ملك أحب شعبه.. فبادله المحبة
إن بعض الحزن أجل من أن يسمى، وأقسى من أن يوصف. رحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله. فقد ترجل ذلك القائد الحكيم، تاركا وراءه تاريخا عظيما من الإنجازات المحورية والقرارات المهمة، التي هي أكبر بكثير من أن تتسع لها الكتب والمقالات.
رحلت عنا يا ملك القلوب، وقد غرست فينا حب الوطن والخوف عليه. رحلت يا ملكا بكتك النساء والرجال والأطفال، لأنك رجل ليس باليسير وجوده، ولأنك امتزت بأنك رجل عميق في إنسانية ربما لا مثيل لها بين قادة العالم أجمع. فأنت “ملك الإنسانية”، وصاحب القلب الكبير، الذي انتقل إلى جوار ربه وهو ينظر إلى هذا الوطن بحب واهتمام، وإلى مواطنيه كإخوة وأشقاء لك، وليس كرعايا!
تسع سنوات في مناخ من العدالة والاعتدال والعطاءات السخية. وبالرغم من قصر المدة إلا أن الأرقام تتحدث عن إنجازاته – يرحمه الله - على كل الأصعدة والميادين. فهنالك 28 جامعة، 6 مدن طبية، 11 مستشفى تخصصيا، 32 مستشفى عاما، شبكة طرق برية وحديدية، 11 مدينة رياضية. إضافة إلى الكثير من الإصلاحات التي شهدتها مملكتنا على جميع المستويات. ولعلي أذكر منها تأسيس (مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين)، التي تقوم بدور ريادي في رعاية واكتشاف الموهوبين، من خلال دعمها لمراكز الكشف عنهم في مدارس البنين والبنات. إضافة لرعايته لحفلات تخريج الطلاب من الجامعات والمعاهد العليا، وتبنيه لكثير من المبادرات في المجالات التربوية والتعليمية. وتكريمه العلماء والمتفوقين، تشجيعا لهم وتقديرا لما قاموا به، كل في مجال تخصصه. وسعيه إلى “تمكين” المرأة السعودية وتفعيل قدراتها بشكل أكثر إيجابية وإنتاجية، حتى باتت اليوم تعيش في أزهى عصورها، وها هي ستتمكن من المشاركة في هذا العام (2015) ولأول مرة في الاقتراع في الانتخابات البلدية.
ولطالما آمن خادم الحرمين الشريفين بأن “الإنسان أغلى ما نملك”، وأن العقول هي الثروة الحقيقية التي يجب الاستثمار فيها. لذا، فقد شجع طيلة سنوات حكمه إعداد الكفاءات العلمية والخبرات المميزة، لتصبح المملكة العربية السعودية منارة للعلم، ومركزا للدراسات الفكرية، واحتكاك العقول بالعقول. ومن بين الإنجازات الأبرز التي انعكست على الوطن والمواطنين، إقراره لبرنامج الابتعاث الخارجي، حتى وصل عدد المبتعثين السعوديين إلى أصقاع المعمورة إلى 111 ألف مبتعث في أكبر جامعات العالم. وهذا ما يؤكد رؤيته الاستراتيجية الثاقبة لبناء الإنسان السعودي وإعداد جيل قادر على الإبداع ومواجهة التحديات.
هذا غيض من فيض جهوده التي امتدت منذ تحمله أمانة المسؤولية في 2005، وحتى وفاته في 2015. ليرحمه الله رحمة واسعة، وليغفر له، وليسكنه في الفردوس الأعلى، مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا، إنه سميع مجيب.
وإن افتقدنا الراحل العظيم، فإن عزاءنا أن من حمل الراية بعده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله، ليكمل المسيرة في مساعي البناء، فمستقبل مملكتنا سيكون باهرا دون شك في ظل قيادته، وهذا ما أثبتته سياسته وحنكته في مسيرته العملية الثرية، وفي كل المناصب والمهام التي شرفها بتقلده إياها.