وزير يأتي ويذهب .. والحرس القديم باقون
عندما يعين وزير عندنا في السعودية، فإنه ــــ إذا كان قياديا مبدعا ـــــ سيقضي "وقتا طويلا" لإعادة هيكلة وزارته، وتطويرها، وتعيين كفاءات وطنية.
مع العلم أن طول الوقت المستغرق لا يعزى إلى انعدام الإبداع الإداري أو الشح في الكفاءات الوطنية ــــ وهي المتوافرة ـــــ بل يعزى إلى طول الإجراءات المرتبطة بإعادة هيكلة الوزارة، والإجراءات الأخرى المرتبطة بتعيين كبار مسؤوليها.
فأي مشروع لإعادة هيكلة وزارة ـــــ أو أي جهاز حكومي إجمالا ــــ يجب أن يعرض على "اللجنة العليا للتنظيم الإداري" (المعروفة سابقا بـ "اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري")، وبعد نقاشات مطولة ومسودات عديدة، يتم اعتماد مشروع الهيكلة من قبل اللجنة.
أما على مستوى التعيينات، فإن البيروقراطية "نظام الخدمة المدنية" عندنا لا تمنح "الوزير" ــــ وهو نائل الثقة الملكية والمؤتمن على مسؤولية عظيمة ــــ صلاحية تعيين نائبه، ولا صلاحية تعيين وكلاء وزارته، ولا حتى وكلائها المساعدين، إذ عليه أن يرفع للمستوى الإداري الأعلى مرشحا الأسماء، فيصدر إما قرار من مجلس الوزراء بتعيين وكيل وزارة "بالمرتبة الخامسة عشرة" أو تعيين وكيل وزارة مساعد "بالمرتبة الرابعة عشرة"، أو يصدر أمر ملكي بتعيين نائب للوزير إما بمرتبة وزير أو بالمرتبة الممتازة.
ولعلنا نلاحظ أن الوزير خلال فترة عهده الممتدة على مدى أربعة أعوام، يناضل على عدة جبهات، محاولا إرضاء الحكومة من خلال تطبيق الخطط والاستراتيجيات المعتمدة، وإرضاء المواطنين "العملاء" من خلال توفير الخدمات عالية المستوى، وإرضاء الموظفين من خلال تأسيس بيئة عمل جذابة ومحفزة، ونراه تارة يتودد إلى وزارة الخدمة المدنية لتوفير الوظائف والموظفين، ويتابع مشروعات وزارته المتعثرة، ويلاحق وزارة المالية لصرف مستحقات الموردين والمقاولين، ويجاهد هنا وهناك، وإذا لم يكن مع الوزير "فريق عمل" يتماشى مع رؤيته المنبثقة من رؤية الحكومة، فإن جهوده ستبوء بالفشل لا محالة.
إن الوزير يستميت بحثا عن قياديين "يشد بهم ظهره"، يستقطب بعضهم من خارج الوزارة، وربما من خارج القطاع العام، ويحاول أن يقنع القادمين من القطاع الخاص أن ينضموا إلى فريقه رغم أن بعضهم يتقاضى في شركته رواتب ومزايا تفوق راتب الوزير ذاته، وربما تنقضي سنوات عهده الأربع دون أن ينجح في زحزحة بعض مسؤولي وزارته المعمرين "الحرس القديم" عن مناصبهم التي احتفظوا بها لسنوات طويلة، جعلتهم يحركون مفاصل الوزارة، وربما يعرقلون مبادرات التغيير التي يرون فيها تهديدا لمصالحهم الخاصة.
شخصيا، أؤيد بشدة التوجه نحو delayering أي إعادة هيكلة الكيان الإداري عن طريق التخلص من كثرة المستويات الإدارية في الوزارات على وجه التحديد، وإلغاء المناصب غير الضرورية مثل "نائب وزير"، فنحن ندرك الحاجة إلى منصب "نائب وزير" في وزارات "ديناميكية" مثل الداخلية أو الخارجية، لكننا لا نستوعب الحاجة إلى استحداث منصب "نائب وزير" في وزارات مثل وزارة الإسكان، ووزارة الاقتصاد والتخطيط اللتين لا يستدعي حجم عملهما وطبيعته إلى استحداث مثل ذلك المنصب!
على المنوال ذاته، نجد أن وزاراتنا المتضخمة، تزخر بمناصب مثل "وكيل"، و"وكيل مساعد" و"مدير عام"، وهي مناصب ورثناها من البيروقراطية المصرية، هدفها تأخير عملية "صنع القرار"، وتكرس "الطبقية الإدارية"، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، وزارة التربية والتعليم، ووزارة الصحة "يمكن الإطلاع على المخطط التنظيمي للوزارتين في حسابي في تويتر @Dabaan1".
هناك 24 وزارة في السعودية، وفي كل وزارة ما لا يقل عن ثلاثة وكلاء "72 وكيلا"، وما لا يقل عن ثلاثة وكلاء مساعدين "72 وكيلا مساعدا"، هذا غير المديرين العامين، وبالتالي ليس من السهل إحداث تغيير على مستوى القيادات الحكومية في ظل الأنظمة السائدة، ولهذا نقترح الحلول التالية على الحكومة السعودية لمساعدة "الوزراء" على تسريع عملية اختيار وتعيين القيادات الوزارية:
أولا: تخفيض صلاحية التعيين على المرتبتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة من مجلس الوزراء إلى الوزير المختص، ويتم ذلك بتعديل المادة السادسة من "نظام الخدمة المدنية" التي تنص على أن: "يتم شغل وظائف المرتبة الرابعة عشرة فما فوق بقرار من مجلس الوزراء ويتم شغل وظائف المرتبة الثالثة عشرة فما دون بقرار من الوزير المختص"، لتكون بعد التعديل: "يتم شغل وظائف المرتبة الخامسة عشرة فما دون بقرار من الوزير المختص"، خاصة إذا كانت المناصب التي ينوي الوزير التعيين عليها متوفرة أصلا في الهيكل التنظيمي للوزارة، الذي يفترض أنه معتمد من "اللجنة العليا للتنظيم الإداري".
ثانيا: أن تبادر "اللجنة العليا للتنظيم الإداري" إلى وضع "دليل" تلتزم به الوزارات عند تنفيذ مشروعات إعادة الهيكلة، يتضمن إلغاء بعض المناصب غير الضرورية (مثل "وكيل مساعد" فهو ليس وكيلا ولا مديرا عاما!)، والحد من نواب الوزير والوكلاء والمديرين العامين.
ويمكن للجنة أن تصوغ الدليل انطلاقا من قرارات مجلس الوزراء ذات العلاقة بالتنظيم الإداري، مثل قرار المجلس ذي الرقم (235)، وتاريخ 08/20/ 1425 هـ (إنشاء وارتباط وحدات المراجعة الداخلية)، وقرار المجلس ذي الرقم (240)، وتاريخ 08/23/ 1428 هـ "إنشاء وارتباط وحدات تقنية المعلومات".
إذ ألزم مجلس الوزراء الجهات الحكومية بإنشاء وحدات للمراجعة الداخلية من خلال القرار ذي الرقم (235)، وتاريخ 08/20/ 1425 هـ، الذي نصت فقرته الثانية على "تأسيس وحدات للرقابة الداخلية في كل جهة مشمولة برقابة ديوان المراقبة العامة يرتبط رئيسها بالمسؤول الأول في الجهاز، وذلك لتوفير مقومات الرقابة الذاتية والحماية الوقائية للمال العام وترشيد استخداماته والإسهام في رفع كفاية الأداء في الأجهزة الحكومية".
أما قرار مجلس الوزراء رقم (240) وتاريخ 08/23/ 1428 هـ، فيقضي بتخصيص مناصب إدارية عليا لتقنية المعلومات في الأجهزة الحكومية، حيث تضمن هذا القرار ربط الوحدة الإدارية المسؤولة عن تقنية المعلومات في الأجهزة الحكومية بالمسؤول الأول، وتخصيص منصب مدير عام للوحدة المسؤولة عن تقنية المعلومات في الأجهزة الحكومية، مع توحيد جميع إدارات تقنية المعلومات وأقسامها في الأجهزة الحكومية، وربطها بالمنصب الوظيفي المقترح لنشاط تقنية المعلومات.
ثالثا: تكليف شركة "علم" بإنشاء قاعدة بيانات للقياديين في القطاعين العام والخاص تمكن متخذي القرار في الوزارات ــــ بمعونة إدارات الموارد البشرية التابعة لها ـــــ من البحث عن "المرشحين" لتولي مناصب قيادية، ويمكن التوسع في هذا الجانب ليتم السماح للوزارات بالتعاقد مع شركات لاستقطاب الكفاءات الوطنية.
إننا قبل أن نحاسب الوزير على نجاحه أو فشله، وقبل أن نشن عليه هجوما في المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن نمنحه الأدوات والصلاحيات والموارد التي تمكنه من التغيير والإبداع، إذ ليس من المعقول أن نكبله بأنظمة ولوائح قديمة، وفي الوقت ذاته نطالبه بالتحرر من القيود وتحقيق "الإبداع الإداري"!