"، و"شموس".
• تنفيذ مشاريع تقنية المعلومات: مثل تنفيذ البرنامج الوطني لإعانة الباحثين عن العمل "حافز"، والبوابة الإلكترونية لوزارة الداخلية "أبشر"، والبرنامج الوطني للدعم السكني "إسكان"، والمرصد الوطني لسوق العمل، وشبكة خدمات الإيجار.
• الخدمات الاستشارية: تتمثل في إعادة هندسة إجراءات العمل "الهندرة"، ووضع استراتيجيات تقنية المعلومات، وتأسيس وتشغيل مكاتب إدارة المشاريع، ووضع السياسات ودراسة تأثيرها.
• خدمات الإسناد الحكومي outsourcing: كإنشاء مراكز خدمات العملاء لدى الأحوال المدنية والمرور و"طاقات" وأمانة منطقة المدينة المنورة، وتشغيل مراكز التواصل الإلكتروني لمكتب وزير الداخلية، إضافة إلى توفير حلول التدريب والتعلّم، وبناء وتشغيل مراكز المعلومات.
وكما نلاحظ، فإن أعمال شركة "علم" قد أسهمت مع مرور الزمن بتوليد وجلب فرص ذهبية لها، فعملها في مجال الخدمات الإلكترونية "التحول نحو البيئة اللاورقية"، حفزها لتقديم خدمات إعادة هندسة إجراءات العمل، وهذه الخدمات دفعت الشركة بالتشغيل عن الغير وتوفير موارد بشرية على مستوى عال من التأهيل، وهو ما استدعى منها أن توفر حلولا فريدة في تدريب الموارد البشرية وتطويرها.
وفي ظل النجاح والازدهار الذي تشهده الشركة الصاعدة، فإننا نطرح على الحكومة السعودية والإدارة العليا للشركة، مقترحين على النحو التالي:
المقترح الأول، التوجه نحو إنشاء شركات شقيقة spin offs لشركة "علم"، هما: "علم للخدمات الاستشارية" و"علم للموارد البشرية"، بحيث تتمكن الشركة الأساسية "دعونا نسميها (علم لتقنية المعلومات)" من الاحتفاظ بصلب عملها core business وهو المتعلق بتنفيذ مشاريع تقنية المعلومات، وابتكار وتطوير المنتجات الإلكترونية، في حين يكون دور الشركتين المستقلتين، على النحو التالي:
• شركة "علم للخدمات الاستشارية": تتولى تقديم الخدمات المرتبطة بإعادة هندسة إجراءات العمل "الهندرة"، ووضع استراتيجيات تقنية المعلومات، وتأسيس وتشغيل مكاتب إدارة المشاريع، ووضع السياسات ودراسة تأثيرها.
• شركة "علم للموارد البشرية": تتولى تقديم خدمات الإسناد، أي إدارة وتشغيل مراكز خدمات العملاء للجهات الحكومية وحتى الخاصة، وتقديم حلول التدريب والتعلم، بينما تناط خدمات بناء وتشغيل مراكز المعلومات "مثل مركز المعلومات الزراعية" بشركة "علم لتقنية المعلومات".
أما المقترح الثاني، فإننا نطرحه إذا لم يكن هناك توجه حكومي شامل لتغيير الأنظمة والإجراءات القديمة، ويتمثل في أن تحصل شركة "علم" على امتياز من الحكومة السعودية لتقديم خدمات الجهات الحكومية كافة عبر "مراكز موحدة للخدمات الحكومية" في المدن والمحافظات، تعمل وفق آلية "استقبال/ تنفيذ/ تسليم"، أي أن المركز الموحد يستقبل طلب الخدمة من العميل "المواطن"، وينفذ الطلب ويقدم له الخدمة برسم رمزي دون الرجوع للجهة الحكومية "الجهة الأصلية المنفذة للخدمة، كالأحوال المدنية أو الجوازات أو البلدية" إلا عن طريق أنظمة المعلومات، مع الإشارة إلى أن التجارب الحالية لشركة "علم" في مجال خدمة العملاء مشجعة ورائدة، لكنها من حيث النطاق محصورة في جهات حكومية "منفردة" "مركز خدمة عملاء للجهات الحكومية المتعاقدة مع الشركة" وليست "شاملة" "أي مركز خدمة عملاء لعدة جهات حكومية تحت سقف واحد".
إننا نتطلع فعلا إلى أن يكون خلاص القطاع الحكومي من "البيروقراطية" على يد شركة "علم"، وأن تنهض بجهاتنا الحكومية نحو أفق رحب يصل بها إلى "التميز المؤسسي"، الذي يمكن هذه الجهات من أن تركز على خدمة العملاء، وتحقيق رضاهم، وتنمية الموارد البشرية والمالية، وتوثيق الأنظمة، وتبسيط الإجراءات، وتشجيع روح الإبداع، لتوفير بيئة عمل تحفز كافة الجهات الحكومية على تحقيق التنمية المنشودة.