«الضريبة المضافة» .. وحماية المستهلك

قال لي أحد الآباء إن ابنته طلبت منتجا لصبغ الشعر من إحدى البائعات على الإنستجرام، وإن ابنته اشترت العلبة بمبلغ مائة ريال، ويضيف أنه قام بالبحث عن سعر المنتج في محركات البحث بعد أن استنكر تكلفة المنتج غير المعقولة فوجد سعره 25 ريالا في الجملة ويراوح بين 35 و40 ريالا في محال التجزئة، ويقول إن البائعة باعت المنتج بأربعة أضعاف قيمته في الجملة بجشع يفوق التصور، حيث تستغل جهل المشترين دون رادع أخلاقي أو قانوني، مبينا أنها إضافة إلى جشعها فهي لا تتقن أبجديات التسويق وبناء الزبائن بشكل تراكمي حيث سيكتشف الزبائن جشعها، وينصرفون عنها، ولايوصون الآخرين بالشراء منها.
أحد الأصدقاء يقول إنه ذهب لاستبدال إطارات سيارته بعد أن استهلكت، ولكونه يعلم مدى جشع البائعين وتعدد طرق احتيالهم، وعدم وجود لائحة أسعار واضحة للمشترين ترتبط بنوع الإطار ومواصفاته وسنة صنعه، فقد قام بالمرور على محال عديدة للتعرف على الأنواع والمواصفات والأسعار، وقال إن الجشع والكذب والاحتيال سيد الموقف، فالتواصل مع أي منهم يبدأ بأسعار خيالية ثم تبدأ مرحلة النزول شيئا فشيئا مع الحلف بأيمانٍ مغلظة بأن مكسبهم لا يتعدى 20 ريالا في الإطار الواحد، ويؤكد أن الأرباح كبيرة وأن الزبائن يقعون فريسة جشع البائعين ومن خلفهم من المستثمرين لغياب لائحة الأسعار، والفوترة الإلكترونية المراقبة من قبل وزارة التجارة أو أي جهة حكومية أخرى معنية تحاسبهم حال صدور فواتير بأسعار تتجاوز الأسعار المعلنة.
صديق آخر يؤكد أنه لم يأت بفني لصيانة أو إصلاح أي عطل في التكييف، أو السباكة، أو الكهرباء إلا وكان النصب والاحتيال والكذب والأسعار الفلكية، وأنه مهما دقق وتابع فإنه لن يتمكن من ضبط هؤلاء، حيث الادعاء بأعطال غير موجودة، أو تكاليف غير منطقية بتاتا لإصلاح الأعطال حيث تتجاوز أسعارهم حدود التكلفة بأضعاف مضاعفة، وليس أدل على ذلك من أسعار قطع إصلاح المكيفات للأعطال المعتادة حيث يطلبون أسعارا مضاعفة ثلاث وأربع مرات، فضلا عن تكاليف الإصلاح الخيالية، ويضيف أنهم يتعمدون كذلك تعطيل أجزاء أخرى حتى يأتون للصيانة مرة أخرى لأعطال غير تلك التي أصلحوها.
صيانة السيارة قصة أخرى أيضا، حيث تكاليف قطع الغيار المتفاوتة والغش في أنواعها أمر شائع حيث تباع القطع المقلدة على أنها قطع أصلية وبأسعار فلكية مقارنة بأسعارها في الإنترنت، أما تكاليف الإصلاح فتشعر مما تسمع أن تكلفة ساعة العامل الوافد لا تقل عن ألف ريال في حين أن مرتبه لا يتجاوز ألفي ريال شهريا. ويقول أحد الأصدقاء إنه عندما عاتب أحد العاملين في مركز صيانة سيارات لسعره الخيالي جاءه الرد الصاعق حيث قال العامل إن إيجارات الورش في الصناعية وفي محطات الوقود كبيرة جدا، وإن الكفلاء يأخذون مبالغ شهرية من مكفوليهم، ولذلك كلٌ يأكل الآخر.
أما أسعار خدمات كشف التسريبات في شبكة الماء ودورات المياه وإصلاحها، وكذلك تسريبات سطوح المنازل وشبكة تصريف الأمطار فحدث ولا حرج، فالكشف بأجهزة متواضعة بأسعار خيالية، وتشخيص السبب يعتريه التضخيم وإضافة أسباب أخرى غير ذات صلة بالتسريب أو التهريب ليكبر العمل وتتضخم الفاتورة بآلاف الريالات. وعندما أقوم بحساب تكلفة المواد والعمالة والزمن المستغرق أجد أن الأسعار قد تصل إلى عشرة أضعاف، ورغم ذلك لا رادع أخلاقيا أو قانونيا.
في الدول المتقدمة حيث نظام الضرائب يشمل الأفراد والمنشآت، أصبحت المعلومات متوافرة وبشكل دقيق عن دخل ومصروفات الأفراد والشركات، وبالتالي تمكنت هذه الدول من ضبط الأسواق من التلاعب والاحتيال في ظل وجود نظام مراقبة صارم يعتمد على المعلومات الدقيقة والشاملة والحديثة المتوافرة نتيجة وجود نظام الضرائب وتطبيقه بحزم ودون تهاون، فهل سيكون لإقرار وتطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة أثر كبير في ضبط الجودة والأسعار في بلادنا بما يجعل تكلفة الـ 5 في المائة التي ستضاف على الأسعار نتيجة هذه الضريبة تتضاءل أمام انخفاض التكاليف التي يتحملها المستهلك نتيجة النصب والاحتيال والتلاعب بالأسعار والجودة دون رقيب أو حسيب؟
حسب علمي أن كل نشاط تجاري يجب أن يبدأ باستخدام أجهزة الفوترة الإلكترونية لمعرفة حجم المبيعات وتكلفتها بدقة، وكذلك عليه توفير الفواتير الإلكترونية عند استيراد المواد الداخلة في التصنيع أو الإنتاج لحساب الفرق الذي على أساسها لاحتساب الضريبة المضافة، وهذا بكل تأكيد يوفر لوزارة التجارة والاستثمار قاعدة بيانات لتكاليف إنتاج السلع والخدمات، وكذلك قاعدة بيانات لأسعار البيع، التي على أساسها يمكن متابعة الأسواق وحماية المستهلك من الطمع والجشع لينعكس ذلك إيجابا بالمحصلة على نسبة التضخم والقدرة الشرائية للمواطنين، وهذا يجعل المواطن في حالة من تمام الرضى على تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي أدت لحمايته وتخفيض تكاليف السلع والخدمات بشكل كبير يفوق نسبة الـ 5 في المائة التي سيتحملها بشكل غير مباشر.
لذلك أرجو من الجهة المعنية بحماية المستهلك في وزارة التجارة، وكذلك من الدكتور توفيق الربيعة، الذي كلفه خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، بتنظيم جمعية المستهلك لتنهض بدورها على أكمل وجه، الاستفادة من البنية المعلوماتية التحتية اللازم تطويرها لدى كل منشآت القطاع الخاص تمهيداً لتطبيق الضريبة المضافة، وذلك للوصول لتكاليف إنتاج السلع والخدمات، والسلع المستوردة لاحتساب الأسعار دون مبالغة كما هو الحال الآن، ومن ثم تحديد ومعرفة أسعار البيع ومراقبتها بالتعاون مع الهيئة العامة للزكاة والدخل، ولا شك أن الجمارك سيكون لها دور كبير كذلك في توفير المعلومات الدقيقة والحديثة.
ختاما، لاشك أن ضريبة القيمة المضافة مهمة وحيوية لدعم إيرادات الدولة بشكل مستدام، وقد يعتقد البعض أنها سترفع التكاليف والتضخم، وبكل تأكيد ليس الأمر كذلك لأسباب عديدة، ولعل مراقبة الأسعار من خلالها سيحقق العكس تماما بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي