دموع عطوان

هل يستحق عبد الباري عطوان الكتابة عنه؟ وأي أهمية له لكي يكون موضوعا للكتابة؟ والحقيقة أنه هو بذاته لا يستحق سوى ما يعرف في دخيلة نفسه ما هو عليه من مخادعة لها جعله طوال عمره المهني دائما إلى جانب التدليس والمغالطة بالوقوف مع الخاسرين أمام مصائر الأمة وشعوبها وأولهم شعبه الفلسطيني.
الرجل الذي يتباكى على جحافل المهجرين السوريين، ممن ركبوا قوارب الموت أو ساروا قوافل على الشوك والحجر تحت شواظ الشمس وغائلة الجوع ولهاث العطش وبين صراخ الأطفال وأنين العجزة والمرضى يعرف قبل غيره أن سيده "الممانع" الطاغية بشار هو من فعل ذلك بالشعب السوري وهو من شردهم وأمطرهم لخمس سنوات ببراميل متفجرة ومدافع وقنابل وكيماوي وضارب مع الإيرانيين وداعش والروس على سفك دمائهم وهدم بيوتهم ومدنهم وقراهم على رؤوسهم.
لسنوات طوال وعبد الباري عطوان يملأ الفضائيات ويحبر مقالاته في "القدس" وموقعه الإلكتروني محاميا للشيطان، الذي كان مرة الإرهابي أسامة بن لادن ومرة أخرى الطاغية صدام حسين ومرة ثالثة المستبد القذافي ومرة رابعة الصفوي حسن نصر الله، وخامسا المتغولة حماس ثم الجزار بشار.
وهو في كل ذلك كان مجرد رئيس تحرير جريدة لا إعلان فيها وبتوزيع محدود جدا لكنها ـــ ويا للمعجزة ـــ تدر عليه ذهبا، وتمنحه حياة رغيدة يسوح فيها متنقلا بين عواصم أوروبا مقيماً في جناح فندق مرفه إلى جناح فندق آخر ينافسه.. فيا للنضال!
زهد هذا العطوان بمقعده في مجلس منظمة التحرير وفر هاربا منه منذ سنين طوال خوفا على نفسه من صهيونيته هي بالتأكيد لا تسعد إلا بوجود مثله طالما هذا هو أداؤه وهذا هو هراؤه.
الذين شاهدوا عطوان في الأسابيع الماضية وهو يزايد على أهل الخليج والسعودية بالذات بعدم استقبال السوريين ويذرف الدموع عليهم، أصيبوا بقدر هائل من الغثيان على هذه البجاحة والمغالطة القذرة، خصوصا وهو يعرف قبل غيره أنه كان واحدا من أولئك الذين فتحت له بلدان الخليج، ومنها السعودية في الأساس، مجال الإقامة والعمل فيها، بل هو يعرف تماما كم يكتظ الخليج بملايين السوريين كما الفلسطينيين وغيرهم من الأشقاء العرب، فضلا عن عمالة اضطرت لها هذه الدول من دول آسيا تتجاوز 15 مليون عامل.. دون أن نمارس على أحد منهم منة أو استعلاء وإنما امتنان وعيش كريم وفق قوانين الخليج مطبقة عليهم كما على أهله.
لكن هذا الدعي العطوان يصر على أن السعودية ودول الخليج لم تفعل للسوريين شيئا وهي التي فتحت صدرها لهم بما لا يقارن مع غيرها من البلدان قبل الأزمة ومعها، إلى جانب التمويل المستمر لمخيمات هؤلاء المهجرين في دول الجوار مثلما كان دأبه في الإصرار على أن الخليج لم يكن هو المبادر دائما في التمويل والمساعدات حتى للقضية الفلسطينية التي أدار هو لها ظهره مع أن الخليج وقف مع هذه القضية بكل منعطفاتها الحرجة والمحرجة التي بلغت حد الطعن في الظهر في حرب تحرير الكويت وتأييد الغزو له من قبل قادة راهنوا على صدام وأمثاله وتركوا وراءهم شرف استضافة أهلهم فيها وورطوهم في محنة يعرف عطوان قبل غيره بؤسها.. وبؤس توريطهم من قبل الأردن ولبنان.
ومع ذلك ثابر الخليجيون على موقفهم وعضوا على الجراح وطووا صفحة الجائحة، وكانت مبادرة السلام العربية منطلقا وتحشيدا فعلا سعوديا في الأساس، وكانت محاولات رأب الصدع الفلسطيني تترى من القيادة السعودية والقيادات الخليجية، غير أن عطوان لا يرى سوى ما تمليه عليه ضغينته.. وفي مقدمتها أن توقف دول الخليج مشاريع التنمية والإعمار فيها وتصدح بهراء الممانعة التي يراها عطوان ترياقا لضغينته يضمن بها أن يعم الخراب بلداناً مسالمة ما عرفت إلا المسعى الجاد للحياة وللتنمية وليس للموت بالغدر والتصفيات والاغتيالات بين من يزعمون الذود عن كرامة الأمة.
من الواضح أن ما يهدف إليه عطوان هو خيار "شمشون" ـــ علي وعلى أعدائي يا رب ـــ فأعداؤه هم كل من لا يرى ما يراه طغاته وإرهابيوه.. وأجزم أنه في سره يستثني نفسه من هذا الخيار.. أما أهل الخليج وعقلاء العرب فقد كان دأبهم السير في الاتجاه المعاكس لهذا الخيار الشمشوني والمضي مع الممكن بلا عنتريات جوفاء ما زادت هذه الأمة إلا وبالا.
عجيب أمر هذا العطوان وعجيبة هذه الضغينة تجاه أهل الخليج مع أنه يعرف قبل غيره أن ما يرفل فيه من نعمة الرخاء هو جزء من أياد بيضاء عليه من أهل الخليج، لكنه سكر بضغينته إلى حد تسخير روحه للطغاة والإرهابيين فقد كان الكيل أوفر ولتذهب القيم والمبادئ وشعبه وأمته إلى الجحيم، وليتم التلاعب عليها بالألفاظ العنترية عن الممانعة التي لم تمنع إلا التنمية والأمن والسلام.. ولا يهم أن تصطلي غزة بنار إسرائيل وتعتصر السلطة بالمستوطنات والجدار العنصري أو ترزح تلك البلدان والشعوب تحت ويل رعونة طغاتها الأشاوس!
دموع عطوان على السوريين والعراقيين ـــ أيها السادة والسيدات ـــ سوف تبلسم جراح المشردين والمهجرين والثكالى والمشوهين بالقنابل والكيماوي، وسوف تعيد بناء المدارس والمساجد والكنائس والقرى والمدن وتحرر القدس، وسوف توحد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وما لا تستطيع دموعه فعله سوف تتكفل به مؤسساته الخيرية بعد أن يجمع عوائد استثماراتها من السياحة النخبوية ومن كفاح الفنادق التي تشرد فيها على السجاد الفاخر والفراش الوثير ومذاق أطباقها الفخمة وأقداحها المنعشة.. فلا نامت أعين الجبناء!
المؤكد أن عطوان يعرف أن كل من دافع عنهم ولعلع في الفضائيات مرافعا لمصلحتهم وأرغم الكلمات في مقالاته طبلا وزمرا لهم.. يعرف أنهم أسوأ حثالة بشر، وأن ليس في أعماقهم إلا شهوة السلطة وهوس الطغيان والحقد على الإنسانية.. لكنه يعرف معه أيضا أنه مجرد نسخة صوتية ورقية ممسوخة منهم، ولم يعد بوسعه إلا أن يمضي موغلا معهم في التماهي.. وهذا شأنه، عقابا له وعليه ليس إلا..
فليبك عطوان وليشق الجيب وليضرب صدره ولن نقول له إزاء كل ذلك غير أنه ليس سوى ممثل من نوع شاذ، لا يصلح إلا لأدوار الشر.. بل إن هذا الدور لن يجديه نفعا.. فحتى أدوار الشر في السينما لا يطيق المخرجون ممثلا لها ليس لديه إلا هذا البؤس المسموم بما هو أبأس!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي