وقفة جادة تحمي أسواقنا من الإغراق
الإغراق أهم سلاح منتظر لمواجهة أية صناعة قادمة بقوة تحمل كل مواصفات العالمية، وقد يستخدمه البعض كوسيلة بليدة للتشويش على التقدم الصناعي المقبل لدولة تمتلك كل مقومات المنافسة ولديها طموح مشروع في ريادة العالم كالسعودية! ولكن يمكن توظيفه كسلاح ذي حدين، ويمكن استغلاله لفرض واقع معين، مع التزام قطاع البتروكيماويات بجميع الأنظمة حتى إن شكلت بعض الدعاوى في السابق أزمة، وزعم البعض أن السعودية تقوم بالبيع بأقل من التكلفة على المستوى العالمي، فإنه لا بد من أن تقف الجهات المعنية وقفة جادة كالتي قام بها عبد العزيز بن سلمان لحماية الاستثمارات السعودية بعامة والبتروكيماوية خاصة، والتي كان آخرها جهوده لإيقاف رسوم الإغراق على صادراتنا البتروكيماوية إلى مصر.
لا شك أن أبرز سمات النظام العالمي الجديد هو التحول إلى نظام السوق الحرة، ما جعل المنافسة من أجل إقناع أكبر قدر من المشترين للتوصل إلى أسواق تمتص أكبر قدر من الإنتاج بأعلى سعر لتحقيق أفضل ربح، عملية تحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل فلا بد من بناء قاعدة ثقة عالية بينك وبين الأسواق التي تستهدفها، وذلك عبر تقديم منتج جيد، وتسويق جاد وصادق، وتقديم المنتج الجيد بتكاليف مخفضة، بعيدا عن محاولة احتكار الأسواق، وحرق الأسعار، والدخول في مؤامرات واتفاقيات ملتوية للقضاء على المنافسين الآخرين.
اليوم إن كنت من أهل هذا الكوكب فلا شك أنك سمعت عن "رؤية السعودية 2030" وخطتها التحويلية، فالسعودية اليوم شركاتها قادرة على ما هو أكبر من المنافسة فهي قادرة على الريادة في كثير من المجالات، فقد ـــ حباها الله ـــ الموارد الأساسية، والبنية التحتية للمدن الصناعية، وتوفر الكهرباء والطاقة للمصنعين بأسعار مقبولة، إضافة إلى الموقع الجغرافي، وعدم فرض ضرائب على الصناعة، وعدم وجود مبالغة في أسعار السكن ورسوم والخدمات، وما هو أهم ـــ ما يفتقده اليوم الكثير من دول الصناعة في العالم ـــ وهو استتباب الأمن إضافة إلى عامل لا يقل أهمية وهو وجود ذخيرة من الشباب حيث تعتبر السعودية في المرتبة الثالثة عالميا من حيث نسبة السكان دون 29 عاما بواقع 13 مليون شخص من الجنسين، وبنسبة 67 في المائة من السكان.
من المؤكد أن الإغراق أهم سلاح منتظر لمواجهة أية صناعة واعدة تحمل كل متطلبات المنافسة.. وقد يستخدمه البعض، كوسيلة بليدة للتشويش على التقدم الصناعي المقبل لدولة تمتلك كل مقومات المنافسة ولديها طموح مشروع في ريادة العالم كالسعودية، وفرص عظيمة وتراكم إمكانات، يأتي في مقدمتها إيمان هذه الدولة السعودية بوعد ربها حيث لا يضيع أجر من أحسن عملا، الذي أمرنا بالعمل "وقل اعملوا" وفي مجال التجارة قال سبحانه "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" والتفافها حول قيادتها.
#2#
والإغراق، كما هو معلوم سلاح ذو حدين، يمكن استغلاله وإطباقه لفرض واقع معين تحتكر به الأسواق، كما يمكن أن تحمي به الدولة منتجاتها واستثمارات أبنائها كذلك.. والمنتج السعودي في قطاع البتروكيماويات الذي سبق الحديث عنه لا شك أنه ملتزم بجميع الأنظمة، وكل ما سبق من دعاوى شكلت أزمة في السابق، حيث زعم البعض أن السعودية حينها بأنها تقوم بالبيع بأقل من التكلفة على المستوى العالمي، هو افتراء محض من بعض الانتهازيين المحليين في تلك البلاد، وبالخصوص في قطاع البتروكيماويات.
ومن الجدير بالذكر هنا أن كل الدول التي رفعت قضايا إغراق، وآخرها تركيا ضد المنتجات البتروكيماوية السعودية، وإن كان للمملكة من النفوذ السياسي والقوة الاقتصادية، ما يمكنها من حماية منتجاتها واستثماراتها؛ لذلك تم تخطي هذه الأزمات بإغلاق جميع القضايا التي رفعت في السابق وباختيار رافعيها.
وكما هو موضح في الشكل الأول فإن المنتجات البتروكيماويات لا يتم تصنيعها محليا، حيث يتم تصدير ما يقرب من جميع الإنتاج إلى دول ومناطق مختلفة مثل الصين وآسيا وأمريكا، وبالتالي فإن الطلب على منتجات البتروكيماويات يعتمد على (1) الاقتصاد العالمي (2) والاستخدام المتزايد لمشتقات البتروكيماويات في الحياة اليومية من البلاستيك، والإطارات، والألياف، والمطاط، والمنسوجات، ومواد البناء، ومواد التجميل، والأسمدة، والأدوية، ما يؤثر على ارتفاع عدد السكان والتغيرات في التركيبة السكانية.
وهذا ما يجعلنا ندرك أن ثبات الأسعار وتغيرها عملية معقدة، وتختلف من منتج لآخر ومن مكان وزمان لآخر. ولقد أصبحت الكفاءات السعودية في مجال البتروكيماويات يستعان بها في شركات عبر العالم وفي دول صناعية عظمى. والكل يذكر كيف أن البتروكيماويات في السعودية مرت بفترة ازدهار وتنامي في الطلب مع استقرار في انخفاض اللقيم، ما أوجد الكثير من الارتياح لدى الشركات المصنعة للبتروكيماويات في تلك الفترة، غير أن هذا الموسم الزاهي والارتياح، أتت عليه عواصف المنافسة، خاصة الصينية التي تقوم حاليا ببناء طاقتها الإنتاجية الخاصة بها من البتروكيماويات، معتمدة على استخدام الفحم، الذي يعد مصدرا أرخص للطاقة، وهذا ما سيرفع من القدرة التنافسية للمنتجات البتروكيماوية الصينية مقارنة بالمنتجات السعودية، وما زاد من ضغط المنافسة أيضا تزايد إنتاج الغاز الصخري وزيادة الطلب عليه كمادة خام للبتروكيماويات.
ويضاف إلى كل ذلك ما أسلفنا من تحايل عدد من الدول في تسيير إجراءات مكافحة الإغراق بشكل استعدائي ضد صادرات المملكة البتروكيماوية، وكذلك عدم الصرامة في تطبيق مكافحة الإغراق بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي الأمر الذي يمنع السعودية من اتخاذ خطوات ضد تلك الدول التي تفرض سياسات تعسفية لمنع دخول الصادرات البتروكيماوية السعودية لأسواقها، يضاف إلى ذلك عودة طهران وطرقها الملتوية ـــ التواء عمائم ملاليها ـــ إلى الأسواق بعد رفع العقوبات الدولية عنها، وكذلك الأثر السلبي المتوقع على صادرات المملكة من البتروكيماويات إلى أوروبا وأمريكا بسبب التعاون الغربي ـــ الغربي بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا عبر الأطلنطي.
#3#
ولمكافحة الإغراق يجب تفعيل التعاون التجاري بين دول الخليج، حيث إن منطقة الخليج لديها ميزة جغرافية لتصدير البتروكيماويات إضافة إلى توافر الموارد الهيدروكربونية والقرب من الأسواق الآسيوية، خاصة الصين والهند وهما أكبر المستهلكين. ويصدر الخليج العربي 55 في المائة من إنتاجه من البتروكيماويات الأساسية إلى آسيا كما هو موضح في الشكلين الثاني والثالث.
وكما يقال بالمثال يتضح المقال، دول شرق آسيا عام 1996 ومع الأزمة الاقتصادية قامت بتصدير كميات كبيرة من الحديد المسلح إلى أمريكا بأسعار تسببت في أزمة لشركات الحديد الأمريكية ما اضطرها إلى الاستغناء عن عشرة آلاف عامل، وهذا ما لم تتقبله الحكومة الأمريكية ما دفعها إلى التدخل بثقل لإعادة الأمور إلى نصابها بتبني مبادرات صارمة ودعم عاجل لتجار الحديد بقروض لإنقاذ صناعة الحديد في أمريكا.
والمملكة اليوم تواجه أسواقها إغراقا في كثير من المنتجات، ولأن من ضمن أشد المتضررين قطاع إنتاج الحديد المدرفل، والأسمنت والورق الصحي، والسيراميك، والسكر والدواجن، وكذلك السجاد والحليب المركز، وكابلات الهاتف، وربما طال الإغراق أيضا عددا من السلع البتروكيماوية، والقائمة تطول ولابد من الرجوع للشركات الكبرى والاستثمارات المتضررة في المملكة لمعرفة حجم الضرر الواقع على صناعاتها القائمة، وذلك للتحديد نوع التدخل المناسب لحماية هذه المنتجات من المنافسة غير العادلة مع منتجات مستوردة تدخل إلى السوق بأسعار متدنية جدا، فارضة وضعا تنافسيا غير عادل على الصناعة المحلية.
ولمكافحة الإغراق يجب التأكيد على التالي:
1 - ضرورة تفعيل هيئة صارمة تخصص لهذا الأمر، ذات نفوذ مناسب لتقوم برصد ومكافحة الإغراق، وتقوم بمساعدة المستوردين والمصدرين، وتتابع معهم الشكوى المقدمة سواء كانت لهم أو عليهم طالما أن الأمر متعلق بالإغراق.
2 - الحزم في سن وتطبيق القوانين اللازمة، وتدريب عدد كاف من الكفاءات؛ لتقوم بدورها بتدريب آخرين وهكذا حتى تتم تهيئة القطاع الاقتصادي في المملكة بكل احتياجه في هذا المجال، خصوصا ونحن في إطار تحول اقتصادي عظيم بتطبيق "رؤية 2030" وما تحمله من تنوع في موارد الدخل ما يحقق للمملكة ـــ بإذن الله ـــ قوة متفردة اقتصاديا ليس على مستوى المنطقة وحسب بل على المستوى العالم.
3 - إعادة دراسة آليات ومصارف الدعم الحكومي المقدم، حتى لا يستمر كسبب مباشر لخفض تكاليف الإنتاج ما يجعل المنتجات السعودية تواجه بقضايا إغراق في الأسواق التي تورد إليها. وقد يكون من المناسب مثلا:
تحويل الدعم إلى رفع القدرة الشرائية للمواطن مباشرة، بدل من تقديمها كتسهيلات يصعب معها تحديد الربح الحقيقي للمنتج النهائي.
يقال هذا لأن بعض الأرباح التي تكون نتيجة دعم في المواد الأولية أو الإعفاءات تنتج عنها أرباح للشركات غير دقيقة، إضافة إلى التقاعس والركون إلى الدعم الحكومي عن المنافسة المباشرة مع المنتجات العالمية المماثلة.
4 - لحماية المستهلك والمنتجات المحلية، لا بد من فرض رسـوم جمركيـة علـى الـسلع المـستوردة حتـى تتقارب أسـعارها مـع أسـعار المنتجـات المحليـة في السوق المحلية.
