إرهاب حقيقي .. في عالم افتراضي

لا يوجد اختراع بشري دون أعراض جانبية، والتقنية ليست استثناء من ذلك. فكما قدمت لنا منجزات تشبه المعجزات، سببت مصائب وجرائم حقيقية، في عالم افتراضي!
يكثر الحديث عن المستقبل في عصرنا المتسارع كلمحة البرق. وتظهر "التقنية" عاملا أساسيا في تحليل هذا المستقبل، فقد فرضت تحديات حقيقية على الدول كافة. ولذا، فإن على من يريد أن يرسم مستقبله بنجاح، أن يستثمر في التقنية، ويتخذ من الاحتياطات ما يتقي بها شرها، بل يمكن أن يصنع منها "سلاحا ناعما" في مواجهة التحديات المختلفة، فكل ما حولنا يتأثر بها.
جميعنا رأى كيف استطاعت "تسريبات ويكليكس" أن تصنع ضجيجا منقطع النظير. ورأينا كذلك كيف تم تهديد بعض أجهزتنا الحكومية من قبل الكثير من المخترقين. كل ذلك يرجع لعدم التعامل الاحترافي مع التقنية، خاصة في مجال "أمن المعلومات"!
إن الحروب اليوم انتقلت في ساحاتها من الميدان الواقعي الذي يدويه صوت المدافع والقنابل، إلى حروب "افتراضية" ناعمة، تدار من المكاتب، ولا تعرف إلا لغة الحاسب. ذلك لأن الاختراق والتجسس يحدث دويا أقصى من دوي المدافع، والعبرة بالأثر لا بالصوت!
تبقى تساؤلات مهمة، ترى أين نحن في أجهزتنا الحكومية من هذه الترسانة التقنية؟ وهل لدينا المضادات التقنية الفعالة التي تصد الهجمات التقنية الهادفة للإضرار بأمن معلوماتنا؟ وما مواقع أجهزتنا الحكومية وسياساتها في التعامل مع أمن المعلومات؟ بل هل يمكن أن ننتقل إلى دور المبادر والفاعل، ونستطيع أن نحدث "خريطة طريق" لمجتمع معلوماتي حديث يملك أسلحة "الدفاع والهجوم" إن لزم الأمر؟!
الواقع يقول، إننا أمام حالتين، تحتاجان منا إلى الانتقال إلى حالة ثالثة!
الحالة الأولى: هي الحالة المثالية، التي يمكن أن نراها من خلال الوقائع الإيجابية التالية:
1. إشارة "الخطة التنموية الخمسية العاشرة" للمملكة إلى أهمية مجتمع المعرفة، وضرورة الانتقال إليه في "الهدف الثالث".
2. إطلاق "الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات"، التي هدفت إلى التحول لمجتمع معلوماتي.
3. قرار مجلس الوزراء المؤرخ في 20/ 07/ 1432هـ، في تأسيس الشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني "تقنية"، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة.
إلا أن هذه الشركة خلفت لمن فرح بخبر إصدار شهادة ميلادها حيرة أخرى، فلا نعلم ما الذي حدث لهذه الشركة؟ وأين وصلت في تقديم خدماتها؟ هل لها دور واضح وملموس؟!
على أية حال، فلننتقل إلى الحالة الثانية، التي تمثل الواقع الفعلي الذي تعيشه أجهزتنا الحكومية. نجد بعض إدارات تقنية المعلومات، لا تهتم بتطبيق السياسات، ومتابعة تنفيذها، ومحاسبة المتهاون والمتساهل في الاحتياطات الأمنية التقنية، بل يصل الأمر إلى حد عدم تثقيف منسوبي الجهات الحكومية بهذه السياسات، وأثرها في أمن المعلومات للوطن بأكمله. وأنا هنا أقول "البعض" وليس "الكل"!
أما الحالة الثالثة، فهي الحالة المنشودة المتمثلة في التكامل والتعاون بين الجهات المختصة التي أوردتها في الحالة الأولى، وإدارات تقنية المعلومات في الأجهزة الحكومية، بما يحقق أمن المعلومات وتفعيل دور التقنية، ويسهم في حفظ مقدرات الوطن، في ظل حروب لن ترحم إلا من يملك أسلحتها.
إن منظومة التقدم الحضاري في هذا العصر يجب أن تمر من خلال "التقنية"، وهي خيارنا الذي لا بد منه؛ إذ ينبغي أن نعيد النظر في تقييم واقع أجهزتنا الحكومية، وأن نبني ثقافة جديدة، تبدأ من المستخدم الأول للتقنية، وترتبط بسياسات واستراتيجيات عليا، وأن نوفر في سبيل ذلك كل ما نستطيع من موارد، لأن الموضوع ببساطة يستحق الكثير!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي