سعر خام الحديد يسجل أعلى قفزة في تاريخه .. 19 % في يوم
لا تزال الصين رغم ما تعانيه من مشكلات اقتصادية، ترسل رسائل للمجتمع الدولي، بأن لديها القدرة على توجيه الأسواق ورفع أو خفض أسعار السلع والمعادن بمجرد كلمة منها أو تصريح لقادتها. فما إن صرحت الحكومة الصينية بأنها ستبذل كل جهد ممكن لتعزيز النمو الاقتصادي، حتى قفز خام الحديد أمس الأول في الأسواق العالمية بنحو 19 في المائة ليصل سعر الطن من الخام الذي يحتوي على 62 في المائة من الحديد إلى 63.74 دولار للطن. وتعد تلك الزيادة الأعلى من نوعها في تاريخ خام الحديد.
وخام الحديد الذي يستخدم لصناعة الصلب يمثل نحو 5 في المائة من القشرة الأرضية، ويتوافر غالبا في معظم دول العالم، إلا أن الصين تعاني نقصا شديدا منه خاصة في ظل حاجتها لكميات هائلة من الصلب لتطوير بنيتها الأساسية. وقد أدت السياسات الاقتصادية التوسعية في الصين منذ عام 2008 والتركيز على تحديث البنية التحتية إلى زيادة الطلب على الصلب، وبالتالي على خام الحديد خاصة من المنتجين الكبار وهما البرازيل وأستراليا المصدران الرئيسان للصين. إلا أن تراجع معدلات نمو الاقتصاد الصيني أخيرا أدى إلى انهيار شديد في أسعار الخام.
وقد فسرت الأسواق الدولية خاصة أسواق المعادن التصريحات الصينية الأخيرة، والتعهد بالعمل على رفع معدلات النمو المتراجعة، بأنها تعني التزام بكين بضخ المزيد من الاستثمارات الحكومية في مجال البنية الأساسية، ومن ثم زيادة الطلب المستقبلي على الحديد والصلب، وبالتالي زيادة الطلب المستقبلي أيضا على خام الحديد، ما أدى إلى القفزة الراهنة في الأسعار.
وقال لـ "الاقتصادية" ويندي جينيور المختصة في أسواق المعادن في بورصة لندن: التصريحات الصينية الأخيرة بشأن المزيد من سياسة التيسير الكمي، تعني عمليا زيادة الطلب على الصلب، في الوقت ذاته هناك نقص واضح في المعروض منه في الأسواق الصينية والعالمية. ومن ثم كان هناك حاجة ماسة من قبل مصانع الصلب في الصين وفي العالم للعمل المكثف إلى زيادة الإنتاج سريعا، لمواجهة الطلب الصيني المتوقع زيادته خلال الربع الثاني من هذا العام، وتحديدا فصلي الربيع والصيف، حيث تنتعش وتتسارع وتيرة الإنشاءات في الصين".
وقد انعكست تلك التطورات سريعا على أسهم شركات مناجم خام الحديد خاصة في أستراليا والبرازيل. فقيمة سهم مجموعة فورتسكو المحدودة للمعادن قفزت بـ 24 في المائة، أما سهم مجموعة RIO ثاني أكبر شركة تعدين فقد ارتفع بـ 5 في المائة في بورصة لندن، وهذا أعلى معدل يحققه منذ ثلاثة أشهر، أما شركة BHP فقد زادت قيمة السهم الواحد في بورصة لندن بـ 3.5 في المائة، وسهم شركة Vale SA البرازيلية أكبر منتج للخام في العالم، ارتفع بـ 9 في المائة في أعلى زيادة يحققها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بينما قفز سهم شركة كليفز ناتشرل ريسورسز الأمريكية في بورصة نيويورك بـ 19 في المائة.
وكان سعر طن الحديد قد أصيب بما يشبه بالانهيار خلال العام الماضي، إذ لم يتجاوز سعر الطن 40 دولارا وهو ما يقارب ربع قيمته عام 2011، عندما وصلت الأسعار 200 دولار للطن وهي أرقام قياسية غير مسبوقة جراء النهم الصيني للخام.
وقد سادت الأسواق حالة شديدة من التشاؤم حول المستقبل السعري لخام الحديد، إلا أن التحسن السعري في الأشهر الأخيرة أطاح بتلك التكهنات السلبية، اذ زاد الطلب على خام الحديد منذ بداية العام وحتى الآن بنحو 70 في المائة.
وأشار لـ "الاقتصادية" جون نيلسون من شركة "بريتانيا ماينج تودي" المتخصصة في أعمال التنقيب على المعادن إلى أن الصين تستهلك نحو ثلثي الإنتاج العالمي من خام الحديد، وتنتج نصف الإنتاج العالمي من الصلب، إلا أن السلطات الصينية وتحت الضغط الدولي الذي تتعرض له من عدد كبير من البلدان، وفي مقدمتهم بريطانيا التي تتهمها بأنها تقوم بسياسة إغراق متعمدة للأسواق العالمية للصلب، وأنها تبيعه بأقل من تكلفته الفعلية، دفعها ذلك الضغط إلى التعهد رسميا بالحد من الإفراط الزائد في الإنتاج، وموافقة الرئيس الصيني شي جين بينج على خطة لخفض الإنتاج المحلي من الصلب بنحو 150 مليون طن خلال خمس سنوات، ومثل ذلك دفعة قوية للأسعار على مستوى العالم، وأنعش المعنويات في الأسواق تجاه الطلب على خام الحديد.
وأضاف "لكن أستراليا تمتلك ربع الاحتياطي العالمي من خام الحديد والبرازيل 17 في المائة يعتبران بذلك أكبر منتجي الخام في العالم ويتحملان أيضا جزءا كبيرا من المسؤولية، فقد أغرقا الأسواق بخام الحديد، وواصل الإنتاج بوتيرة مرتفعة رغم عدم حاجة الأسواق إليه، وذلك على أمل أن يؤدي انخفاض الأسعار إلى إخراج المنتجين الذين يتحملون تكلفة مرتفعة".