ومضات إدارية .. فساد يتيم
أن تكتب عن موضوع "الفساد"، يعني أنك تسير على أرض مليئة بالشوك، فلا تجدي محاولة تجنبك واحدة، حتى تلسعك الأخرى. وسنحاول من خلال هذا المقال أن نمشي الهوينى، نفتش عن غد أكثر إشراقا، يتسم بالنزاهة والشفافية. غد أكثر نقاء لأجيال من حقها علينا أن نحفظ لها موارد الوطن، وإن أدمانا الشوك قليلا أثناء البحث!
سنكون في هذه "الومضات" مع "ثلاثة تساؤلات" مهمة حول الفساد:
– من أين يجب أن تبدأ "هيئة مكافحة الفساد"؟
مضت أربعة أعوام على إنشاء هيئة مكافحة الفساد "نزاهة"، وما زال أمامها عديد من الملفات التي تحتاج إلى الوقوف عليها. وقد يكون حديث البعض عن "مكافحة الفساد" دون التطرق إلى ضرورة زيادة مستوى الشفافية، جزءا من الجهود المشتتة، التي لن تحقق أثرا على المدى البعيد؛ إذ لا بد من العمل على إصدار "نظام شامل للشفافية والإفصاح ونشر المعلومات"، يرتكز على حق المواطنين وأصحاب الأعمال في الحصول على المعلومة. بحيث يؤسس أن الأصل هو نشر المعلومات والبيانات، وأن عدم نشرها أو سريتها هو الاستثناء الذي هو من حق الوزير المختص، ويكون هذا الاستثناء مسببا ومكتوبا.
– كيف يطبق مبدأ "من أين لك هذا؟"!
لم نسمع من قبل عن شيء أشد يتما من الفساد، لأنه دائما مجهول النسب! حتى بدأنا بالتعامل معه كقضاء وقدر، لا نطلب إلا اللطف فيهما! كما لم يسبق أن سمعنا أن فلانا من الناس، أنهى علاقته مع ثري واسع النفوذ، فقط لأنه "فاسد!". ولم نسمع كذلك – على سبيل المثال - أن أبا رفض تزويج ابنته لفاسد! والعكس صحيح، فلم نسمع عن أحد يسأل الفاسدين عن مصادر كسبهم "غير المشروع!"، مطبقا بذلك مبدأ "من أين لك هذا؟".
ولتطبيق ذلك، فهنالك عديد من الوسائل، يأتي على رأسها إصدار "نظام" يلزم القيادات العليا بالإفصاح عن أنفسهم، وماذا يعملون؟ وما مصادر الأموال التي في حساباتهم؟ ويكون ذلك قبل توليهم مناصبهم، ثم يتم العمل على تحديثه كل سنة، ويستمر إلى تركهم تلك المناصب. وفي حال إدانة أي منهم، ينبغي أن يعاقب مع إلزامه بإعادة الأموال لخزانة الدولة. علاوة على ذلك، فلقد لجأ عديد من الدول إلى تفعيل أسلوب "نفخ الصافرات". وهو أسلوب تتلخص فكرته في قيام الموظفين بالكشف عن الممارسات التي يعتقدون أنها غير قانونية أو غير أخلاقية في الجهات التي يعملون فيها، من خلال "فضح" تلك الممارسات في وسائل الإعلام! فلماذا لا يكون لدينا نظام لإطلاق الصافرات؟! وهل ما زال البعض يصدق أن هذا جزء من "الستر" المحمود!؟
– هل هناك حاجة إلى تعديل بعض الأنظمة الرقابية مثل "نظام ديوان المراقبة العامة"؟
مضى على صدور نظام ديوان المراقبة العامة أكثر من 45 عاما، وقد تم إيجاد هذا النظام في ظل ظروف ومعطيات معينة، تغيرت جميعها، وبات لزاما أن يتم العمل على تعديل النظام تبعا لها. وقبل أن يتم ذلك، ينبغي – في المقام الأول - أن يتم العمل على تطوير مفهوم "المراقبة"، فكثير من الأموال قد تصرف فيما خصصت له، لكن دون جدوى ولا نتيجة! كما قد يكون أداء كثير من أجهزتنا الحكومية سليما، إلا أن قدامة وغموض نظام ديوان المراقبة العامة، وعدم مواكبته للتطورات والتغيرات الحالية، يأتي على رأس العوائق التي تحد دون فاعلية تطبيقه.
هذه التساؤلات الثلاثة، وغيرها الكثير مما يمكن أن يقال، يلخصها أن الحفاظ على موارد الوطن مسؤولية الجميع، ويجب أن نعمل لأجل مستقبل أجيالنا بمسؤولية مضاعفة. فالتهاون مع قضية الفساد مهما كان حجمه سيجعلنا نفقد كثيرا من الفرص والموارد التي هم أحق بها.