5 - تمكين المستهلك من سلع محلية بجودة أعلى من السلع المستوردة.
6 - الاستفادة من التسهيلات ومرونة الأسواق في تحديد الأسعار المحلية في مستوى أقل من الأسعار المستوردة حتى إن كان بصفة غير دائمة.
7 - تضافر الجهود في ابتكار استخدامات للمنتج المحلي لا يمكن توافرها في المنتج المستورد.
8 - دعم السلع المحلية عبر تفعيل الحس الوطني للمواطن لتوجيهه إلى تفضيل المنتج الوطني عن المستورد.
9 - أقترح وبشدة التوجه إلى الأسواق الإفريقية في هذه الحالة، فهي ضخمة جدا، وواعدة وللمملكة فرص عظيمة للاستثمار فيها؛ لما تتمتع به من مكانة في نفوس أهل تلك القارة قيادات وشعوبا، وفي الأغلب هذه الدول لا تهتم لتطبيق كثير من الاشتراطات التي تفرضها أسواق الدول الأوروبية خاصة والغربية عامة.
10 - السعي إلى الوصول إلى اتفاقيات مشتركة مع دول المنطقة، والعمل على تفعيل أسواق إقليمية ضخمة تستوعب كل المنتجات.
11 - التنويع في الإنتاج ورفع كفاءة الشركات المصدرة للمنتجات السعودية.
وهنا لنا أن نتساءل من قال إن الصين تعتبر أرخص من المملكة في الإنتاج بسبب الأجور؟ فـ"نسبة الأجور إلى التكلفة النهائية للمنتج من (10 إلى 20 في المائة" إذا أضيفت تكاليف الشحن والنقل والتخزين ونسب التلف في عمليات النقل والتحميل والتنزيل، فلن يكون هناك فارق كبير، ولكن الفرق في وفرة المواد المستخدمة، إضافة إلى ضخامة الإنتاج ما يجعل المنتج الصيني أرخص، إضافة إلى أن من أهداف الحكومة الصينية توظيف أكبر قدر من قواها العاملة والسعي إلى إدخال العملات الصعبة إلى الصين. وهنا نخلص أن وزاره الطاقة والصناعة والثروة المعدنية مطالبة بمراقبة الإغراق بعد أن كانت تتصدى لدعاواه! وأتمنى أن تساندها وزارة التجارة في الفسح للمنتجات ذات الجودة العالية فقط لدخول أسواق المملكة.
والعمل على أشده في سبيل تأمين كل اللازم لتحقيق متطلبات "رؤية 2030" وما يتزامن معها من تحولات والأمر كذلك فلا بد من أن تقف الجهات المعنية وقفة جادة، كالتي قام بها الأمير عبد العزيز بن سلمان لحماية الاستثمارات السعودية بعامة والبتروكيماوية، خاصة لأنها من أهم ركائز التنوع المقصود في خطة التحول الوطني، وكذلك حماية السوق السعودي من الإغراق السعري وأنواع الإغراق الأخرى، ولا يخفى عليكم آخر مواقفه لإيقاف رسوم الإغراق على صادراتنا البتروكيماوية إلى مصر.
ولا بد أن نضع في الاعتبار أن تكون السلع السعودية بجودة مناسبة لتنافس في الأسواق العالمية، لأن هذا أول ضمان لرواجها، وأكبر سبب لإقبال الأسواق على استيرادها، وهو ضمان تسهيل السلطات لمرونة تداولها في الأسواق. لأن القدرة التنافسية للصناعات السعودية إذا كانت ضعيفة فإنها ستكون في حال تطبيق الإغراق معرضة للكساد وبنسبة كبيرة. ولا بد أن ندرك أن التقاضي الخاص بالإغراق له تكاليفه المرتفعة جدا، ومن الصعوبة تتبع الإغراق، وتحديد حجم مخاطره، ومعرفة أطرافه الخارجية ووكلائهم من الداخل؛ لذلك فإن الأمر يحتاج إلى خبرات فنية وكوادر.