«رشاقة الأعمال» لتبني التقنية
انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يصور محادثة كاملة يقوم بها برنامج طورته شركة جوجل مع موظف استقبال حجوزات في أحد المطاعم. برنامج الذكاء الاصطناعي تمكن من فهم المحادثة رغم المتغيرات الممكنة والتعامل مع أحداث غير متوقعة من واقع خبرة اكتسبها بعد إجراء عدد كبير من المكالمات. هذا مثال بسيط عن مستوى التداخل والتكامل المتوقع في المستقبل القريب بسبب التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي. الأمر الذي يزيد من عمق واتساع عوامل الإخلال، لتشمل أنشطة تجارية وقطاعات اقتصادية متعددة. وهي بذلك مع الروبوتات تعمل على أتمتة عمليات كاملة في سلاسل إمداد الخدمات أو الإنتاج.
رغم التهديد المباشر لبعض الوظائف البشرية التي ستتمكن الشركات من الاستغناء عنها، إلا أن آفاق التعاون بين الإنسان والآلة من الاتساع بشكل يتيح لمزيد من الزيادة في الإنتاج والكفاءة وحتى الوظائف. هذه الوظائف ستكون من نوع مختلف، ليست فقط الوظائف التي لا يمكن للآلة القيام بها، بل التي تحتاج إلى لمسة إبداعية وفكرية بشرية. هذا النوع من الذكاء الهجين ليس جديدا، بل بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي. فمع تطوير شركة أي بي إم لبرنامج ديب بلو الذي تمكن هزيمة بطل العالم في الشطرنج ـــ جاري كاسباروف ــــ فكر الأخير باستغلال الآلة. فالبرنامج يقوم على عمليات حسابية تمكنه من معرفة كافة الحركات المتاحة وتبعات كل خطوة، ولكن الإنسان وحده يقدر على توقع أثر الخطوة في الخصم وردة الفعل عنها. وبالجمع بين الاثنين، تغيرت الطريقة التي تلعب بها الشطرنج، وكذلك البرامج التي تتعلم اللعبة.
حتى يكتب النجاح لمثل هذا التعاون، فمن الضروري أن تعتمد الشركات والمنظمات أنظمة تشجع هذا التعاون. هذه الأنظمة الحديثة يطلق عليها اصطلاحا "أنظمة رشيقة"، وقد ظهرت استجابة للتغيرات في عالم إدارة شركات البرمجيات في بداية الأمر، ثم ما لبثت في الانتشار لتشمل إدارة المشاريع والموارد البشرية. "النظام الرشيق" يعتمد هيكلا تنظيميا أفقيا في توزيع الوظائف لتخفيف القيود البيروقراطية للهيكل الرأسي. فقلة عدد المستويات تساعد على سرعة اتخاذ القرار وزيادة حس المسؤولية، وبالتالي تحز تبني نهج أكثر إبداعية في حل المشكلات. كذلك تعمل الاستراتيجية الرشيقة على زيادة سرعة الاستجابة في الشركة لتعتمد مبدأ التوريد المستمر. فتكون عملية التوريد حلقة من ردود الأفعال، حيث يستجيب النشاط لردة فعل العميل بشكل لحظي مع كل عملية، فيتحول تركيز النشاط من زيادة الأرباح إلى هدف طويل الأجل وهو تعظيم الفائدة للعميل. ونظر لأهمية المعلومات، كونها الأساس الذي تعتمد عليه عملية الاستجابة السريعة، فإن قنوات نشرها وتبادلها تتحول في المنشآت الرشيقة إلى الشفافية المطلقة، فهي وحدها الوسيلة الأكفأ والأسرع في إيصال المعلومة وإتاحتها للجميع. مبادئ النظم الرشيقة ما زالت في أول الطريق، كما هو الحال مع الذكاء الاصطناعي، ولكن سرعة التغيير والتطور في المجال الأخير ستفرض التحول إلى الأنظمة الرشيقة لضمان الاستمرارية.