فكرة جيدة + إخراج سيئ = «ساند»

اعتبارا من بداية شهر سبتمبر، تعتزم السعودية تطبيق نظام التأمين ضد التعطل عن العمل (المعروف بـ "ساند")، بالنسبة للمنشآت التي تعمل بالتقويم الميلادي.
ويعد هذا التأمين الذي صاغت الحكومة السعودية مسودة نظامه بمعونة منظمة العمل الدولية فرعا ثالثا من فروع التأمينات الاجتماعية، حيث قامت المنظمة سابقا بدراسة وضع المتعطلين في البلد، واقترحت أثناء بحث فكرة "ساند" - وفقا لبعض المصادر - أن تتحمل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تكلفة تعويضات المتعطلين، خاصة ذوي الدخول المحدودة، إلا أن المؤسسة رفضت هذا رفضا قاطعا، ولا سيما وهي تشتكي لنا من عجز مالي سيحل بها خلال الفترة المقبلة، مع أن هذا العجز لو صح حدوثه، فهو مؤشر على خلل في خطط المؤسسة وقراراتها الاستثمارية!
نظام "ساند" بعد اعتماده بصورة رسمية، يقدم تعويضا للمشتركين - رجالا ونساء - عند تعطلهم عن العمل، ويطبق بصورة إلزامية على جميع العمال السعوديين دون تمييز بشرط أن يكون العامل عند بدء التطبيق دون التاسعة والخمسين عاما، ويعتمد هذا النظام على اشتراكات شهرية مقدارها 2 في المائة من الأجر، مناصفة بين صاحب العمل والمشترك.
ويصرف نظام "ساند" التعويض بواقع 60 في المائة من متوسط الأجور الشهرية الخاضعة للاشتراك عن كل شهر من الأشهر الثلاثة الأولى، وبواقع 50 في المائة من هذا المتوسط عن كل شهر يزيد على ذلك، ويكون الحد الأعلى للتعويض 9000 ريال للأشهر الثلاثة الأولى، و7500 ريال عن كل شهر يزيد على ذلك، ولا يقل التعويض عن مقدار إعانة البحث عن عمل شريطة ألا يكون بذلك مساوياً لـ 100 في المائة من متوسط الأجور الشهرية الخاضعة للاشتراك.
وبعد الاطلاع على نظام "ساند"، الذي اقترب تطبيقه، لاحظنا أنه يعد فكرة جميلة لكن القائمين على النظام في التأمينات تدخلوا كثيرا في هذه الفكرة الجميلة إلى أن تحولت إلى تطبيق مشوه:
الجانب الأول: "ساند" ومبدأ العدالة
إذا كان التأمين ضد التعطل عن العمل (ساند)، يعد فرعا ثالثا من فروع التأمينات الاجتماعية، بعد فرعي المعاشات والأخطار المهنية، فإنه يمكن المقارنة بينها على النحو التالي:
• فرع المعاشات: الاستقطاع يتم بـ "نسبة" من الراتب (9 في المائة يتحملها الموظف، ونسبة مماثلة يتحملها صاحب العمل)، والتعويض يتم بـ "نسبة" من الراتب.
• فرع الأخطار المهنية: الاستقطاع يتم بـ "نسبة" من الراتب (2 في المائة يتحملها صاحب العمل عن الموظف)، والتعويض يتم بـ "نسبة" من الراتب.
• فرع التأمين ضد التعطل عن العمل: الاستقطاع يتم بـ "نسبة" من الراتب، أما التعويض فهو مبلغ مقطوع (متوسط الأجر)، وبحد أعلى 9000 ريال!
لنأخذ مثالا، إذا كان لدينا موظفان اثنان أحدهما راتبه 30,000 ريال، والآخر راتبه 15,000 ريال، سيستقطع من الأول 1 في المائة (300 ريال)، ونسبة مماثلة من صاحب عمله، والثاني، ستستقطع منه 1 في المائة (150 ريالا)، ونسبة مماثلة من صاحب عمله، وعند استحقاق التعويض لكل منهما، سيعوض كلاهما، أي بالتعويض نفسه في هذه الحالة، وهو مبلغ تسعة آلاف ريال، فهل يعقل أن تستقطع مني مبلغا محسوبا بالنسبة، ثم تعوضني بمبلغ لا علاقة له إطلاقا بالنسبة المستقطعة؟ كيف وضعت هذه القاعدة الحسابية "الغريبة"؟ إذا وضع حد أعلى للتعويض، أليس من العدل وضع حد أعلى للاستقطاع؟
الجانب الثاني: "ساند" والشروط التعجيزية
عند استحقاق التعويض، نجد أن نظام التأمين ضد التعطل عن العمل في مادته الثامنة يحدد 11 شرطا يجب أن يستوفيها المتقدم بطلب التعويض، وسوف نعلق على بعض هذه الشروط:
• الشرط "د" (ألا يكون له دخل من عمل أو نشاط خاص): هذا الشرط لا يكون غريبا لو أن التأمينات الاجتماعية تصرف التعويض من جيبها على المتقدم، كما لو أنها إعانة تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن طالما أن هذا المتقدم استقطع من راتبه نسبة أيا كانت، فليس من العدل أن نشترط عليه ألا يكون له دخل آخر أيا كان مصدره، ولو أن التأمينات الاجتماعية لا تستقطع من جيب الموظف، فسوف نقول إن هذا شرط معقول!
• الشرط "ج" (ألا يكون مفصولا من العمل بسبب راجع إليه)، والشرط "هـ" (ألا يكون ترك العمل بمحض إرادته): نلاحظ أن هذين الشرطين يستبعدان حالة الفصل (بسبب الموظف) وحالة الاستقالة، فما الحالة التي يستحق فيها الموظف التعويض؟ السبب الوحيد، ربما يكون فصل الموظف أو تسريحه بسبب حدوث تغير في كيان الشركة (صاحب العمل)، كالاندماج، أو إعادة الهيكلة، أو الإفلاس أو توقف النشاط، وعندما ننظر إلى سوق العمل السعودي، نجد أن النظام - لو كان مطبقا في الماضي - كان سيعالج وضع موظفي شركة "سما" (توقف نشاط الشركة)، وموظفي بعض وحدات شركة الاتصالات السعودية (إعادة هيكلة)، وغيرها، وهذه حالات غير شائعة.
• الشرط "ط" (البحث الجاد عن العمل): كيف نحكم على المتقدم أن بحثه عن العمل جاد أو غير جاد؟
• الشرط "ك" (التقيد بالتعليمات والتوجيهات التي تصدرها الوزارة): هذا الشرط غامض وفضفاض، وهو أشبه بالتعهد الذي تطلبه بعض الجهات الحكومية، على ورقة بيضاء فارغة، ومطلوب منك أن توقع عليه وتبصم قبل كتابة مضمونه! أفبعد كل هذه الشروط الأحد عشر، هناك غيرها.. خلف الكواليس؟!
أما المادة الخامسة عشرة من النظام، فتوضح حالات الإيقاف الفوري للتعويض - فيما لو صرف بعد استيفاء الشروط التعجيزية المذكورة في المادة الثامنة - حيث تشير إحدى الفقرات (ح) إلى أن التعويض يتوقف إذا غادر السعودية، دون إيضاح لسبب هذه المغادرة (تدريب، علاج، أم سياحة!) أو مدة مغادرته!
الجانب الثالث: "ساند" ومرحلية التطبيق
لا شك أن وزارة العمل وصندوق تنمية الموارد البشرية قدما الكثير من المبادرات لمعالجة اختلالات سوق العمل وتعزيز التوطين لدينا، ولهذا كان من المفترض أن يبدأ "ساند" اختياريا لمدة لا تقل عن خمس سنوات من تطبيقه، خاصة أن نظام "ساند" صدر كنظام مستقل عن نظام "التأمينات الاجتماعية"، وبالتالي، من السهل تعديل أو تغيير نظام "ساند" لمواكبة المستجدات دون المساس بنظام التأمينات.
في النهاية، نؤكد أن نظام "ساند" يعد فكرة جيدة، هدفها حماية المواطن وفق الرؤية التي وضعتها قيادة هذا البلد، لكن هذه الفكرة الجميلة تشوهت من كثرة تدخلات التأمينات الاجتماعية، والنتيجة سنشهدها عند التطبيق بعد أيام!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي