فيلم «آي تي» .. الرعب بالتهريج
أن تقرر مشاهدة فيلم رعب، هذا يعني أنك تتمتع بقلب جامد يدفعك للتسمر أمام شاشة عملاقة حابسا أنفاسك متشوقا للأحداث ولنبضات قلب متفاوتة ما بين السرعة والبرود، ولا يمكن لفيلم يحمل صفة الرعب أن يمر دون أن يرفع الأدرينالين لدى المشاهد، إلا أن هذه العوارض في بعض الأحيان لا تتحقق نتيجة لعدم مطابقة الفيلم لمعايير الرعب المتعارف عليها، كما حصل في فيلم IT المبني على رواية للمؤلف الشهير ستيفن كينغ، الذي قدم فيلما مغايرا بكل المقاييس، فجاء الرعب مدموجا مع الدراما والكوميديا بشكل ممتع جعل النقاد وصناع السينما العالمية يشيدون به.
تدور أحداث الفيلم في بلدة "ديري" عندما يُعطي بيل دينبرو شقيقه البالغ من العمر سبع سنوات فقط جورجي مركبا شراعيا مصنوعا من الورق. يقوم جورجي بأخذ المركب ويذهب خارجًا في جو ممطر، تزداد سرعة المركب، نظرًا لكمية المياه الغزيرة ليسقط في نهاية المطاف في المجاري.
يحاول جورجي إخراج المركب لتظهر لنا تلك الشخصية المرعبة، المهرج بيني وايز، الذي يلعب دوره الممثل السويدي بيل سكارسكارد، يدور حوار قصير بينهما لينتهي المطاف بجورجي القتل على يد المهرج.
ومن هذه اللحظة يبدأ اختفاء الأطفال واحداً تلو الآخر، بعد البحث عنهم يتبين فقط أجزاء من أجسادهم مأكولة ومقطعة، الشيء الذي سيدفع مجموعة مكونة من سبعة أطفال ينتمون إلى "نادي الخاسرين" للبحث عن أجوبة حول اختفاء أصدقائهم ومخافة من أن يلحق بهم نفس الشيء. تأخذهم رحلة البحث هذه إلى مقابلة البهلوان فيتحدونه ويصرون على قتله.
وتتألف مجموعة "الخاسرين" من عدد من الأطفال المضطهدين في مدرستهم ومنازلهم، الممتلئين قهرًا والمتجرعين عنفًا، ففيهم فتاة يعتدي عليها والدها، وولد تُوهِمه والدته بأنه مريض يستوجب تَجَرُع الأدوية كل ساعة كقطع الحلوى، وآخر يُتخِمه جسده ويحجب عنه رؤية الآخرين لذاته الفريدة، وفيهم من يحيا متقوقعًا في مأساة فقد أخيه الصغير ولا يأبى تجاوز الأمر.
شخصيات لا تنسى
ولقد كان أولئك الممثلون الصغار على مستوى التحدي عبر إيجاد شخصيات لا تنسى التي يمكنها بسهولة حمل فيلم كامل على كاهلها وجعل كل شيء أكثر إثارة للاهتمام.
ولم تخل بعض اللقطات في الفيلم من الحس الفكاهي والكوميديا، وإن خففت من حدية الأحداث المرعبة التي تتجسد في شخصية البهلوان إلا أن وجودها كان ذا مغزى مهم، فالمخرج آندي موشيتي حافظ جيداً على الطابع الطفولي للأبطال مع الأحاديث السخيفة وحماقات صداقات الطفولة، لقد كانت مهمات البحث داخل المجاري بحثاً عن أخ صغير مفقود فرصة للكشف عن الطريقة التي يتعامل بها كل طفل مع المشاكل، فالبعض يتعامل بالحس الفكاهي والبعض الآخر يتوتر أو يتشجع للتغلب على الصعاب، والطريقة التي يتفاعل بها الفتيان اليافعون مع صديقتهم الجديدة بيفيرلي، التي تلعب دورها صوفيا ليليز، كل منهم بطريقته المختلفة أيضا، يضيف أيضا إلى الدراما التي ترتبط بالمراهقة، وعندما قرروا محاربة البهلوان أو الوحش هم في حقيقة الأمر واجهوا مخاوفهم، وتحرروا منها عند تلك النقطة التي عزموا فيها فقط على القتال.
التعامل مع الأطفال
ولقد ظهرت واضحة فكرة الفيلم الأساسية وهي كيفية تعامل الأطفال مع الأحداث انطلاقا من التراكمات النفسية لديهم نتيجة تعامل الأهل، وهو ما أضفى عمقا على فكرة الفيلم، حيث يحصل كل طفل منهم على لحظة فريدة ليهيم وحيداً وينظر إلى الأشياء التي تخيفه، قد تكون لوحة مخيفة أو جسما مخيفا أو مرضا عضالا أو حتى المهرجين، ثم يشاهد ذاك الشيء يتجسد بطريقة مرعبة على يد المهرج بيني وايز، فجاءت متكررة بعض الشيء لكن كل مشهد يختلف عن الآخر لدرجة يحافظ على الرعب فيه مع إيصال الفكرة المطلوبة.
ويعود السبب في عدم تربع الفيلم على عرش الرعب القوي خاصة في الجزء الأول من الفيلم إلى مجموعة من الأسباب أبرزها أن الأحداث التي جرت جميعها في وضح النهار خففت من وطأة الخوف والتوتر، إضافة إلى المشاهد الكوميدية، فجاء فيلم تشويقي بامتياز، يجمع ما بين الدراما والكوميديا والرعب، وتميز بتتابع وتسلسل للأحداث بشكل جميل في مدة زمنية ممتازة، فالفيلم لم يكن طويلا جدا ولا قصيرا، بل جاء توقيته مناسبا. أما الشخصية المحورية للفيلم وهي شخصية البهلوان، التي أدت الدور بشكل بارع نستطيع أن نقول إنها بثت في الفيلم نفحات من الرعب خاصة في النصف الثاني منه، حيث بدأت الأحداث تزداد رعبا نوعا ما، وأصبح أكثر إثارة، فكان لهذه الشخصية طابع خاص جعلها من الشخصيات التي لا تُنسى، وربما ظهوره في الأماكن التي لا يمكن توقعها هو ما جعله شخصية فذة.
الرعب الحقيقي
في النصف الثاني يبدأ الفيلم بالتمهيد نحو الخاتمة المثالية التي نرى فيها جميع شخصياته وقد أصبحت في صف واحد، ويصبح بيني وايز من أكثر الأشرار رعبا، حيث نراه يقفز ويتمايل بفضل براعة فريق المؤثرات البصرية، ليقدم لنا وحشا ذا مظهر غير طبيعي إطلاقا لدرجة يصعب أن تصدق عيناك ما تراه. ولهذا السبب يمر وقت طويل لا يخبر فيه الأطفال بعضهم بعضا على ما قد رأوه، والسبب في أن كل شيء يصبح أكثر إثارة للرعب، وهم محاطون بالدماء التي لا يمكن لغيرهم رؤيتها، عندما لا يعود بإمكانهم إنكار أن كل هذه الصدمات هي ربما عبارة عن تجليات وهمية لأعمق مخاوفهم النفسية.
وعلى الرغم من وجود بعض الثغرات في الفيلم إلا أن المخرج استطاع أن يجذب المشاهد إلى بعض النقاط المهمة أبرزها المؤثرات البصرية والصوتية، فضلا عن زمن الأحداث، التي تدور في أكتوبر عام 1988، وهو عام صدور الرواية، التي أظهرها المخرج بصورة كلاسيكية ساحرة تمتزج لتجعل المشاهد يصاب بنوستاليجيا الحنين إلى الماضي، خاصة الكائنات المرعبة التي استخدمت، مثل لافتات دور السينما التي تستعـــرض صــــــــور Batman وLethal Weapon 2، أو آلات الآركيد للعبة Street Fighter 1. وليس من المصادفة أن هذه النسخة تحمل طابع حنين لحقبة الثمانينيات بنفس الطريقة العاطفية التي أظهرها ستيفن كينغ في حنينيه لفترة الخمسينيات في كتابه الأصلي، ويستخدم الفيلم هذا الأمر كسلاح ضد جيل كامل جديد، إضافة إلى ذلك استطاع المخرج التحكم والسيطرة في الجانب التقني، كطريقة التصوير والإضاءة واختيار كادرات ممتازة موازاة مع الجانب الفني، كأداء الممثلين الذي كان احترافيا رغم أن الممثلين الرئيسيين هم فقط أطفال.
إيرادات واحتجاجات
تخطى فيلم IT الذي يسرد فقط نصف رواية ستيفن كينغ، مع صدور النصف الثاني كجزء ثاني للفيلم، حاجز الـ 400 مليون دولار عالميا بعد أسبوعين فقط من عرضه، كما تربع الفيلم على عرش قائمة الـBox Office الأمريكية بإيرادات بلغت 236.339 مليون دولار بعد أسبوعين من طرحه، إلا أن هذا النجاح لم يرق لبعض الشركات، فتقدمت سلسلة مطاعم برجر كينج العالمية، بشكوى رسمية إلى هيئة الرقابة، تطالب فيها بوقف عرض فيلم الرعب الشهير IT من دور العرض، وذلك بسبب تشابه المهرج بيني وايز في الفيلم والصورة الرمزية التي تشتهر بها سلسلة مطاعم منافستها ماكدونالدز، ما يعني مزيدا من الدعاية للمطعم المنافس لها، حسبما ذكر موقع هوليود ريبورتر.
واعتبرت برجر كينج أن المهرج بيني وايز وهو الشخصية المحورية في الفيلم، يتشابه إلى حد كبير مع الشعار الرمزي الخاص بسلسلة مطاعم ماكدونالدز، وهو ما اعتبرته شكلا من أشكال الدعاية المباشرة لمنتج منافس لها. ومن ناحية أخرى، أوضحت سلسلة مطاعم برجر كينج أن استمرار عرض فيلم IT، سيؤثر سلبا أيضا على منافستها ماكدونالدز، بسبب تقديم الفيلم شخصية المهرج بشكل مرعب.