السقف المثقوب

أخبر قريبي ابنته الصغيرة بأنه سيحضر لها هدية تسعدها جدا بعد نجاحها بتفوق.
كلما رآها ابتسم وربت على كتفها قائلا: "ثابري، لتنالي هديتك الكبيرة التي تنتظرك".
أصبحت الهدية هي القاسم المشترك لحواراتهما اللفظية والصامتة. فعندما يخيم السكوت تبرق عينا طفلته وتخبره بعطشها للوعد المنتظر.
ظل طوال العام الدراسي وهو يشجع ابنته الجميلة للحصول على الهدية المرتقبة.
أوفت ابنته بوعدها. وظفرت بالتفوق الذي ينشدانه. عاد الأب إلى المنزل وهو يخبئ الهدية خلف ظهره. أهداها إياها بعد قبلة طبعها على جبينها. فتحت غلاف الهدية بحماسة ادخرتها منذ الوعد الأول. بكت بعد أن عثرت على الهدية المخبوءة بين أوراق التغليف. هرع إليها والدها ليحتضنها بذراعيه. فجأة انسلت من جناحيه وهربت إلى الغرفة. ذهب إليها والدها ليجفف دموع فرحها. لكن الصدمة كانت عندما فوجئ بغضب الابنة الصغيرة. فلم تكن دموع فرح بل حزن. تقول وهي تنتحب: "بابا، توقعت أن تهديني هاتفا وليس جهازا لوحيا. لا أريد هذه الهدية".
تحول مصدر الفرح إلى ترح، بسبب رفع سقف التوقعات.
هذه القصة التي رواها لي قريبي رسخت منهجا في عقلي. يكمن في عدم رفع سقف التوقعات مع الجميع.
أعط بلا وعود. بلا مقدمات وتمهيد. لا تهيئ أحدا.
دائما يقترن رفع سقف التوقعات بالخيبة والخذلان.
قطعا أي شيء تقوم به سيكون رائعا وجميلا ولطيفا، ولكن عندما تمهد له قد يصبح باهتا عاديا أقل من المأمول.
يقول المثل الإنجليزي: "إذا لم تتوقع شيئا من أي شخص، فلن تشعر بخيبة أمل أبدا". لذلك لا تستدرج الآخرين لتخيب ظنهم.
ما حدث للطفلة الصغيرة قد يتكرر مع الكبار بصيغ مختلفة.
فاحرص ألا تقع في فخ التوقع والتوقعات.
أهد دون أن تعد وتعطي الآخرين فرصة للتوقع والتخيل والتنبؤ. حتى لا يقع سقف التوقعات المثقوب على رأسك ويؤذيك ويؤلمك.
التوقعات تفسد العطايا والهدايا.
أجمل الأشياء تأتي بلا وعد، وعلى غير موعد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي