المواطنة المسؤولة والتصدي للبطالة وغيرها

في كتابه "العادات السبع للناس الأكثر فاعلية" يقول "ستيفن كوفي" علينا أن نتحمل مسؤولية أنفسنا ولا نلوم الآخرين من أجل الأمور السيئة التي تحدث لنا، وهذه المقولة أو لنقل هذا المفهوم وهو تحميل النفس مسؤولية ما يقع عليها من أخطاء كما يتم الثناء عليها بما يتحقق من إنجازات إذا أدركناه بعمق فسنقوم بتحليل كل مشكلة تواجهنا لنعرف أين مسؤوليتنا في حدوثها ومن ثم نعمل على معالجة تقصيرنا في مسؤوليتنا لكيلا نقع في المشكلة نفسها مستقبلا، وهذا بطبيعة الحال سيعزز مهارة التحليل والتفكير لدينا كما يعزز ويعمق مفهوم المسؤولية في نفوسنا، وهو أمر مهم وحيوي بل ربما حاسم في جودة حياتنا لجهة تعاظم الإنجازات وانخفاض المشاكل.
أذكر أحد الآباء يقول لولده بعد أن نجا من حادث سيارة إن عليه أن يتحمل مسؤوليته لكيلا يقع له مثل هذا الحادث مستقبلا، رغم أن الحادث تسبب فيه قائد سيارة أخرى بنسبة 100 في المائة حسب تقرير المرور، ولقد استغربت كما استغرب ولده من حديثه، حيث إن المسؤولية على الطرف الآخر بنسبة 100 في المائة.
ولم يطل استغرابنا بعد ما قال بكل ثقة نعم عليه أن يتحمل مسؤوليته، وإن كانت كل مسؤولية وقوع الحادث حُملت للطرف الآخر وفق نظام المرور، إلا أن الأمر في الواقع ليس كذلك، إذ لا بد أن هناك نسبة من المسؤولية يتحملها ولدي وعليه أن يعرفها ويتجنبها مستقبلا، وقال لو أنك عند خروجك من الدوار وأنت بكامل الحق لكونك داخله لمحت قائد السيارة المتسبب بالحادث وهو يدخل الدوار بسرعة متهورة ولم تتجاهله لكون الأولوية المرورية لك لما صدمك وألحق الأضرار بك وبسيارتك، وبالتالي فأنت يا ولدي وإن لم تتحمل المسؤولية في تقرير المرور إلا أنك في الواقع تتحمل مسؤولية وقوع الحادث لأنك لم تهتم لتهور قائد السيارة المتسببة في الحادث، ولو أنك انتبهت وتصرفت بحكمة وفق مقتضيات الموقف لما حصل الحادث ولم تصب بأذى وسلمت سيارتك من الأضرار.
لا شك أن رأي الأب صحيح فلكل موقف مقتضياته، والتصرف الحكيم في كل موقف وتحمل المسؤولية في كل الظروف والمعطيات يتطلبان منا التحليل والتشخيص السليم، وبالتالي اتخاذ القرار الأمثل، وهذا يمكننا من الإنجاز كما يمكننا من تجنب المشاكل والمخاطر في الوقت ذاته، وإن بدا لنا أن الحق معنا وأن المسؤولية يجب أن يتحملها طرف أو أطراف أخرى، وهذا يقودنا إلى مناقشة "المواطنة المسؤولة" والتصدي للقضايا التي نواجهها على المستوى الفردي أو الجماعي.
المواطنة المسؤولة مفهوم، والمفهوم السليم يقودنا لمسارات العمل الصحيحة بخلاف المفهوم الخاطئ، وفي ظني أن السياسات والاستراتيجيات الفردية أو المؤسسية تبنى على المفاهيم، ومن يبني سياساته واستراتيجياته على مفاهيم سليمة سيحقق النجاح التراكمي بمرور الوقت والعكس صحيح.
ولنأخذ مفهوم المواطنة المسؤولة في مجال الحصول على الوظيفة والترقي في درجاتها، فالمواطن المسؤول الذي يحمل نفسه المسؤولية، ويحمل نفسه نتائج مواقفه وسلوكياته يقول إنه هو المسؤول عن حصوله على الوظيفة المناسبة أو سقوطه في وحل البطالة، حيث يرى المواطن المسؤول أن ما يملكه من معلومات، ومعرفة، ومهارات تثبتها الشهادات وقدرته على تجاوز المقابلات الوظيفية هي العنصر الحاسم في الحصول على الوظيفة، وأن انضباطه، وإتقانه لعمله، واحترامه لرؤسائه ومرؤوسيه وزملائه، والعمل معهم بروح الفريق الواحد، وقدرته على العطاء والإبداع، والعمل تحت الضغط عناصر حاسمة في حصوله على الترقيات وزيادة راتبه ومكافآته.
ولذلك تجده يحرص على الاستفادة مما وفرته له الدولة من تعليم عام وجامعي وعال لينمي معارفه، ومداركه ومعلوماته، ومهاراته، كما يحرص على أن يكون منافسا في كل ذلك، كما يحرص على كل فرصة تدريبية ويشارك بها بفاعلية ليزداد معرفة ومهارة، كما يحرص على القراءة، والاطلاع، والاحتكاك بالخبرات الوطنية والوافدة لاكتساب ما يجنبه الأخطاء، ويختصر له الزمن بالاتكاء على تجارب وخبرات الآخرين، وهذا المواطن المسؤول لن تجده في حال من الأحوال يبحث عن وظيفة بل عادة ما تبحث الوظائف عنه، وأعرف كثيرا ممن هم على هذه الحال، حيث تنهال عليهم العروض بشكل مستمر بعد أن وضعوا سيرتهم الذاتية التي يحدثونها باستمرار مع موقع "لينكدإن".
أما المواطن غير المسؤول فهو من أتبع نفسه هواها وتمنى على والديه والدولة الأماني، حيث لا يهتم بدراسة، ولا معلومات، ولا معرفة، ولا مهارات، ويتسرب من التعليم، ويشارك في الدورات جسدا دون وعي، ويعتذر عن كثير من ساعاتها بأعذار واهية، وفي النهاية تكون درجاته وتقديراته منخفضة وفهمه محدودا، ولا يستطيع اجتياز المقابلات الشخصية ثم يطالب والديه ومعارفه بالتوسط له للحصول على الوظيفة، كما يطالب الدولة بمعالجة بطالته التي تسبب فيها رغم أنه يجب أن يتحمل مسؤوليتها ولا يلوم الآخرين كما يقول ستيفن كوفي.
أعرف كذلك كثيرا ممن يعانون مشاكل صحية مزمنة كالسكري والضغط والسمنة وتداعياتها، ومشاكل صحية خطيرة وإعاقات ناشئة عن كسور في الظهر والجمجمة يطالبون الدولة بتوفير الخدمات الصحية الراقية والعلاج بجميع أنواعه، وعندما أتحدث معهم أجدهم لا يحملون أنفسهم أي مسؤولية إذا قادوا سياراتهم بسرعة وتهور وأصيبوا بكسور خطرة نتيجة الحوادث التي تسببوا فيها، كما أنهم يمارسون عادات غذائية سيئة ولا يتبعون تعليمات الأطباء، ولا يمارسون الرياضة ولا يتحركون، ولذلك مشاكلهم تتفاقم ويطالبون الدولة بالرعاية الصحية الكاملة والمكلفة دون أن يفكروا بدورهم في العلاج أو الوقاية من الأمراض.
ختاما، هناك كثير من القضايا التي يتحمل المواطن مسؤوليته حيالها كالسكن، والحالة الاجتماعية من زواج أو طلاق أو تشتت، وكذلك الوقوع في براثن الديون والجريمة، وتعاطي الممنوعات، والمواطن المسؤول الكيس الفطِن من يحاسب نفسه ويعرف الخلل ويعالجه بقوة وإصرار وصبر. أما المواطن الكسول سيعاني تبعات أفعاله وإن اتهم غيره بما يعانيه من مشاكل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي