إعادة هيكلة مؤسسات السلامة والبيئة

إذا أردنا وصفا واضحا ومبسطا لمهام وزارة الداخلية، فسوف نختصر دورها الرئيس في كلمتين: "الأمن" (الحماية من الأذى المقصود)، و"السلامة" (الحماية من الأذى غير المقصود). وطالما أن الوزارة ــ المعنية بالحفاظ على الأرواح والممتلكات ــ تواصل دفع عجلة التغيير والتطوير منذ تولي الأمير محمد بن نايف إدارتها في نوفمبر 2012، فإننا سنستعرض أربعة سيناريوهات تعيد هيكلة المؤسسات المعنية بالسلامة وحماية البيئة داخل السعودية، وفي كل منها ــ باستثناء الخيار الرابع ــ سيظل "الجهاز الجديد" تحت مظلة وزارة الداخلية:
- السيناريو (1): دمج "المرور" مع "الدفاع المدني" لتشكيل "شرطة السلامة".
- السيناريو (2): دمج "المرور" و"الدفاع المدني" و"الحياة الفطرية" لتشكيل "شرطة السلامة وحماية البيئة".
- السيناريو (3): دمج "المرور" و"الدفاع المدني" و"الحياة الفطرية" و"الأرصاد وحماية البيئة" لتشكيل "قوات السلامة وحماية البيئة".
- السيناريو (4): دمج "المرور" و"الدفاع المدني" لتشكيل "شرطة السلامة"، ودمج "الحياة الفطرية" و"الأرصاد وحماية البيئة" لتشكيل "هيئة حماية البيئة".

السيناريو (1)
استطاع "المرور" أن يخفف عن كاهله بعض الأعباء عن طريق الإسناد outsourcing، حيث أسند لشركة نجم لخدمات التأمين "نجم" ــ وهي الشركة المملوكة لـ 26 شركة تأمين ــ مباشرة ورفع الحوادث المرورية في 22 مدينة سعودية، شرط أن يكون أحد أطراف هذه الحوادث على الأقل حاملا وثيقة تأمين سارية المفعول، وعلى المنوال ذاته، نجد أن "المرور" تحرر من عبء رصد ومراقبة حركة السير ومتابعة المخالفين عندما دشن نظام "ساهر"، وعهد بتشغيل النظام لشركات خاصة.
لذلك، فإن متغيرات الواقع تحتم علينا تطوير شكل "المرور" بما يتناسب مع أوضاعنا، فنحن ما زلنا نعاني قلة الوعي فيما يتصل بالسلامة، وهذا ما يدفعنا إلى اقتراح دمج جهاز "المرور" مع جهاز "الدفاع المدني"، على أساس أن القاسم المشترك بين الجهازين يكمن في سعيهما لتحقيق "السلامة"، فالمرور يركز على سلامة "الطريق" (حماية السائقين والركاب والمشاة)، و"الدفاع المدني" يركز على سلامة "المرافق" (حماية الأرواح والممتلكات من الحوادث)، ودمج الجهازين يعزز التوجه نحو السلامة، ويسهم في ترسيخ ثقافتها.

السيناريو (2)
قبل أيام دعا رئيس الهيئة السعودية للحياة الفطرية الأمير بندر بن سعود بن محمد (المرتبط إداريا برئيس مجلس الوزراء)، إلى إنشاء شرطة بيئية بأسرع وقت ممكن كي يكون هناك جهاز أمني بيئي يغطي أنحاء السعودية كافة، مؤكدا أن ما يحدث من تصرفات مدمرة للبيئة، تتناقلها شبكات التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع يوتيوب لجرائم بيئية (كقطع الأشجار وإبادة الضبان)، يعد ضربا من ضروب الإرهاب البيئي الموجه للقضاء على الكائنات الفطرية، وهو سلوك مخالف لتعاليم الكتاب والسنة، وينتهك الأنظمة الوطنية التي لم تسن عبثا.
وحيث إن هناك حاجة ملحة إلى إيجاد "جهة أمنية" تكلف بحماية البيئة والحياة الفطرية، فمن الأنسب أن يتم إنشاء هذه الجهة عن طريق دمج كل من المرور والدفاع المدني مع الهيئة السعودية للحياة الفطرية لتكوين "شرطة السلامة وحماية البيئة"، بحيث يكون من مهامها الحفاظ على سلامة الأرواح والممتلكات والمركبات، وحماية البيئة من التلوث، وصيانة الحياة الفطرية من المخاطر، ومنها الصيد الجائر والمتاجرة بالكائنات الفطرية المهددة بالانقراض ومنتجاتها.
السيناريو (3)
ربما نتوسع في التفكير، فندمج أربع جهات: جهتان تابعتان لوزارة الداخلية، وجهتان مستقلتان، أي نأخذ "المرور" وندمجه مع "الدفاع المدني" و"الهيئة السعودية للحياة الفطرية"، و"الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة"، ويتشكل من هذا الدمج كيان قوي وكبير، يمكن تسميته بـ "قوات السلامة وحماية البيئة" تتبع لوزارة الداخلية، وتمتلك دوريات برية وجوية وبحرية تعزز السلامة والأمن البيئي.

السيناريو (4)
إذا رأى متخذو القرار إبقاء الفصل بين مهمة "الحفاظ على السلامة" ومهمة "حماية البيئة"، فيمكن وضع سيناريو رابع يتمثل في:
- دمج "المرور" و"الدفاع المدني" لتشكيل "شرطة السلامة"
- ودمج "الحياة الفطرية" و"الأرصاد وحماية البيئة" لتشكيل "هيئة حماية البيئة".
إلا أنني شخصيا أتحفظ على هذا السيناريو، لأني أرى فيه بعثرة للجهود والموارد، فالتوجهات الحديثة للسلامة تراعي معايير حماية البيئة والتنمية المستدامة، وبالتالي فهناك تكامل بين مبدأ "تحقيق السلامة" ومبدأ "حماية البيئة"، وهذا التكامل يتضح ــ على سبيل المثال ــ عندما تهدد الكوارث الطبيعية مناطق السعودية، حيث يستنفر "المرور"، و"الدفاع المدني" و"الأرصاد وحماية البيئة" للتحذير من مخاطرها والتدخل لإنقاذ الناس. إذن، كانت تلك أربعة مقترحات لإعادة هيكلة مؤسسات السلامة وحماية البيئة نطرحها أمام مجلس الوزراء السعودي، واللجنة العليا للتنظيم الإداري، مع ميلنا إلى الخيار الثالث باعتباره الخيار الأمثل الذي يركز الجهود والموارد لتحقيق الأهداف المنشودة، وإذا أخذ به فإنه يقتضي بالطبع إجراء تعديلات قانونية، كتحديث "الجهة" المكلفة بتطبيق الأنظمة المعنية بالسلامة والبيئة، وفرض العقوبات ضد المنتهكين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي