«حسومات» .. لموظفي ومتقاعدي القطاع الحكومي
هل يمكن للحكومة أن تؤدي دورا في تقديم حسومات على المنتجات أو الخدمات الأساسية التي يبتاعها المواطن؟ قد لا يستطيع "السعودي" أن يصل إلى إجابة واضحة، ولا سيما وهو الذي يتفرج دون حيلة، ويتأذى في الوقت ذاته من ارتفاع أسعار السلع دون سيطرة حقيقية من قبل وزارة التجارة والصناعة لضبط السوق!
في الإمارات، انطلقت مبادرة رائدة مثلها مثل الكثير من المبادرات الإبداعية التي تنطلق من هناك وتستهدف الارتقاء ببيئة العمل، إذ دشنت حكومة الشارقة برنامج "وفر" الذي يتيح تقديم حسومات لمشتريات موظفي الشارقة ومتقاعديها، تصل إلى 50 في المائة، لتحفيزهم على العطاء، وتقديم الأداء الأفضل في بيئة العمل، إضافة إلى مساهمة البرنامج في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في الإمارة.
ويعد البرنامج أحد الأنشطة المجتمعية التي تتبناها دائرة الموارد البشرية في الشارقة، ويسهم في تطبيق الجودة الشاملة، بهدف الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للموظفين، علما أن الدائرة قد أطلقت البرنامج في آذار (مارس) 2013، بادئا آنذاك بمشاركة 50 جهة، وارتفع العدد إلى 156 جهة في أيار (مايو) 2014، تتنوع مجالات عملها على الصعيدين المحلي والدولي، لتصل إلى 19 نشاطا استثماريا.
وتراوح نسب الحسومات التي تقدّمها هذه الجهات بين 15 و50 في المائة، ويأتي في مقدّمتها شركات طيران واتصالات وسيارات وفنادق ومتاجر، ويستفيد موظفو الشارقة ومتقاعدوها من هذه الحسومات بمجرّد إبراز بطاقة العمل التابعة لحكومة الشارقة.
ومن المقرر أن تسعى الإمارات إلى تعميم هذه التجربة، فتخرج من "إمارة الشارقة" إلى بقية الإمارات، مع زيادة عدد الجهات المشاركة، وتوسيع نطاقها من المحلية (داخل الإمارات) إلى العالمية في حال سفر المستفيدين من البرنامج إلى دول أخرى.
الجميل في الأمر، أن التجربة الإماراتية المتمثلة في برنامج "وفر" ليست صعبة التطبيق، بل يمكن الاستفادة منها في السعودية، وباقي الدول العربية، حيث يمكن إطلاق برنامج مماثل نسميه "حاسم" (على غرار البرامج الحكومية الأخرى) ترعاه وزارة الخدمة المدنية، ووزارة التجارة والصناعة، بالشراكة مع المؤسسة العامة للتقاعد، والجمعية الوطنية للمتقاعدين، وجمعية حماية المستهلك.
ويتم من خلال برنامج "حاسم" الاتفاق مع عدد من الشركات والمتاجر والأسواق على تقديم حسومات بنسب معينة لموظفي القطاع الحكومي ومتقاعديه، وهذا يقتضي إصدار بطاقات لهؤلاء الموظفين والمتقاعدين، وهي عملية ستستغرق بعض الوقت نظرا لعدد المستفيدين، فقد بلغ عدد موظفي القطاع الحكومي (وفقا لإحصائيات وزارة الخدمة المدنية - شعبان 1435هـ) 1,217,566 موظفا ومستخدما، نسبة السعوديين منهم 93.98 في المائة، ونسبة غير السعوديين 6.02 في المائة، فيما بلغ عدد المتقاعدين من القطاع الحكومي (وفقا لاحصائيات المؤسسة العامة للتقاعد) 641,026 متقاعدا حتى الآن.
مع الأسف، عندنا بعض التجار يتربصون بالناس وينتهزون الفرص لرفع أسعار السلع، وهذا ما نشهده كلما طرأت زيادة على رواتب موظفي الحكومة أو معاشات متقاعديها، وقد شهدناه قبيل دخول شهر رمضان المبارك عندنا، مع أن متاجر في دول غربية عمدت إلى تخفيض أسعار بعض السلع احتراما للمسلمين وإرضاء لهم قبل دخول الشهر الفضيل!
إن هذه المبادرات "المجتمعية" الرائدة (على غرار "وفر" أو "حاسم") لا تكلف ميزانية الدولة شيئا، ولا تحتاج سوى لإرادة من المسؤولين، وتفكير بطريقة إبداعية، وإحساس بمعاناة الموظف والمتقاعد الحكومي الذي يناضل لضبط ميزانيته، وادخار أقصى ما يمكن ادخاره من دخله الشهري (راتب أو معاش).
لقد كابدت الجمعية الوطنية للمتقاعدين منذ تأسيسها لتوفير خدمات ومنافع حقيقية للمتقاعدين، أقلها تقديم حسومات على فواتير الخدمات العامة، إلا أنها لا تزال تواجه الكثير من التحديات التي تحول دون تحقيق ذلك.
كيف سيكون تأثير برنامج "حاسم" لو طبق عندنا واستفاد منه الموظف والمتقاعد الحكومي؟ ألن يسهم في زيادة مستوى رضاه تجاه الوظيفة بدلا من شكواه المتكررة ومطالبته بزيادة الراتب أو المعاش؟ وماذا لو دعمنا برنامج "الحسومات" بالجمعيات التعاونية التي سمعنا عنها كثيرا ولم نرها، ألن يحسن ذلك الواقع الذي نعيشه؟