إنتاجية الموظف الحكومي «ساعة واحدة» .. لماذا؟
بين الحين والآخر، يأتي الحديث عن الرواتب في القطاع العام، وحاجتها إلى إعادة النظر فيها، لعلاقتها بكثير من الشؤون الحياتية، كغلاء الأسعار والقدرة على تحمل أعباء الحياة الجديدة، ولأسباب أخرى تتعلق بالعمل والإنتاجية والعدالة الوظيفية. وبين هذه المبررات وتلك يمكن أن نجد أنفسنا أمام التساؤل المهم: لماذا يتسم السلّم العام للرواتب –على وجه التحديد- بالجمود وعدم التطوير، خاصة في نظام الترقيات؟
وبنظرة عامة يمكن أن نجد أن أحد الأسباب يكمن في تميز وحداثة بعض الكوادر (التعليم، الصحي، المؤسسات، القضاة...)، وبنائها بما يواكب متطلبات العصر والمرحلة الحالية للخدمة المدنية. وفي المقابل، هنالك سلبيات تعتري السلّم العام، كعدم المرونة، تهميش المؤهل العلمي، ضعف تمكين الموظفين من رسم مساراتهم الوظيفية، إضافة إلى التعقيد الذي يصاحب عمليات السلخ والتحوير والرفع والخفض.
إضافة إلى ذلك، نجد أن السلّم العام يسهم بشكل رئيس في "شيخوخة" غالبية منظماتنا الحكومية من خلال تأخر وصول منسوبيها إلى المناصب القيادية إلا في سن متأخرة. إذ حتى يصل القيادي إلى المرتبة 13 على سبيل المثال في السلّم العام، عليه أن ينتظر على الأقل 22 سنة، ما يعني أنه سيصل وهو في منتصف الخمسينات من العمر! الأمر الذي يجعل أعمار 92 في المائة من كبار موظفي الخدمة المدنية تراوح بين 51 -60 سنة.
وفي تقرير لوزارة الاقتصاد والتخطيط، ذكرت أن هنالك ضعفاً في إنتاجية الموظف الحكومي التي لا تتعدى ساعة واحدة في اليوم، وهذا المؤشر الخطير قد يكون أحد أبرز أسبابه "سلم الرواتب العام". إذ يتذمر قطاع عريض من الموظفين الحكوميين، ويتساءلون عن مدى عدالة السلّم الحالي الذي لا يفرق بين الموظف المجتهد والكسول! فكلاهما في نهاية العام سيخضع لمعيار الأقدمية، وسيأخذ نفس العلاوة. الأمر الذي يجعل السلّم الحالي يظهر وكأنه يتضمن رسالة ودعوة مبطنة للركود، ولا يضمن أي حافز لذوي الأداء المتميز وأصحاب الطموح العالي. وفي مفارقة عجيبة في أروقة الأجهزة الحكومية، قد يتقاضى "مدير الإدارة" في كثير من الأحيان راتباً يقل عن رواتب بعض موظفيه في الإدارة، وهذا أمر قد يبدو أنه مجحف!
وفي هذا السياق، وبحثاً عن الحل لهذه المعضلة التي تؤثر في إنتاجية القطاع العام بشكل كامل، فقد يكون من المناسب أن يتم استبدال نظام المراتب الحالي بفئات وظيفية حسب "المؤهلات العلمية"، مع تخصيص مسميات لكل فئة، على سبيل المثال (الاستشاريون، الإخصائيون، الباحثون، المساعدون، الإداريون، المعاونون). كما قد يتطلب الأمر استحداث سلم آخر للوظائف العليا "الرابعة عشرة، الخامسة عشرة، الممتازة، الوزراء ونوابهم"، على غرار النظام الأمريكي.
خلاصة القول: إن أي تغيير أو إصلاح، لا ينطلق من سلم الموظفين العام، قد يظل هامشياً ومحدود الأثر. فهذا السلّم هو الإطار العام لجميع عمليات الخدمة المدنية. وحتى تحقق عملية التغيير النجاح المنشود، فإن هنالك عديدا من الاعتبارات التي يجب أخذها في الحسبان، إذ من المهم أن يكون السلّم الجديد قادراً على استيعاب جميع موظفي السلّم الحالي، كما ينبغي عدم تأثرهم بعملية "التسكين" على السلّم الجديد "من حيث الراتب"، إضافةً إلى ضرورة العمل على معالجة موضوع "المسؤولية" وإيجاد "بدل للإشراف"، يتناسب وحجم مسؤوليات مديري الإدارات.
إن مقالي هذا، ما هو إلا تقديم مبسط لفكرة، قد لا تكون هي التصور الوحيد. فالأمثلة عديدة، والنماذج كثيرة، والأطروحات والمنطلقات النظامية في هذا المجال عديدة. لكنها جميعها تجمع على أمر واحد، وهو الأهمية البالغة للعمل على تعديل الوضع الحالي لهذا السلّم.